"هجوم السلام السوري".. ولكن
الأحد 24/12/2006 برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية
وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية الدعوات السورية المتكررة، التي تصدر عن أعلى المستويات في دمشق، لإسرائيل من أجل استئناف العملية السياسية بين البلدين، بـ "هجوم السلام السوري". ففي الوقت الذي كانت فيه هذه الدعوات تلقى آذانا صماء في المؤسسة السياسية الإسرائيلية برمتها، وأيضا في وسائل الإعلام، وعند صنّاع الرأي العام في إسرائيل، إلا أن تكرارها، ومضامينها التي "أذهلت" البعض الكثير في إسرائيل، أحدث شرخا واضحا جدا في الجهاز السياسي الإسرائيلي وأيضا لدى كبار الكتّاب وصنّاع الرأي ووسائل الإعلام. ففي الأيام الأخيرة صدرت تصريحات من سورية على لسان رئيسها بشار الأسد ووزير خارجيتها وليد المعلم كان لها وقع كبير على الشارع الإسرائيلي، حين أعلن المعلم بشكل واضح في إحدى المقابلات الصحافية، ان سورية تدعو إلى مفاوضات من دون شروط مسبقة، وحتى أنها لن تضع هضبة الجولان السورية شرطا مسبقا. ورغم هذه التصريحات إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، أيهود أولمرت، واصل رفضه المتكرر لإجراء مفاوضات مع سورية، ووصل هذا الرفض إلى حد الفضيحة، حين أعلن أولمرت جهارة في جلسة حكومته الأسبوعية، أنه "كيف يمكن لإسرائيل أن تثير غضب الرئيس الأميركي الحليف الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل، بأن تقرر التفاوض مع سورية". وبدلا من غضب بوش، فقد واجه أولمرت غضب المحللين وبعض السياسيين، فيقول المحللان السياسيان الإسرائيليان ألوف بن وشموئيل روزنير، إن أولمرت حول ارتباطه بجورج بوش إلى أيديولوجيا، كما أثار هذا الموقف "غضبا" ملحوظا، لدى كبير المحللين العسكريين الإسرائيليين زئيف شيف، المعروف عنه أيضا أنه يحمل الأفكار التي تدور في أروقة ودهاليز المؤسسة العسكرية، ففي مقاله له في صحيفة "هآرتس" لفت شيف نظر أولمرت إلى الصوت الآخر الصادر من واشنطن، من خلال تقرير بيكر هيملتون. ويعتبر الكثير من المحللين والخبراء الإسرائيليين، أن أمام إسرائيل فرصة تاريخية للتفاوض مع سورية، التي "تواجه ضغوطا دولية"، ويدّعون انه في مثل هذه الظروف بالإمكان التوصل إلى أفضل اتفاق بالنسبة لإسرائيل، وهناك من يشبّه التصريحات السورية، بالخطوات السياسية التي اتخذتها ليبيا في السنوات الأخيرة، باتجاه الغرب والولايات المتحدة. تكرار الذرائع الإسرائيلية لرفضها التفاوض مع سورية، مثل دعم بعض الفصائل الفلسطينية وحزب الله اللبناني، وغيرها، لم يعد يلقى آذانا صاغية في إسرائيل كما كان الحال سابقا، "فالهجوم السوري" أفرز سؤالا في الشارع الإسرائيلي: "لما لا نجرّب"، خاصة وان سورية تظهر في إسرائيل، وبشكل خاص في المؤسستين السياسية والعسكرية، كمن تحترم الاتفاقيات، وحدودها مع إسرائيل في قلب الهضبة المحتلة، تعتبر الأكثر هدوءا، وحتى أن انتشار الجيش النظامي الإسرائيلي في تلك المنطقة هو الأقل نسبيا، مقارنة مع باقي الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل من جميع الجهات. لن نغرق في الأوهام، ولن نقول ان الشارع الإسرائيلي بأكثريته أصبح جاهزا لتوقيع اتفاق سلام مع سورية يقضي بالانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة، التي باتت بموجب القانون الإسرائيلي الاحتلالي جزءا من إسرائيل، إلا أن الدعوات السورية المتكررة بخاصة بصياغتها المتكررة، نجحت في فرض نقاش قوي في قلب إسرائيل، وهذا بالإمكان اعتباره إنجازا لسورية، ويعكس حنكة سياسية، نجحت في قراءة الخارطة السياسية في إسرائيل والعالم، الذي هو أيضا بدأ يشعر بحرج وصل إلى عتبات البيت الأبيض، من خلال تقرير بيكر هيملتون. لكن.... لنترك إسرائيل جانبا، ونوجه السؤال المحيّر، فلماذا سورية تسمح لنفسها ما ترفضه للغير، لماذا تسمح القيادة السورية لنفسها باتقان اللعبة السياسية وحنكتها، وتنجح في اختراق جدار الإجماع الصهيوني بشكل واضح، ولكن حين تأتي جهات أخرى واساسية في المنطقة لتلعب هي أيضا دورا سياسيا في اتجاه إسرائيل لمحاصرتها سياسيا، فإننا نقرأ ونسمع ونفهم ردا غريبا عجيبا من دمشق ومؤسستها الإعلامية، لا يخلو من الغمز واللمز حول شبهات "التفريط" إلى درجة التخوين. فمن الجيد جدا ان تفسح سورية المجال أمام الفصائل الفلسطينية لتنشط فيها، ومن خلال وسائلها الإعلامية، إلا أن هذا المجال مقتصر على لون واحد من السياسة، الذي يصب في خانة المعارضة للقيادة الفلسطينية المتمثلة في رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية. ومن يتابع "ندوات" التلفزيون السوري والصحافة السورية، يخرج بانطباع خطير وهو أن هناك محاولة للتشكيك إلى درجة التخوين، خاصة في الأزمة الحالية التي يشهدها الشارع الفلسطيني، فخطاب الرئيس محمود عباس، الذي عدا عن حدته في بعض الجوانب فقد توصل إلى معادلة بسيطة في أساسها، وفي منتهى الديمقراطية، تعتمد على مبدأ ان الشعب هو الحَكم، "فإن استمر خلافنا لنعود جميعا إلى الحَكم الأساسي"، ليس المجلس التشريعي وحده الذي لم يمر على انتخابه عام، بل أيضا الرئاسة التي لم تنه نصف ولايتها القانونية. إلا أن الجوقة الصادرة من هناك، ومن يدور في فلكها خارجا، راحت لتشكك بنزاهة انتخابات لم يحدد موعدها بعد، ومن يتجرأ على تشكيك كهذا، عليه أولا ان يعي طبيعة الشعب الفلسطيني الذي رغم استمرار وجوده تحت نير الاحتلال، إلا أنه يعرف كيف يواجهه. ومن المضحك المبكي، ان الندوات السورية تتحدث عن الانتخابات التشريعية الفلسطينية، والمنطلقات والاسس الديمقراطية وضرورتها، فهل يحق لسورية أن تعظ بالديمقراطية والانتخابات الحرّة. هناك في القيادة الفلسطينية من يعي هو أيضا ضرورة محاصرة إسرائيل سياسيا، أكثر منه عسكريا، ومن بينهم من خلع بزته العسكرية فقط قبل 13 عاما، بعد أن كان مضى على هدوء هضبة الجولان السورية عشرين عاما، نضيف عليها الأعوام الثلاثة عشر الأخيرة. فلماذا يحق للقيادة السورية ما لا يحق للقيادة الفلسطينية؟ لا يمكن مواجهة سياسة التشكيك السورية بتشكيك ضدها، فما فعلته سورية تجاه إسرائيل يسير في الاتجاه الصحيح، لأن إسرائيل ضعيفة جدا في الحلبة السياسية، ومثل هذا "الهجوم الكاسح" يزيد من ضعف إسرائيل ويعريها أكثر، ولكن المطلوب من سورية هو أن تكف هي عن حملات التشكيك، وإذا أصبحت وسائلها الإعلامية تسعى الآن للرأي الآخر خارج سورية، فعليها ألا تذم وتشكك في الرأي الأول، وتعي ان درجة الوعي لدى الشعب الفلسطيني أقوى من كل الحملات المغرضة، التي تصب الزيت على نار فلسطينية داخلية يجب ان تخمد للأبد وبسرعة.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|