أزمة القيادة في إسرائيلالخميس 21/2/2007 برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية
ظهر رئيس كتل الائتلاف الحكومي في الكنيست الإسرائيلي، أفيغدور يتسحاقي، في نهاية الأسبوع الماضي، بتصريح ليس مألوفا إطلاقا لمن هو في منصبه، كونه مكلف بحماية الأغلبية البرلمانية للحكومة الحالية، إذ قال "إن إسرائيل تشهد أزمة ثقة عميقة بالقيادة"، وهذا تصريح يصدر عمن كان مديرا عاما لديوان رئاسة الوزراء في الحكومة السابقة. عمليا لم يأت يتسحاقي بأي جديد، ولكن المثير، من وجهة نظر الحلبة السياسية، أنه يصدر عنه شخصيا، ففي اليوم التالي ظهر ما يعزز تصريحات يتسحاقي، التي قصد فيها بالأساس رئيس حكومته وباقي قادة الدولة الإسرائيلية الحاليين، وذلك حين صدر رسميا تقرير للجنة التحقيق الرسمية في أخطر قضية فساد تعصف بجهاز الشرطة الإسرائيلية منذ قيامها، حين تبين ارتباط ضباط كبار بواحدة من أخطر العصابات الإسرائيلية. ودفع هذا التقرير رئيس لجنة التحقيق القاضي فاردي زايلر للقول بكل وضوح، "إن المافيا تنجح في إدخال أشخاص إلى طواقم الشرطة، ويخدمونها من الداخل"، وعلى ما يبدو لم يكف التقرير بما تضمن، فبعد ساعات من صدوره، شهدت إسرائيل هزة أخرى، بقرار وزير الأمن الداخلي آفي ديختر، تعيين قائد عام للشرطة، اشتبه قبل 14 عاما بقضية رشوى، إلا أن المحكمة العليا في حينه برأته بسبب نقص الأدلة، ولهذا فإن هذا التعيين قوبل بعاصفة من الانتقادات، خاصة وان مهمة قائد الشرطة الجديد هي نفض جهاز الشرطة في أعقاب قضية الفساد آنفة الذكر. وقبل أسبوعين قرر رئيس الحكومة تعيين وزير قضاء من خارج البرلمان، وهو البروفيسور دانييل فريدمان، المعروف بعدائه للمحكمة العليا وسعيه لتقليص صلاحياتها، خاصة في ما يتعلق بإلغاء قوانين أقرها الكنيست، أو إلغاء قرارات يتم اتخاذها في المستويين السياسي والعسكري. وشيئا فشيئا، إتضح أن تعيين فريدمان لم يأت صدفة، بل تبين ان فريدمان هذا كان "المرجع الأساسي" لوزير القضاء الأسبق، حاييم رامون، الذي إدانته المحكمة الإسرائيلية في نهاية الشهر الماضي بالاعتداء الجنسي على مجندّة في ديوان رئاسة الحكومة. وأكثر من ذلك فقد كشفت إحدى قنوات التلفزة الإسرائيلية، أن فريدمان التقى سرا رامون بعد إدانته، في مكتب أحد رجال الأعمال الإسرائيليين، ولم ينكر فريدمان اللقاء حين تم فضح الأمر وقال إنه كان ضمن سلسلة مشاورات يجريها مع توليه المنصب الجديد، بمعنى انه يتشاور مع من جرت إدانته بجرم، حول آلية التعامل مع جهاز القضاء!. وهناك جو عام في إسرائيل تقول ان "أجهزة خفية" معنية بتوجيه ضربة قاصمة لأجهزة تطبيق القانون وجهاز القضاء، ولربما أن من عبّر عن هذا في الأيام الأخيرة، كان المحلل والكاتب الإسرائيلي زئيف شتيرنهيل. ففي مقال له، يقول شتيرنهيل، "إننا نسمع جوقة واحدة: دعوا الكنيست يُشرّع، ودعوا الحكومة تحكم، وحرروا هاتين المؤسستين من رهبة المحكمة العليا ومراقب الدولة، وهذا هو الادعاء الذي يقف من وراء الموقف المعارض لتدخل المحكمة العليا" في الكثير من القضايا، "وضد رهبة مراقب الدولة التي يفرضها على موظفي الدولة والسياسيين"، كما يشير شتيرنهيل إلى أن من أبرز أصحاب هذه الدعوة هو الوزير المتطرف أفيغدور ليبرمان. ومن هذا نلمس أن "الأجهزة الخفية"، التي يرى الكثيرون أنها من أصحاب الطغمة المالية، تسعى إلى نسف مبدأ دولة المؤسسات، وإنهاء دور جهازي القضاء والمراقبة في الإشراف على عمل السلطة التنفيذية، وإطلاق العنان للحكومة والكنيست لسن قوانين واتخاذ الإجراءات من دون رقيب، وهذا تمهيدا لوصول "الرجل القوي". ومصطلح "الرجل القوي" بات شائعا اليوم في الشارع الإسرائيلي، فهناك من يبحث عن هذا "الرجل" الذي يحكم البلاد بيد من حديد، ويخدم بالأساس "الأجهزة الخفية"، وكثيرا ما يقال أن أحد العناوين لهذا "الرجل"، هو الوزير المتطرف ليبرمان، الذي انضم إلى الحكومة بشروط وظروف غريبة، وحتى الآن يُسأل السؤال: "ماذا يفعل هناك". ونلمس هذا الأمر من تكاثر الدعوات إلى انتقال إسرائيل لنظام رئاسي جمهوري، رغم ان نظاما كهذا لا يمكن ان يتلاءم مع تعقيدات تركيبة المجتمع في إسرائيل، الذي يتألف من عدد كبير من الثقافات والطوائف اليهودية المتعددة، وقسم كبير منها متناحرة، ويحذر الكثير من المحللين والخبراء في العلوم السياسية أن هذا بداية لفوضى نظام عارمة، ومما لا شك فيه من ناحيتنا أنها بداية عهد سياسي جديد، سيكون أخطر مما نعايشه اليوم. ويستفيد أصحاب هذا "التوجه" من كثرة العواصف وملفات الفساد التي تعصف برموز المؤسسة الإسرائيلية بكامل تشعباتها، وما ينجم عن ذلك من عدم ثقة واسع النطاق وبنسب كبيرة بالمؤسسة الحاكمة، وهذا ما تشير إليه استطلاعات الرأي التي تظهر تباعا في إسرائيل، فأقطاب الحكومة في حضيض غير مسبوق من حيث الشعبية، وبعد تراجع شعبية الجيش سنشهد الآن تراجع شعبية جهاز الشرطة، أو تراجع الثقة بالشرطة، وهذا ما قد نقرأه في الاستطلاعات التي قد تظهر في الأيام القريبة. وعدم الثقة هذا يخلق فراغ لدى المواطن الإسرائيلي، عنوانه "ما الحل؟"، وحتى الآن فإن من يدعي أن لديه الحل هم أنصار "حكم الرجل القوي". مما لا شك فيه ان إسرائيل متجهة إلى مستقبل مجهول، والعواصف التي تشهدها إسرائيل اليوم برمتها على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية لا يمكنها ان تهدأ، ولهذا فإننا سنشهد في المستقبل المنظور تقلبات سياسية جدية، وما خلفته الانتخابات البرلمانية في ربيع العام الماضي سيتلاشى في الانتخابات القادمة، وليس من المؤكد ان تكون النتيجة كما تتوقعها استطلاعات الرأي اليوم، بعودة حزب الليكود إلى الحكم، فأصلا حصة الأسد من الفساد الحالي يعود بالأساس إلى فترة حكم الليكود الماضية، برئاسة أريئيل شارون، وخاصة ما أفرزته الانتخابات البرلمانية في مطلع العام 2003، حين تضخّم الليكود بشكل مصطنع، وتبين أن قسما من هذا "التضخم" تقف من ورائه جهات العالم السفلي. من الطبيعي أنه لا يمكن تجاهل ما يجري في داخل إسرائيل بشكل عام، ولكن ما يهمنا أكثر أن كل ما يجري في إسرائيل لا يمكن فصله عن الملف السياسي الأهم، والنتيجة الحالية التي يمكن استخلاصها في هذه المرحلة أن إسرائيل اليوم عاجزة عن التوجه إلى مسار سياسي يقود إلى حل القضية الفلسطينية.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|