إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إسرائيل: عاصفة مع وقف التنفيذ


الأربعاء 2/5/2007
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

لربما حبست إسرائيل أنفاسها، مساء يوم الاثنين الأخير، وهي تستمع للتقرير المرحلي للجنة الفحص الرسمية في مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، الذي اتهم رئيس الحكومة ووزير الحرب ورئيس الأركان السابق والحكومة برمتها بالفشل في إدارة الحرب، واتخاذ القرارات بشأنها.
ولكن حبس الأنفاس لم يدم لأكثر من ساعتين أو ثلاث، ليتضح أنه على الرغم من كل شيء فإن حكومة أولمرت لا تواجه خطر الانهيار، في هذه المرحلة، وقادة الائتلاف الحاكم الذي يسيطر على ثلثي مقاعد البرلمان الإسرائيلي يؤكدون على تماسكهم، وأنهم ليسوا معنيين بحل الحكومة والتوجه إلى انتخابات برلمانية جديدة، بعد حوالي عام من الانتخابات البرلمانية السابقة.
بطبيعة الحال فإن هذا لا يمكن اعتباره نهاية المطاف، وأن إسرائيل طوت بذلك ملف الحرب على لبنان، وأن الأمور ستسير بشكل طبيعي، بل نحن مقبلون على تحرك شعبي معين، لا يمكن معرفة حدوده وجاهزيته ليكون معركة ضاغطة على أطراف الحكومة، في محاولة لاختلال الموازين وإجبار الحكومة على الاستقالة، أو على الأقل تغيير رئيسها، وهذا ما سيتضح في الأيام والأسابيع القليلة القادمة.
في اليوم التالي للتقرير، صدرت الصحف الإسرائيلية تماما كما هو متوقع، تصرخ بأضخم عناوينها تطالب أولمرت وبيرتس بالاستقالة، وحتى استقالة الحكومة كلها، ولكن إسقاط الحكومة في إسرائيل لا يتم من على صفحات الجرائد، فمثل هذه الحملة شهدناها بقوة على مدى شهر من انتهاء الحرب العدوانية على الحرب، وكسب أولمرت الرهان بأن هذه ضجة عابرة ولا بُد أن تهدأ، والسؤال ما إذا "ستسلم الجرّة أيضا في هذه المرّة"، ويكون بإمكان أولمرت تجاوز هذه الحملة أيضا.
ففي الأيام القادمة سنشهد مظاهرات صاخبة، وقد تجمع عشرات الآلاف، ولربما مئات الآلاف، ولكن السؤال إلى متى بإمكان هذه المظاهرات أن تستمر، والسؤال الأهم، هل حقا هناك قناعة داخلية في الشارع الإسرائيلي بأنه آن الأوان لحل الحكومة والتوجه إلى انتخابات جديدة، وعلى هذا السؤال يرد المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ألوف بن، حين كتب في مقال له، "حين تكون جيوب المواطنين ملآى، فإنهم لن يكونوا معنيين بتغيير أي وضع قائم".
ويصدُق المحلل بن أكثر في جوابه، لو قال حقا أي مواطنين يقصد، إنهم "بعض المواطنين" الذين يسيطرون على الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي على صُناع الرأي العام في إسرائيل من خلال وسائل إعلامها، وأيضا من خلال أذرعهم في المؤسسة الحاكمة على مختلف مستوياتها.
في الأسبوع القادم سيفتتح البرلمان الإسرائيلي دورته الصيفية، التي ستستمر لشهرين ونصف الشهر، ليخرج بعدها لعطلة طويلة لفترة مماثلة، وهذه الدورة ستكون الامتحان الأكبر لإمكانية بقاء الحكومة على حالها، وهذا يتطلب أولا وقبل كل شيء استمرار تلاحم الائتلاف الحاكم، كما ظهر، على الأقل مساء الاثنين، فور صدور التقرير.
ومسألة تلاحم الائتلاف ستكون مرتبطة بقدر كبير بنتائج الانتخابات لرئاسة حزب "العمل" الإسرائيلي في نهاية الشهر الحالي، التي تتوقع استطلاعات الرأي لها أن تقصي رئيس الحزب الحالي، عمير بيرتس، عن منصبه الحزبي، وبالتالي عن منصبه الوزاري، لتكون استقالته المطلوبة تحصيل حاصل، وهذا ما يظهر من أجواء الصحافة الإسرائيلية.
ويحق لأولمرت أن يشعر بقلق كبير لنتائج هذه الانتخابات، التي قد تحسم في الجولة الثانية في منتصف الشهر القادم، فلربما يقرر واحد من المرشحيْن الأقوى في هذه الانتخابات، عامي أيالون أو إيهود براك، سحب حزب "العمل" من الحكومة، وهذا ما سيؤدي فورا إلى انهيارها، ولكن قبل اتخاذ قرار كهذا يجب فحص مدى قدرة حزب "العمل" المتهاوي على تجاوز الانتخابات القادمة، واعتقد أن الجواب الواضح على هذا السؤال سيمنع أيا منهما سحب حزبه من الحكومة.
كذلك هناك عامل مهم لا أقل، سيحسم المصير الشخصي لأولمرت، وهو ملفات الفساد التي تدور حوله، وبدأت تصل إلى مستويات التحقيق في وحدات الشرطة، وفي حال صدر قرار بتقديم لائحة اتهام في إحداها، فإن أولمرت لا يستطيع إطلاقا البقاء في منصبه.
وفي هذه الحالة أيضا من الصعب تخيل حل البرلمان، (الكنيست)، لأن قسما كبيرا من أعضاء الكنيست وصلوا إلى المقاعد البرلمانية ولم يحلموا بها يوما من قبل، في حين أن قسما آخر لن يشفع له رصيده السياسي أو العسكري ليعود للكنيست بعد أي انتخابات جديدة، على الأقل في هذه الظروف، وهذا عنصر مهم ومقرر في بقاء البرلمان، لأن حله يحتاج إلى رفع 61 يداً تقول نعم للانتخابات.
ولهذا فإن السيناريو الأقوى هو أن يسارع الحزب الحاكم "كديما" وينقذ ما تبقى من السفينة قبل الغرق الكلي، وينفذ انقلابا هادئا، ولربما بموافقة أولمرت نفسه، الذي سيكون عليه أن يخلي مكانه لشخصية أخرى في الحزب، وعلى ما يبدو، فإن الأقوى هي وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، لتشكل حكومة جديدة بنفس الائتلاف الحاكم القائم، عندها بالإمكان تصور أن الانتخابات القادمة ستجري في موعدها الرسمي في خريف العام 2010.
وهذا يعزز نظرة أن إسرائيل تعيش حالة من الإعصار، ولكن الأصح انه إعصار مع وقف التنفيذ، إلى حين يتضح اتجاه الريح.

