إسرائيل: التضخم للفقراء والنمو للأغنياءالثلاثاء 23/1/2007 برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي"
*التضخم المالي في العام 2006 يسجل تراجع بنسبة عُشُر بالمئة (0,1%) رغم أن أسعار الحاجيات الأساسية اليومية إرتفعت أسعارها من 2% وحتى 25% *النمو الاقتصادي يلامس نسبة 5%، وفي المقابل فإن معدل الأجور انخفض بنسبة 3% ورقعة الفقر تزداد*
سجل التضخم المالي في إسرائيل في العام الماضي 2006 تراجعا بنسبة عُشُر بالمئة (0,1%)، وهي المرة الثانية خلال ثلاث سنوات التي يسجل فيها التضخم تراجعا، وكانت المرّة الأولى في تاريخ إسرائيل، في العام 2004، حين تراجع التضخم بنسبة 1,9%، إلا أن هذا التراجع في ذلك العام كان ناجما عن التباطوء الاقتصادي، والأزمة الاقتصادية التي واجهتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، منذ نهاية العام 2000 وحتى العام 2004، بسبب العدوان الشامل على الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذه المحصلة للتضخم المالي في العام 2006 لا تتلاءم مع السقف الذي حددته الحكومة للتضخم في نفس العام وكان عليه أن يكون ما بين 1% إلى 3%، الأمر الذي اعتبرته بعض الأوساط الاقتصادية خرقا لهدف اقتصادي هام. إلا أنه خلافا للعام 2004، فإن تراجع التضخم الطفيف في العام الماضي حصل في ظل نمو اقتصادي في حدود 5%، وكان من المفترض أن يلامس 6%، لولا الحرب على لبنان، التي خفضت وتيرة النمو في النصف الثاني من العام الماضي بنسبة 20% تقريبا، ففي النصف الأول من العام 2006 كان النمو بمعدل سنوي 5,7%. وعلى ضوء ما تراه إسرائيل وكأنه مؤشر لجودة الاقتصاد، إلا أن التفاصيل الدقيقة لهذا التضخم تكشف صورة مغايرة كليا، ويتضح لنا أن الحاجيات الحياتية اليومية الأساسية التي تحتاجها كل عائلة، وعلى رأسها المواد الغذائية سجلت ارتفاعا بالأسعار بنسب عالية جدا مقارنة مع نسبة التضخم، ولكن ما جعل التضخم يتراجع هي أسعار احتياجات ذوي المداخيل العالية. ويتم احتساب التضخم بناء على توزيعة سلة مشتريات وخدمات تستهلكها العائلة في إسرائيل، وتجري دائرة الإحصاء المركزية كل عدة سنوات استطلاعا واسعا جدا، بهدف توزيع سلة المشتريات بين الفروع المختلفة، ولهذا فإن هذه السلة تتحدث عن "معدل"، رغم أن توزيعة هذه السلة لا تلاءم السواد الأعظم في إسرائيل، خاصة في ظل تزايد نسب الفقر. ونقرأ في تفاصيل التضخم، ان أسعار الخضروات الطازجة لوحدها ارتفعت خلال العام الماضي بنسبة 25%، إلا أن مجمل فرع الخضروات والفواكه ارتفع بنسبة 12%، بعد ضم الفواكه ومثلها من المنتوجات المجمدة والمصنعة، كذلك فإن أسعار الدجاج والأسماك ارتفعت بنسبة 5,3%، وأسعار الخبز بنسبة 4%، ومجمل المواد الغذائية مجتمعة ارتفعت بالمعدل 3,6%، وهذا هو المصروف الأساسي للعائلات الفقيرة، التي لا يعكس معدل سلة المشتريات مصروفها اليومي، ولهذا فإنها ليس فقط لم تشعر بتراجع التضخم بل عانت من ارتفاع أسعار احتياجاتها الاستهلاكية الأساسية في حين أن مداخيلها لم تشهد أية زيادة. وفي المقابل فإن ما أثر على تخفيض التضخم كان تراجع سعر صرف الدولار أمام الشيكل بنسبة 9% خلال العالم 2006، وهذا انعكس على أسعار البيوت بنسبة 6%، وتكاليف صيانة البيوت بنسبة 1,2%، وأسعار السيارات الجديدة بنسبة 1,7%، وغيرها. وهذا الأمر يعزز مقولة إن التضخم المالي بالنسبة للفقراء لم يتراجع بل ارتفع بنسبة عالية، وفي المقابل فإن ذوي المداخيل العالية استفادوا من تراجع الأسعار في الاحتياجات التي تقدر عليها هذه الشريحة. وليس هذا فحسب بل إنه للعام الثاني على التوالي، فإن مختلف التقارير الرسمية وغير الرسمية تؤكد أن النمو الاقتصادي الحاصل في إسرائيل، ويقدر بحوالي 5% في العام الماضي، ليس ملموسا في الشارع الإسرائيلي ولا يزال مقتصرا على كبار أصحاب رأس المال، ودليل على هذا هو استمرار ارتفاع نسب الفقر في إسرائيل، والبطالة لم تتزحزح من مكانة طيلة العام 2006، واختتم العام ببطالة تقدر بـ 8,8%، وهي نتيجة رسمية، رغم أن جمعيات تعنى بالشؤون الاجتماعية تؤكد أن نسبة البطالة الحقيقة هي في حدود 16%، وهذا بعد احتساب البطالة المباشرة، والجزئية من خلال وظائف جزئية، وأولئك الذين يئسوا من البحث عن عمل وخرجوا من السجلات الرسمية. كذلك فإن معدل الأجور في إسرائيل انخفض في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم بنسبة 3%، وهو اليوم في حدود 1750 دولارا. وهذه الوضعية تطرح سؤال: ما إذا إسرائيل تتوجه إلى تفاقم المشكلة الاجتماعية الداخلية لديها، ومعطيات العام الجاري ستكون ذات تأثير واضح على مستقبل هذه الأوضاع، لأنها ستفحض بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الأشهر الأخيرة، وإذا ما ساهمت في تخفيض نسب الفقر والبطالة بشكل حقيقي.
المحللون يتهمون سياسة الفائدة البنكية
ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "هآرتس" موطي بسوك، "إن انحراف التضخم المالي عن الهدف الذي وضعته الحكومة يعود لثلاثة أسباب: سياسة الفائدة البنكية الخاطئة والمحافظة والحذرة التي اتبعها محافظ بنك إسرائيل في النصف الثاني من العام الماضي، وتعزز قيمة الشيكل أمام الدولار، والارتفاعات الكبيرة في أسعار الوقود". ويضيف بسوك، "إن الوضع الاقتصادي في إسرائيل جيد، وهذا ما تشهد عليه كافة محصلات الاقتصاد في العام الماضي 2006، فمن الناحية المالية (سعر الصرف) فإن السوق المالي مستقر، وأيضا الحرب في لبنان لم تؤثر على هذا الاستقرار، كذلك فإن تأثير انحراف التضخم عن الهدف الذي وضعته الحكومة في ظل نمو اقتصادي في مجال 5%، هو تأثير هامشي على كل مركبات الاقتصاد، إن تأثير التضخم السلبي في العام 2006 أقل بكثير من تأثير التضخم السلبي الذي كان في العام 2004، لأنه في قسم كبير من ذلك التضخم (2004) كان بسبب التباطؤ الاقتصادي". ويتابع بسوك كاتبا، "إن الفائدة البنكية أقل مما هي عليه اليوم كان بإمكانها أن تساعد أكثر على النمو الاقتصادي، وللمصدرين وحتى للعائلات والبيوت". ويؤكد بسوك، أن المستفيد من تراجع التضخم هم من ذوي المداخيل العالية، ويقسم مستوى الدخل في إسرائيل إلى عشر مستويات، الأول فيها هو الأقل دخلا، والعاشر هو أكثرها، ويقول بسوك: "إن من ربح بشكل خاص من تراجع التضخم في العام 2006 كان من أصحاب المداخيل في المستويات الخمس الأعلى، لأنه بالنسبة لهم فإن تكلفة سلة مشترياتهم تراجعت بنسبة 0,3%، في حين أن تكلفة سلة المشتريات التي تطغى عليها الحاجيات اليومية الأساسية، ارتفعت بنسبة 0,3% (هذه النسبة ترتفع كلما تدنى الدخل- ب. ج)، والسبب لهذا واضح، ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 3,6%، وارتفاع أسعار الخضروات والفواكه بنسبة 12%". كذلك فإن كبير المحللين الاقتصاديين في صحيفة "هآرتس" نحاميا شتراسلر، المعروف بمواقفه الصقرية في الاقتصادي، والحمائمية في القضايا السياسية، يقول في تعليقه على التضخم، "لقد جرت في العام 2006 ظاهرة مثيرة، فالأسعار البعيدة عن العين (ليس احتياجات يومية) تراجعت، مثل الكهرباء بنسبة 9% والبيوت بنسبة 6% وهكذا أيضا بالنسبة لتكلفة صيانة البيوت والأثاث البيتي، ولكن الأسعار التي نراها يوميا ارتفعت بشكل خاص، المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 3,6%، والخضروات والفواكه بنسبة 12%، والاتصالات الخليوية بنسبة 4% وهذا بالذات أغاظ الجميع، ولهذا فمن الطبيعي أن نسمع أن التضخم ارتفع، ولكن ليس كذلك، فمجمل تكلفة سلة المشتريات انخفضت حقا". ويضع شتراسلر كسابقه معظم اللوم على عميد بنك إسرائيل ستانلي فيشر، بسبب سياسة الفائدة البنكية، اعتمادا على رؤيتهما التي تعتقد أن الفائدة البنكية الأساسية هي العامل الأساسي الذي يتحكم بوتيرة التضخم المالي. ويقول شتراسلر، "صحيح أن البروفيسور ستانلي فيشر أضاع فرصة السيطرة على وتيرة التضخم، فهو قد رفع الفائدة البنكية طوال السنة، وحافظ على مستوى عال جدا لها، وفقط في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وهو وقت متأخر جدا، بدأ في عملية تخفيض الفائدة البنكية، وكان شهر واحد صدق فيه فيشر حين رفع الفائدة، وهو شهر الحرب (على لبنان)". ويتابع شتراسلر كاتبا، "لقد كان صادقا في هذا بسبب الأضرار التي خلفتها الحرب وتكليف الأمن، ولكن فور أن انتهت الحرب وبعد أن إتضح أن التخوفات كان مبالغ فيها، وأن الاقتصاد عاد ليعمل بوتيرة كاملة، فقد كان على فيشر أن يخفض الفائدة بشكل سريع، إلا أن انتظر شهرين لا حاجة لهما".
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|