إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الإعلام الإسرائيلي والرجل القوي

الجمعة 22/3/2007
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

تنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ عدة اشهر استطلاعات في بعضها يتم توجيه سؤال عن الشخصية الأكثر شعبية في إسرائيل، أو الشخصية الملائمة لتكون رئيس حكومة في إسرائيل.
والمتغير شبه الوحيد في هذه الاستطلاعات هو استمرار هبوط شعبية كل من رئيس الحكومة الحالي، إيهود أولمرت، ووزير الحرب الإسرائيلي عمير بيرتس، وفي المقابل فإن رئيس حزب الليكود، رئيس الحكومة الأسبق، بنيامين نتنياهو يحافظ على نسبة تتراوح ما بين 28% إلى 31%، ليصبح الشخصية الأكثر شعبية، رغم تدني نسبته هو أيضا.
وفي الآونة الأخيرة ظهر في مقدمة استطلاعات الرأي، أيضا، رئيس الحكومة الاسبق إيهود براك، وإلى جانبه رئيس جهاز الشاباك الأسبق عامي ايالون، وكلاهما يتنافسان على رئاسة حزب العمل، ولكل منهما نسب تتراوح ما بين 12% إلى 15%.
وأكثر من مرة جرت هنا معالجة تأثير وسائل الإعلام الإسرائيلية النشطة على نتائج استطلاعات الرأي، واثبتت التجربة أن نتائج أي استطلاع رأي يصدر في أي وسيلة إعلام إسرائيلية تكون مطابقة لتوجهات نفس وسيلة الإعلام، ولكن في ما يتعلق بسؤال الشخصية الشعبية، فإن هناك أشبه بوحدة حال بين مختلف استطلاعات الرأي.
ولربما أن خطاب رئيس الحكومة أولمرت، في الأسبوع الماضي، الذي فاجأ فيه الشارع الإسرائيلي بما في ذلك وسائل الإعلام، طرح هذه القضية من جديد، فأولمرت، وبشكل لم يسبق له مثيل، وقف أمام مجلس حزبه "كديما" وأمام عدسات التلفزة بالبث المباشر، "يرثي شعبيته"، ويقول: "نعم أنا رئيس حكومة من دون شعبية"، وطبعا لم يسع أولمرت بخطاب ليندب "حظه"، وإنما ليوجه سهامه ضد الشخصية الأبرز الآن على الساحة السياسية، نتنياهو.
بطبيعة الحال فإن طرح هذه المسألة ليس من باب الغرق في هذا الجدل الإسرائيلي الداخلي، وإنما من أجل تسليط الأضواء على واحد من عوامل التأثير على التطورات السياسية الداخلية في إسرائيل.
ونتيجة نتنياهو، وحتى براك، في استطلاعات الرأي تفرض سؤال ما الذي يجعلهما يتصدران هذه الاستطلاعات من جديد، بعد الحضيض الذي كانا فيه لسنوات طويلة، وحالة من نبذ الحلبة السياسية لهما، التي لم تنس ولايتيهما في رئاسة الحكومة، اللتين أعادتا المنطقة إلى الوراء لسنوات طويلة، وحتى الآن لم تخرج المنطقة من انعكاسات هاتين الولايتين.
ونذكر هنا أن ولاية نتنياهو في رئاسة الحكومة، التي بدأت في منتصف العام 1996، غيّرت كل اتجاه الانفراج الذي شهدته المنطقة في السنوات الثلاث التي سبقت وصوله إلى رئاسة الحكومة، بغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر بشأن هذا الانفراج.
وسرعان ما سقط عن الحكم بعد ثلاث سنوات، ولم يسلم نتنياهو من الشارع الإسرائيلي الذي ذكر له دائما ولايته، وبشكل خاص وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي حاصرت نتنياهو في كل فرصة حاول فيها العودة إلى رئاسة حزب الليكود.
ولم يحظ نتنياهو برئاسة الحزب ثانية، إلا كتحصيل حاصل بعد الانشقاق الكبير الذي شهده الحزب في خريف العام 2005 بقيادة اريئيل شارون، وبعد أن تحول الليكود من حزب حاكم إلى الحزب الرابع من حيث القوة البرلمانية.
والأمر نفسه ينطبق ايضا على من خلفه في رئاسة الحكومة، إيهود براك، الذي بدأ العدوان الشامل على الضفة الغربية وقطاع غزة في خريف العام 2000، ودمّر كل ما تبقى من إنجازت الاتفاقيات السابقة، وهو ايضا واجه حملة انتقادات حادة أدت إلى سقوطه عن رئاسة الحكومة بعد 20 شهراً من وصوله إلى منصبه، كذلك واجه هو ايضا حملة إعلامية حاصرته لدى كل محاولة له ليتنافس من جديد على زعامة الحزب.
والسؤال المركزي الذي يُطرح هنا، ما الذي يجعل هذين الإثنين يحظيان بهذه الشعبية، رغم أنهما لم يحققا اي شيء منذ أن سقطا عن رئاسة الحكومة، والسؤال الأكثر إثارة، هو ما الذي يجعل وسائل الإعلام الإسرائيلية تغرق في هذا الصمت القاطع، ولم تعد تلوّح بما لوّحت به سنوات طوال.
في سنوات قليلة سابقة، صدرت بعض كبرى الصحف في إسرائيل، تحمل مقالات باسم هيئة التحرير، تحذر من عودة نتنياهو إلى سدة الحكم، ولم تحِد ايضا عن براك.
فهل أن أولمرت أوصل إسرائيل إلى حضيض أعمق من سابقيه، يجعل نتنياهو وبراك هم "الضوء في نهاية النفق"، أم أن جهة ما خفية هي التي توجه وتفرض أجندتها، في بحثها عن "الرجل القوي".
وأعتقد أن كلمة السر هي بالضبط: "الرجل القوي"، هذا المصطلح الذي كان حتى قبل أشهر قليلة نقرأ عنه فقط في مقالات وتحليلات كُتًاب النخبة في إسرائيل، خاصة أولئك الذين يعارضون هذا التوجه، ولكن الأمر بات يصل اليوم إلى العامة والجمهور الواسع.
فهناك من يرى أن إسرائيل تبحث عن "الرجل القوي"، الذي يخرجها من أزماتها وتعقيداتها السياسية، ويفرض استقرارا معينا في الحلبة السياسية، حتى وإن كان هذا على حساب الأسس الديمقراطية، رغم عوراتها الكبيرة جدا في إسرائيل، وايضا أن يفرض أسساً جديدة في الاقتصاد الاسرائيلي، تضمن حرية حركة أكبر للطغمة المالية.
لقد رأينا هذه المحاولات من خلال قيام وانهيار أحزاب وسط كبيرة في إسرائيل في السنوات الأخيرة، وأبرزها حزب "شينوي" الذي اختفي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن الخارطة رغم أنه كان يحتل12,5% من مقاعد الكنيست، واليوم نحن في عهد حزب "كديما"، الذي كان من المفترض أن يعزز قبضة أريئيل شارون على الحكم، ولكن الحسابات لم تنجح في اعقاب سقوط شارون على فراش المرض، ليحل محله أولمرت، الذي على ما يبدو لا يلبي حاجة "الباحثين" عن "الرجل القوي".
هناك خبراء في العلوم السياسية في إسرائيل يؤكدون أن قوى كبيرة محسوبة على الطغمة المالية المحلية والخارجية، هي التي تحرك خيوط اللعبة، وهناك الكثير مما يدعم هذه الفكرة.
ويرى هؤلاء الخبراء أن هذه القوى هي التي تقف أيضا من وراء تحركات غريبة في الحلبة السياسية، مثل انضمام الحزب اليميني المتطرف "يسرائيل بيتينو" بزعامة الإرهابي أفيغدور ليبرمان، إلى الحكومة، وارتفاع شعبيته بدرجة كبيرة، ثم تدهورها في استطلاعات الرأي الأخيرة، مقارنة مع ما قبلها، كذلك ظهور الثري الدولي المتورط بجنح مالية دولية ويختبئ في إسرائيل، أركادي غايدميك، على الساحة السياسية.
وأمام هذا المشهد فبالإمكان ترجيح ان هذه القوى قررت منح "فرصة جديدة" للثنائي الخصم، نتنياهو وبراك.
ومن جهتنا، فإن بحثنا عما يثبت بؤس ساسة إسرائيل وسياستهم، وعن حالة التخبط العنيفة التي يشهدها الشارع الإسرائيلي، فلن نجد أقوى من حقيقة سعي الإسرائيليين، ولو بتأثير "القوى الخفية"، لاعادة إما نتنياهو أو براك إلى سدة الحكم.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر