دخلت إسرائيل العام 2006 وهي في أوج استعداداتها للانتخابات البرلمانية التي جرت في نهاية شهر آذار (مارس) وقلبت الكثير من الأوراق الحزبية والسياسية، وعكست نفسها على مختلف مجريات العام.
بعد أربعة أيام من بدء السنة المنتهية سقط الرجل القوي، من أبرز الأقوياء في تاريخ إسرائيل، أريئيل شارون، على فراش المرض، ولا يزال عليه، ليخلق فجوة كبيرة، بعد شهر ونصف الشهر من تأسيسه لحزب "كديما"، الخليط بغالبيته الساحقة من حزب الليكود اليميني، وبعض أشلاء حزب "العمل" على شاكلة زعيمه التاريخي شمعون بيرس، وبعض رفاقه.
والتقطت إسرائيل أنفاسها على مدى أيام، حتى استدركت ان لا عودة من سقوط شارون، الذي تحول إلى حالة أشبه بالموت السريري، وبدت إسرائيل كمن ربطت مصيرها بشخص شارون، الذي ذاقت منه الويلات بتاريخه الدموي، وعلى رأسه الحرب على لبنان في العام 1982.
إلا أن الشارع الإسرائيلي الذي شهد لشارون خروجه من قطاع غزة، انتظر منه الخطوة المقبلة في ما يتعلق بالضفة الغربية، ومن سلسلة "نجوم السياسة" السيّارة في فلك شارون، كان اختيار إيهود أولمرت من منطلق اللا مفر، فأولمرت الذي لم يعلن في أي يوم من الأيام أي طموح لمنصب القائد الأول، وجد نفسه على رأس حزب سيقود إسرائيل في الفترة المقبلة.
وينضم أولمرت من حيث الصدفة في وصوله إلى رأس الهرم، إلى شريكه المستقبلي في الحكومة عمير بيرتس، الذي هو أيضا تولى رئاسة حزب "العمل" في نهاية العام 2005، بشكل مفاجئ، ليطلق على الاثنين لاحقا "قيادة الصدفة"، التي ستقود إسرائيل لأزمة تلو الأخرى كما سيظهر من استعراض السنة التي نودعها هنا.
فوز حماس يقلب الأوراق الإسرائيلية
تفاجأت إسرائيل بكل مستوياتها السياسة والأمنية والإستخباراتية، بفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في نهاية الشهر الأول من العام الحالي، وفور ظهور النتائج بدأ تبادل الاتهامات بين الأجهزة الإستخباراتية، التي لم تتوقع فوزا كهذا.
وقد أمسكت هذه النتيجة الأحزاب الإسرائيلية، وهي تنهي صياغة برامجها الانتخابية، مما فرض على كبرى الأحزاب إعادة صياغة بنود في تلك البرامج، تتعلق بالموقف من القضية والسلطة الفلسطينية. إلا أن الإجماع الصهيوني تجلى في الموقف الرفضي لأي تعامل مع أية حكومة تشكلها حركة حماس، والتهديد والوعيد الذي مارسته إسرائيل لحركة حماس خلال الحملة الانتخابية الفلسطينية، وساهم بشكل جدي في إحداث النتيجة على الساحة الفلسطينية، واصلته إسرائيل الرسمية والحزبية بعد الانتخابات، مما عكس نفسه على التطورات السياسية اللاحقة في الجانب الفلسطيني.
وسارعت إسرائيل وهددت بأنها ستوقف أي تعاون مع الحكومة الجديدة رغم ان تعاونا كهذا لم يكن في السنوات الخمس التي سبقت وصول حماس إلى الحكم، وكذا الأمر بالنسبة للتعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي انتخب قبل عام كامل من فوز حماس.
وفي الحال شهدنا تحركا جديدا في الحملة الانتخابية الإسرائيلية، فبعد فوز حماس، اتبع حزب الليكود اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو سياسة الترهيب إلى أقصى حدود، من وصول حماس إلى الحكم، طالما ان الليكود ليس في السلطة، أما حزب "كديما" بزعامة أولمرت فقد بدأ تنفيذ سياسته قبل الانتخابات، بحجز الأموال التابعة للسلطة الفلسطينية لدى إسرائيل، والسعي لدى الأوساط الدولية لمقاطعة حماس، وكان التجاوب الدولي في تلك المرحلة بمثابة دعم مباشر لحزب "كديما" في الانتخابات الإسرائيلية، أما حزب "العمل" بزعامة عمير بيرتس، فقد تميز خطابه بالتلعثم، وتحرك موقفه بين المقاطعة الكاملة، وانتظار كيف ستتصرف حماس في السلطة.
الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية
في صبيحة التاسع والعشرين من شهر آذار (مارس) من العام المنتهي، استفاقت إسرائيل على واقع جديد لم تشهده في تاريخها، أفرزته الانتخابات البرلمانية التي جرت في اليوم السابق، فلأول مرة يرأس الحكم حزب "كديما" الجديد، ليكسر دائرة التناوب بين الحزبين التقليديين "العمل" و"الليكود".
إلا أن نتائج تلك الانتخابات عكست حالة التخبط التي يعيشها الشارع الإسرائيلي، فقد أفرزت برلمانا مبعثرا، يحتاج لأربع كتل برلمانية على الأقل ليشكل ائتلافا حكوميا ذي أغلبية برلمانية، وهذا خلق صعوبة ما في تركيبة حكومة إيهود أولمرت، التي حصلت على الثقة في الأسبوع الأول من شهر أيار (مايو) وسط ضجة لا تزال تدوي حتى اليوم.
وفي مركز هذه الضجة حصول زعيم حزب "العمل" عمير بيرتس على حقيبة الأمن (الدفاع)، رغم انه كان قد ترك قبل بضعة اشهر من ذلك الحين منصب رئيس اتحاد النقابات العامة، الذي اشغله على مدى عشرة أعوام، وبعد اربعين يوما من انتهاء حملة انتخابية ركز فيها بالأساس، على الملف الاقتصادي الاجتماعي.
وفي الأسبوع التالي لتشكيل الحكومة بدأت تظهر استطلاعات الرأي المتأثرة بشكل مباشر من الحملة الإعلامية في جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي رفضت هذا التعيين، وانعكست الآثار السلبية لهذا التعيين بالدرجة الأولى على بيرتس نفسه، ومن ثم على أولمرت أيضا، الذي رفض بشدة منح بيرتس حقيبة المالية، لئلا يثير غضب كبار أصحاب راس المال.
ولم يحدث في إسرائيل أن بدأ انهيار شعبية قادة سياسيين بهذه السرعة، كما شهدناه في هذه الحالة، وهذا يعود أيضا إلى ان فوز الاثنين في الانتخابات كان فوز اللا مفر أمام الشارع الإسرائيلي، الذي بحث عن التغيير، ولم يجده.
الحرب على الفلسطينيين
حين بدأت ولاية الحكومة الجديدة، كان القصف المدفعي والجوي على قطاع غزة مستمرا منذ أسابيع، مدعية إسرائيل أنها ترد بذلك على القذائف الفلسطينية التي تطلقها الفصائل الفلسطينية المختلفة من قطاع غزة باتجاه مواقع إسرائيلية.
إلا أنه مع توليه حقيبة الأمن، سعى بيرتس إلى إثبات عكس الانطباع عنه في الشارع الإسرائيلي، وهو أنه يفتقر للخبرة العسكرية القيادية، فكثرت عمليات الاغتيال في قطاع غزة، إلى أن جاءت جريمة قتل عائلة غالية في التاسع من حزيران (يونيو)، على شاطئ قطاع غزة، مما ساهمت برفع مستوى التصعيد العسكري.
وفي فجر الخامس والعشرين من الشهر ذاته، نفذت المقاومة الفلسطينية عملية عسكرية جريئة على موقع عسكري إسرائيلي مقابل جنوب قطاع غزة، أسفرت عن مقتل عدة جنود، وأسر جندي الاحتلال غلعاد شليط.
وانتظرت إسرائيل يومين لا أكثر حتى قررت اجتياح قطاع غزة بالكامل، تحت غطاء "إطلاق سراح الجندي الاسير"، الذي لم تنجح جميع مجازرها وتدميرها لما تبقى من قطاع غزة بإطلاق سراحه.
لنقرأ لاحقا من كبار المحللين العسكريين، أن العدوان العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة كان أحد المخططات التي أعدها الجيش مسبقا، وانتظر فرصة تنفيذها، فدفع آلاف الجنود إلى داخل قطاع غزة لم يساعد إسرائيل على تحقيق أهدافها، خاصة وأن إطلاق القذائف من قطاع غزة تواصل من دون توقف.
وهذا الأمر ساهم هو أيضا في توجيه ضربة إضافية لشعبية الشخصين الأبرزين في الحكومة الإسرائيلية، رئيسها أولمرت، والوزير عمير بيرتس.
الحرب على لبنان
في صباح الثاني عشر من شهر تموز (يوليو) يشن مقاتلو حزب الله اللبناني عملية عسكرية على الحدود مع إسرائيل، ويقتل عدا من جنود الاحتلال الاسرائيلي، ويأسر اثنين من الجنود، وهذا بعد عدة تحذيرات من حزب الله بأنه سيسعى إلى عملية يختطف فيها عددا من الجنود لإجبار إسرائيل على إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين والعرب الذين يقبعون في سجون الاحتلال.
في نفس اليوم، وبعد ساعات قليلة تقرر الحكومة الإسرائيلية شن حرب شاملة على لبنان، لنقرأ لاحقا من كبار المحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، انه قرار الحرب الأسرع في تاريخ إسرائيل.
ولكي لا نغوص في تفاصيل الحرب التي لم تهرب من ذاكرتنا بعد، نقول ان هذه الحرب التي هدأت في الثالث عشر من شهر آب (أغسطس) كانت وقود حرب من نوع جديد في داخل المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل، وكشفت عن عمق أزمة الحكم في إسرائيل، وسقوط الكثير من الأوهام التي بنت إسرائيل نفسها عليها على مدى السنين.
فبعد أن قتلت إسرائيل أكثر من 1200 لبناني، ودمرت عشرات القرى اللبنانية، والضاحية الجنوبية في بيروت، والكثير من الجسور والبنى التحتية، اعتبرت إسرائيل أنها فشلت في تحقيق أهدافها، التي تلخصت بداية بإطلاق سراح الجنديين، ووقف إطلاق القذائف من لبنان باتجاه إسرائيل وتغيير الوضع القائم في جنوب لبنان.
وهذا رغم ان الحرب حققت ما سعت له إسرائيل منذ سنوات، وهو نشر قوات دولية ذات وزن في جنوب لبنان، وعلى الأرض اللبنانية، وإبعاد قوات حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، ولكن على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، فسقوط آلاف القذائف اللبنانية على المنطقة الشمالية فيها، وعجز إسرائيل المطبق بوقف هذه القذائف إلا من خلال قرار وقف إطلاق النار، الذي أصدره مجلس الأمن، ابرز الكثير من "الفشل" في القدرة العسكرية الإسرائيلية.
وقد أفرزت هذه الحرب، حرب جنرالات لا تزال دائرة، وحتى الأيام الأخيرة أسفرت عن الإطاحة بقائد الجبهة الشمالية، اللواء أودي آدم، وقائد منطقة الجليل العميد هيرش، ولكن المراقبين يؤكدون ان رئيس الأركان دان حلوتس لا بد وأن يستقيل، فحرب الجنرالات الجارية ستستمر لا محالة في العام المقبل 2007.
فور ان سكتت فوهات المدافع الإسرائيلية، انطلقت تحركات شعبية تطالب باستقالة حلوتس وأولمرت وبيرتس، وهذه الثلاثية التي حظيت بشعبية عالية خلال الحرب تراوحت من 60% إلى 80%، أصبحت شعبيتها اليوم تتراوح من 3% إلى 18% كأبعد حد.
وهذه الحرب كانت المسمار الأخير في نعش شعبية عمير بيرتس المنهارة، الذي يودع العام 2006 وسط توقعات استطلاعات رأي تقول انه في منتصف العام الجديد سيفقد زعامة حزب "العمل" في انتخابات داخلية سيشهدها الحزب في نهاية أيار (مايو).
غياب الأجندة السياسية
خلال الحرب على لبنان، واصلت إسرائيل حربها الشرسة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، مستغلة إسرائيل تركز الأنظار على المجازر في لبنان، لترتكب مجازر أخرى ضد الفلسطينيين، تحت ستار دخان الحرب على لبنان.
لقد خاض أولمرت الحملة الانتخابية البرلمانية في مطلع العام المنتهي بتلويحه لخطة سياسية حملت اسم "خطة التجميع"، التي ورث خطوطها العريضة من شارون، وتقضي بإخلاء بعض المستوطنات الصغيرة في الضفة الغربية، وفرض حدود من جانب واحد مع الضفة من خلال جدار الفصل العنصري، والسيطرة على سبع كتل استيطانية، وحزام أمني تسيطر مجتمعة على نصف مساحة الضفة الغربية، دون أي حديث عن القدس، وبعد بتر الضفة الغربية إلى منطقتين مؤلفتين من عدة كانتونات فلسطينية.
بعد الحرب على لبنان، وفي أوج الأزمة السياسية التي التفت كحبل مشنقة سياسي حول عنق أولمرت، سارع الأخير للإعلان عن أن "الوقت ليس مناسبا لإطلاق خطة كهذه"، بمعنى تخليه عن الأجندة السياسية الوحيدة التي كانت بحوزته، رغم مساوئها وخطورتها على الجانب الفلسطيني.
ويجمع المراقبون والمحللون السياسيون في إسرائيل على أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تفتقر لبرنامج سياسي، وخطة سياسية تجاه الفلسطينيين، فحتى اللقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يتم إلا في آخر أسبوع من السنة رغم انه كان مطروحا على مدى العام المنتهي.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد فاجأت سورية إسرائيل بما وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ "هجوم السلام السوري"، بدعواتها المتكررة لاستئناف العملية السياسية بين البلدين، وقد أدى تكرار الدعوات السورية إلى فتح نقاش واسع النطاق في إسرائيل حول ضرورة التفاوض مع سورية، وغالبية كبار صناع الرأي في إسرائيل باتوا يوجهون انتقادات لأولمرت على رفضه المتواصل للدعوات السورية، ويعتبرون السلام مع سورية مسألة استراتيجية.
إلا أن هذه الانتقادات تصاعدت في الأيام الأخير المتبقية من العام 2006، بعد أن ادعى أولمرت أن رفضه للتفاوض نابع من رغبته بعدم "اغضاب الرئيس الأميركي الذي يرفض أي اتصال مع الجانب السوري.
العام 2007
تدخل إسرائيل العام الجديد حاملة معها مختلف أزماتها الداخلية على مختلف المستويات، السياسية والاقتصادية الاجتماعية، وأيضا الخارجية منها، دون أي حل يلوح في الأفق.