مفهوم الفشل

ركز تقرير "فينوغراد" على كلمة الفشل، حين قيّم إدارة أولمرت وبيرتس وحلوتس، ولم يذكر التقرير إطلاقا فشل العدوان، وهذا الموضوع سيكون في مركز التقرير النهائي للجنة، الذي من المفترض ان يصدر في شهر تموز (يوليو) القادم.
إلا أن وسائل إعلام عربية معينة اختارت أن تصيغ التقرير على هواها، لتقول ان التقرير "أقر بفشل العدوان"، وفي هذا تضليل خطير، ولأهداف سياسية ضيقة، تسيء للرؤية الواقعية الضرورية لتحديد التعامل المستقبلي مع أي مواجهة قادمة، على الصعيدين السياسي والعسكري.
ومن الجدير الإشارة إلى أن الضجة التي اندلعت في إسرائيل كانت على وقع ضربات الصاروخية من المقاومة اللبنانية التي أوقعت نحو 120 جندي احتلال وقرابة 50 مدنيا، وهذا أكبر بكثير من أن تتحمله الغطرسة العسكرية.
وفي المقابل يجب أن لا تغيب حقيقة أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ومجازر وحشية في لبنان أوقعت حوالي 1500 شهيد لبناني، ودمرت عشرات البنى التحتية ودمرت مئات إذا لم يكن آلاف البيوت، كليا أو جزئيا، وخلفت دمارا مستقبليا من خلال حوالي مليون قنبلة، من قنابل عنقودية منتشرة على الأراضي اللبنانية تحصد الضحايا حتى الآن، فكيف من الممكن اعتبار خسائر إسرائيل الرقمية هزيمة، فيما تكون خسائر لبنان، الأكثر فداحة، انتصارا.
نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، الوزير إيلي يشاي، يقول في بيانه فور صدور التقرير: "لو أن الحكومة تجاوبت مع مطلبي ومسحت القرى اللبنانية عن الوجود، لما وقعت خسائر في صفوف جيشنا"، وهذا يعبر بالضبط عن مفهوم الفشل السائد حاليا في الشارع الإسرائيلي، بخاصة في المؤسستين السياسية والعسكرية.
إن إسرائيل تسعى اليوم لإعادة ترتيب أوراقها العسكرية، قبل السياسية، لتكون أكثر شراسة مستقبلا، وفي المقابل في الطرف الآخر، فهناك من يزف لنا "انتصارا" غير ملموس، يساهم في تغاضي العالم عن الجرائم الإسرائيلية في لبنان.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر