إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



فساد السلطة الإسرائيلية يشلها سياسيا

الاحد 7/1/2007
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

لربما أن قضايا الفساد أصبحت مشهدا عاديا في المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، ولكن ما نشهده في هذه المرحلة من حيث الكم ونوعية الفساد ومستوياته، فإنه يسجل ذروة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل، مما يؤكد أن حكومة إيهود أولمرت لن تكون قادرة، في هذه المرحلة، على الشروع في أية عملية سياسية ذات مضامين، هذا إذا أرادت حكومة إسرائيل أصلا أي حراك سياسي في المنطقة.
فبعد مسلسل الفضائح الجنسية التي تطال رئيس الدولة موشيه كتساب ووزير القضاء (العدل) حاييم رامون، وعدة شبهات تدور حول أولمرت في قضايا العقارات وما شابه، فإن الفساد يطال الآن واحدا من أدق الأجهزة المالية في المؤسسة الاقتصادية الإسرائيلية، وهي سلطة الضرائب، بدءا من المفوض العام لهذه السلطة، وسلفه، وكبار الموظفين من ذوي أرفع الصلاحيات، وحتى مديرة مكتب أولمرت، وأمينة سرّه على مدى سنوات.
وتتحدث مصادر الشرطة الإسرائيلية وجهات التحقيق في وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن أن حملة الاعتقالات في فضيحة الرشاوى والاختلاسات في سلطة الضرائب قد تطال "مئات الأشخاص" وقد "يتفاجأ الجمهور بأسماء الشخصيات التي ستخضع للتحقيق"، كما جاء.
وفي خضم الانشغال في هذه الفضيحة التي ضربت إسرائيل منذ أسبوع، فقد ظهرت قضية أخرى، وهي أن وزير المالية أبراهام هيرشزون، تستر على فضيحة اختلاسات في مؤسسة شبه رسمية تدير شبكة عيادات مرضى في إسرائيل، وهذا حين كان يرأس المؤسسة حتى قبل ثلاثة أعوام.
كذلك فإن رئيس الحكومة أولمرت في انتظار قرار المستشار القضائي للحكومة، بصفته المدعي العام الأعلى، بشأن احتمال فتح تحقيق ضد أولمرت في قضايا عقارية، يشتبه انه تلقى من خلالها تسهيلات وتخفيضات يعتبرها القانون نوعا من الرشاوى.
وكل هذا يجري في الوقت الذي يقترب فيه ظهور تقرير لجنة التحقيق الرسمية في مجريات الحرب على لبنان، وما قد يحمله من ملاحظات سلبية، توجه إلى رئيس أركان الحرب، دان حلوتس، ووزير الحرب عمير بيرتس، ورئيس الحكومة إيهود أولمرت، وما يترتب على هذه التوصيات، التي قد تطيح بقادة عسكريين وسياسيين كبار.
وقد دلّ آخر تقرير دولي على أن إسرائيل اقتربت من "قمة" جدول دول الفساد في العالم، من المرتبة 31 إلى المرتبة 26، ومما لا شك فيه أن فضائح الأسابيع الأخيرة ستدفع بإسرائيل أكثر نحو تلك القمة البائسة.
في ظل كل هذا فإنه من الصعب التخيل أن أولمرت، الذي وصلت شعبيته إلى حضيض غير مسبوق في تاريخ رؤساء حكومات إسرائيل، وبهذه السرعة، وحتى قبل أن يتمم عاما على انتخابه رسميا، سيكون قادرا على الدخول في مفاوضات سياسية جدية ذات جوهر، وليس مجرد لقاءات عابرة يختفي أثرها فور انتهائها.
بمعنى أن حكومة تفقد ثقة الجمهور من يوم إلى آخر، وفق استطلاعات الرأي، لن يقبل الشارع بأي خطوة سياسية منها، تؤدي إلى تغيير جدي في الوضع القائم، لأن الجمهور لا يثق بنتائجها على مختلف المستويات، وهذا يُستدل أيضا من استطلاعات الرأي، التي تقول إن الجمهور في إسرائيل ليس على قناعة بقدرة أولمرت على اتخاذ قرارات استراتيجية.
ولهذا فإن كل مسعى أولمرت وأقطاب في حكومته في هذه المرحلة، هو للبحث في كيفية تخطي المرحلة الحالية على صعيدهم الشخصي، من أجل الحفاظ على مستقبلهم السياسي، أيضا على المستوى الشخصي ولا أكثر من ذلك.
من المفارقات انه رغم كل ما نشهده، فإن هذا لا يعني انهيارا سريعا للحكومة الحالية، على الأقل وفق المعطيات الحالية، فحكومة أولمرت تتشكل من خمسة أحزاب، الأربعة الأولى ليست في وضعية تسمح لها حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، لأن أيا من هذه الأحزاب لا يضمن نتيجة يريدها في تلك الانتخابات.
فحزب "كديما" الحاكم، لا يزال حزبا على ورق من دون مؤسسات وقواعد جماهيرية ملموسة، أقامه رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون على شاكلته، وتسلمه أولمرت إثر سقوط شارون على فراش المرض، والقوة الانتخابية التي حصل عليها كانت نتيجة اللا مفر، لأن الشارع الإسرائيلي بحث عن البديل، وسرعان ما خاب أمله، وكل استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع كبير لهذا الحزب في أي انتخابات قادمة.
كذلك فإن الحزب الثاني في هذه الحكومة، "العمل" بزعامة الوزير عمير بيرتس، فإن وضعيته لربما أكثر سوءا، ويعاني من أزمة داخلية كبيرة، وهو ليس جاهزا إطلاقا لأي انتخابات مبكرة، وبقاءه في الحكومة وبقاء الحكومة أصلا، يساعده على تجاوز المرحلة.
أما بالنسبة لحزب ""شاس" الديني الأصولي، ولربما هو الحزب الأكثر ثباتا في الائتلاف الحالي، ولكنه لن يسعى إلى الخروج من الحكومة، لأن هذا واحدا من الأحزاب التي هدفها تحقيق مصالح قطاع المتدينين الأصوليين، وعلّمت التجربة ان هذا الحزب أقوى في حكومات ضعيفة، لأنه يستطيع تحقيق مكاسب مالية ذاتية أكبر.
والأمر ذاته ينطبق على حزب المتقاعدين الذي ظهر فجأة على الحلبة السياسية بقوة لم يتخيلها أحد، 7 مقاعد من أصل 120، وأجندة هذا الحزب الوحيدة هي تحصيل مكاسب لجمهور المسنين والمتقاعدين، ولا أكثر، وطالما انه يحقق ما يريد فلا داعي له لحل الحكومة والتوجه إلى انتخابات لن تعطيه ما أعطته الانتخابات السابقة.
وهذه الأحزاب الأربعة مجتمعة تشكل غالبية برلمانية، 67 نائبا من اصل 120 نائبا، أما الحزب الخامس، فهو حزب "يسرائيل بيتينو" العنصري المتطرف بزعامة الإرهابي أفيغدور ليبرمان، ويقول محللون إن الأخير "تورط" بدخوله إلى الحكومة، كونه من معسكر اليمين المتطرف، ولكن إن قرر هذا الحزب فجأة الانسحاب من الحكومة فإنه لن يؤثر على استقرار الحكومة، وفق المعطيات الحالية.
لقد اعتادت إسرائيل أن تضع أزماتها الحزبية الداخلية على رأس جدول أعمالها، ورأت بأقل اهتزاز سياسي داخلي لديها "ذريعة كبرى" لوقف أي تحرك صغير على صعيد العملية السياسية، ولكن الأخطر من هذا هو أن القوى الدولية، صاحبة القرار الدولي، تتواطأ مع إسرائيل في هذا النهج، وتدعم المطلب الإسرائيلي الدائم، بتجميد أي تحرك سياسي إلى حين حل أزمات إسرائيل الداخلية المزمنة.
وإن كان هناك أخطر من هذا، فهو أن الإعلام الإسرائيلي القوي ينجح في فرض أتفه الأزمات الداخلية العابرة على وسائل الإعلام العالمية، لتصبح الشغل الشاغل للرأي العام العالمي، بدلا من الانشغال في القضية الجوهر.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر