إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الانتخابات الإسرائيلية المبكرة: الواقع والبديل

الاثنين 11/3/2007
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

تقف إسرائيل على أبواب مرحلة هامة في الأشهر الثلاثة القادمة، ستنعكس بشكل مباشر على المستقبل السياسي للحكومة الإسرائيلية، التي تعصف برموزها الأزمات السياسية والأخلاقية، ولكن بخلاف عن الكثير من التوقعات فإنه لا يمكن توقع حل برلمان في المدى المنظور، وهذا على واقع تركيبة البرلمان والحلبة السياسية.
ففي نهاية الشهر الحالي ستقدم لجنة الفحص الرسمية في مجريات الحرب على لبنان، لجنة فينوغراد، تقريرها الأولي، ومنذ الآن أصبح واضحا ان التقرير المرحلي لن يتضمن استنتاجات شخصية ضد أي من الشخصيات السياسية والعسكرية القيادية، وهذا يعطي متنفسا لرئيس الحكومة إيهود أولمرت، الذي وصلت شعبيته إلى حضيض غير مسبوق، حين أشار آخر استطلاع إلى أن 2% فقط من الجمهور في إسرائيل يرى أنه ملائم لتولي منصب رئيس الحكومة.
وهذا لا يعني ان أولمرت سيفلت كليا من هذا التقرير، وقد يواجه ملاحظات وانتقادات حادة في التقرير النهائي، الذي قد يصدر بعد بضعة أشهر، ولكن في هذه النقطة تجدر الإشارة إلى انه تم تكليف اللجنة بفحص جاهزية إسرائيل منذ ربيع العام 2000، بمعنى ان قسطا من مسؤولية الإخفاقات في الحرب على لبنان ستلقى على الحكومات الإسرائيلية السابقة، لتخفف الضغط بعض الشيء على أولمرت.
وفي نهاية شهر أيار (مايو) القادم ستكون الجولة الأولى لانتخابات رئاسة حزب "العمل" الشريك الأكبر في الحكومة، الذي يتزعمه وزير الحرب عمير بيرتس، على أن تجري الجولة الثانية في منتصف شهر حزيران (يونيو)، ولأول مرة منذ سنوات طويلة تحظى هذه الانتخابات بأهمية كبيرة في الحلبة السياسية، كون أن الرئيس الفائز سيتولى منصب وزير الحرب، بدلا من عمير بيرتس، الذي تستبعد استطلاعات الرأي أن يبقى في منصبه الحزبي.
وعمليا فإن نتائج هذه الانتخابات ستنعكس مباشرة على التركيبة الوزارية في حكومة إيهود أولمرت، وقد تضع حدا لأحد مواطن انتقاد الجمهور لها، وهو أن وزير الحرب الحالي بيرتس، "ليس كفؤا" لمنصبه بمنظور إسرائيلي صهيوني، خاصة وأن أقوى المرشحين لخلافته هما الجنرالين، رئيس الأركان الأسبق ورئيس الحكومة الأسبق إيهود براك، وقائد سلاح البحرية الأسبق، ورئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" الأسبق، عامي أيالون ولكليهما، ماض عسكري وأمني "مقنع" من وجهة نظر الشارع الإسرائيلي.
من الصعب التكهن منذ الآن كيف ستكون التطورات في الحلبة السياسية غداة يوم السابع والعشرين من شهر آذار (مارس) الجاري، بعد صدور التقرير المرحلي للجنة الفحص، ولكن في نفس الوقت فإنه من الصعب رؤية انهيار الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وفق الظروف القائمة، على الرغم مما نسمعه من بعض الأطراف السياسية، وخاصة من رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، الذي يحاول إيهام الشارع الإسرائيلي وكأنه قادر على إحداث انقلاب في الحكم، من خلال انضمام عدد من نواب الحزب الحاكم "كديما" إلى حزبه، ليتحول إلى الحزب الأكبر ويشكل الحكومة البديلة.
إن مسألة ثبات الحكومة الإسرائيلية أو عدمه، هو قضية هامة في رؤية المستقبل السياسي الإسرائيلي وانعكاساته على المنطقة، ولهذا فإن الإجابة على هذه المسألة يحتاج إلى فهم التفاصيل الدقيقة التي تؤثر على سير عمل البرلمان الإسرائيلي.
وقبل بضعة أسابيع جرت معالجة احتمالات انهيار الحكومة الإسرائيلية في هذه الصفحة، ولكن التطورات الأخيرة عززت من نظرية عدم انهيار هذه الحكومة على المدى المنظور، فانهيار الحكومة يحتاج إلى أغلبية برلمانية ليست متوفرة في هذه المرحلة، بل من المفارقات أن الائتلاف الحاكم عزز أغلبيته في الأسبوعين الأخيرين بخطوات جديدة.
بداية في ما يتعلق بمزاعم نتنياهو، فقد يكون صادقا بشكل جزئي بأن عددا من نواب حزب "كديما" الحاكم معنيون بالانتقال إلى الليكود، ولكن حسب القانون الإسرائيلي فإن الحد الأدنى للاعتراف بأي انشقاق حزبي في إحدى الكتل البرلمانية يحتاج إلى ثلث أعضاء الكتلة، وفي حالة "كديما" فإن انشقاقا كهذا يحتاج إلى 10 نواب من أصل 29 نائبا، وإلا فإن الكنيست لا يمكنه الاعتراف بالانشقاق، ولا يمكنه منح أي حق تحرك سياسي للنواب المنشقين.
أما المشهد الحالي في حزب "كديما" فإنه من أصل 29 نائبا، هناك 11 وزيرا ورئيسة الكنيست ونائبها، وأربع رؤساء لجان برلمانية هامة، وما بين خمسة إلى سبعة نواب من المقربين لأولمرت أو لديهم وظائف برلمانية، بمعنى أن ما بين 22 نائبا إلى 24 نائبا، لن يكونوا معنيين بالتخلي عن مناصبهم والالتجاء إلى الليكود، لأن مناصبهم هناك ليست مضمونة، وحتى وإن تم ضمانها فإنه لدى أية انتخابات مبكرة لن يكون بإمكانهم جميعا الاحتفاظ بمقاعدهم البرلمانية، وهذا ما يقلل من شأن تصريحات نتنياهو في هذه المرحلة.
فحسابات الربح والخسارة على المستوى الشخصي للنواب أصبحت قضية مفصلية في مستقبل الحكومات والعمل السياسي في إسرائيل، وهذه ظاهرة تتعمق أكثر يوما بعد، وهي إحدى أبرز معالم التغيرات في الخارطة السياسية في إسرائيل، فحتى مطلع سنوات التسعين كان وزن أكبر للحزب وبرنامجه السياسي والايديولوجيا.
وهذا الأمر بطبيعة الحال ليس فقط لدى "كديما"، بل لدى باقي الشركاء في الحكومة، فما كان واضحا قبل بضعة أسابيع، لا يزال اليوم، وهو أن الكتل الثلاث شريكة "كديما" في الحكومة: "العمل" و"المتقاعدين" و"شاس" ليست معنية بحل الحكومة، لأن أية انتخابات مبكرة لا تبشر لها "خيرا"، ولا تضمن لها الحفاظ على قوتها الحالية.
أما اللاعب الجديد الذي أصبح غير معني بأي اهتزاز في الحكومة فهو الشريك الخامس في الحكومة، حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني المتطرف، بزعامة العنصري أفيغدور ليبرمان، ففي الأسابيع الثلاثة الأخيرة نلاحظ لعبة شد حبل بين ليبرمان ونتنياهو، الذي بات يدعم قيام حزب جديد بزعامة الثري المتهم بجنح تبييض الأموال في فرنسا وغيرها، أركادي غايدماك، الذي ينوي التنافس على أصوات المهاجرين الجدد، هم العمود الفقري لجمهور مصوتي "يسرائيل بيتينو"، وليكون الحزب الجديد حليفا لليكود في الانتخابات القادمة.
وبذلك فإن الغالبية الساحقة من الائتلاف الحاكم المكون من 78 نائبا من أصل 120 نائبا، ليست معنية بحل الحكومة الحالية.
والسؤال الأهم الذي يطرح في هذه المرحلة: ما هو مستقبل العملية السياسية؟ والإجابة واضحة: فمن دون هدوء في الحلبة السياسية الإسرائيلية أو تغير جذري في الوضع القائم حاليا، وبالأساس سياسياً، لا يمكن توقع أي تحرك ولو كان بسيطا على صعيد العملية السياسية، خاصة وان الإدارة الأمريكية الحالية تشكل درعا واقيا لإسرائيل في وجه أي ضغوط دولية عليها للتقدم في المسار السياسي.
كذلك هناك سؤال أهم، لا أقل: ما هو البديل المطروح؟ إن كافة استطلاعات الرأي في إسرائيل، التي تتأثر كليا من أجندة وسائل الإعلام الإسرائيلية، تشير إلى ان أية انتخابات برلمانية إسرائيلية مبكرة، وفق الظروف القائمة ستحمل قوى اليمين المتطرف من جديد إلى سدة الحكم، فنتنياهو المنبوذ على مدى سنوات في الساحة الإسرائيلية، لما خلّفه من تدمير للعملية السياسية والاقتصاد والنظام في فترة حكومته في سنوات التسعين، أصبح اليوم "المنقذ" المطلوب، وهذا من أبرز معالم حالة التخبط التي تشهدها الساحة السياسية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر