إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إيلان بابي نصير فوق العادة لحق العودة

الثلاثاء 22/5/2007
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

تصدر في هذه الأيام النسخة العربية لكتاب"التطهير العرقي في فلسطين"، للمؤرخ الإسرائيلي الدكتور، إيلان بابي، بعد عدة أشهر من ظهوره باللغة الإنجليزية، ولربما هذه مناسبة للحديث عن شخصية مؤلف الكتاب، أكثر من الكتاب نفسه، الذي يَعِد الكاتب بأنه يحمل في طياته معلومات تكشف لأول مرة.
فالدكتور ايلان بابي (يهودي)، ولد في مدينة حيفا في العام 1954، ويُعتبر حاليا واحدا من أبرز ثلاثة مؤرخين جدد في إسرائيل، وهو محاضر جامعي في جامعة حيفا، إلى جانب عدة جامعات في العالم.
وقد تكون هذه مواصفات "عادية" للكثير من الأكاديميين، ولكن أهمية الدكتور بابي تبقى فوق العادة بالنسبة لنا، لأنه ربط نفسه بصورة غير مألوفة كثيرا بالقضية الفلسطينية، وبشكل خاص بحق العودة، فهو ليس مجرد نصير لحق العودة من دون أي تحفظ، وإنما يَعتبر هذا الحق واحدا من مشاريع حياته الأساسية.
وقد جعل بابي قضية نكبة الشعب الفلسطيني تخصصه، من منظور الشعب الضحية، ولم يكتف بما توارد وما تم تسجيله، بل راح يبحث عن الحقيقة المؤلمة، ليكتشف أنها مؤلمة أكثر، ويخبر العالم بما توصل إليه.
ولا يكتفي د. بابي بإيمانه بأنه لا يمكن حل القضية الفلسطينية من دون تطبيق كامل لحق العودة، بل هو يقود سنويا مؤتمرا علميا، محليا ودوليا، لحق العودة يعقده في مناطق 1948، وفي هذا العام سيعقد المؤتمر الثالث في مدينة عكا، ويؤكد ان الطابع العلمي سيطغى على هذا المؤتمر.
وكان الدكتور بابي ناشطا بارزا في الحركة الشعبية العالمية لمناهضة نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، واعتمادا على تجربته في تلك المرحلة فإنه على قناعة بأن الكثير من الأساليب التي اتبعها الرأي العام العالمي ضد نظام الأبرتهايد يجب أن تتكرر ضد إسرائيل، ومن أبرزها مقاطعة السلك الأكاديمي في إسرائيل، وبشكل خاص القطاعات الأكاديمية التي لها علاقة بالاحتلال الإسرائيلي في مناطق 1967.
وقاد بابي لهذا الغرض حملات مقاطعة في بريطانيا وغيرها، وهو يُحفز منظمات المحاضرين في العالم على عدم التعاون مع المعاهد الأكاديمية الإسرائيلية المتعاونة مع الاحتلال.
وفي النصف الثاني من سنوات التسعين أشرف بابي على رسالة ماجستير لصحافي إسرائيلي يدعى تيدي كاتس، توصلت إلى استنتاج بأن العصابات الصهيونية ارتكبت مجزرة رهيبة في قرية الطنطورة الفلسطينية، عند سفوح جبل الكرمل، حيث مدينة حيفا، حين قامت وحدة الكسندروني الصهيونية بقتل 200 رجل فلسطيني أعزل.
وحينها ثارت ضجة عامة، خاصة من قبل عناصر الوحدة التي شاركت في المجزرة، وقد فرضت المحكمة الإسرائيلية على تيدي كاتس، بتقديم اعتذار لتلك العناصر، والتراجع عن دراسته، التي قررت لجنة أكاديمية استثنائية رفضها بعد ان تم إقرارها في الجامعة، ولكن الدكتور بابي أصر على مصداقيتها.
وبطبيعة الحال فإن بابي دفع ويدفع ثمنا باهظا يوميا في المجتمع الإسرائيلي، وخاصة في السلك الأكاديمي، ومن بين الإجراءات الانتقامية ضده، حرمانه من لقب بروفيسور، ومقاطعة عدد كبير من المحاضرين ومعاهد الأبحاث الإسرائيلية له.
ولكن بابي لم يترك السلك الأكاديمي، ورفض دعوات المقربين منه ليرشح نفسه للانتخابات البرلمانية، ويصبح عضوا في الكنيست، وقال حينها إن حلبة عمله الأساسية في السلك الأكاديمي، وعلى مستوى الرأي العام العالمي، الضروري لنصرة القضية الفلسطينية.
ويقول الدكتور بابي، إن الهدف من إصدار هذا الكتاب هو إثارة الرأي العام العالمي، ووضعه أمام الحقيقة، فلا يمكن معالجة الصراع في منطقتنا إذا لم يتم فهم الحقيقة الموضوعية، وفهم ما فعلت إسرائيل في العام 1948 واعتمادا على أي أسس، وفهم العلاقة بين الأيديولوجيا الصهيونية والنكبة الفلسطينية.
ويتكلم بابي في كتابه عن فكر التطهير العرقي كموجّه أساسي للسياسة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني قبل وبعد العام 1948، وهو يتركز في أحداث عام النكبة 48، عندما تحول الفكر إلى ممارسة تطبق على الأرض، فليس صدفة انه تم طرد مئات آلاف الفلسطينيين، وتم تدمير ونسف مئات القرى الفلسطينية، فكل هذا تم تنفيذا لأيديولوجيا وليس كنتيجة لحرب، حسب ما تروج له إسرائيل ويعتقد البعض.
ويؤكد بابي أن هذا الفكر وهذه الأيديولوجيا لم تتوقف عند ذلك العام بل هي مستمرة حتى اليوم، ونحن نلمس سياسة التطهير العرقي اليوم بوسائل جديدة، غير تلك التي كانت متبعة في العام 48.

ويكشف بابي لأول مرة، وبعد البحث في أرشيف الصليب الأحمر، بمساعدة الباحث الفلسطيني سلمان أبو ستة، أنه في العام 1948، أقامت إسرائيل معسكرات عمل، (على شكل معسكرات النازيين)، وقد زجت بحوالي عشرة آلاف فلسطيني، وإجبارهم على القيام بأعمال تخدم المخطط الصهيوني في تلك الفترة.
ويدعو بابي إسرائيل للاعتراف بأنها اقترفت جريمة تطهير عرقي في العام 1948، ويقول للمجتمع اليهودي في إسرائيل أنه إذا أراد بناء مستقبل له في هذه المنطقة، فعليه أن يعترف بهذه الجريمة، وأن يستبدل الأيديولوجية الصهيونية العنصرية بفكر ديمقراطي ليبرالي، وتصحيح الغبن الذي بدأ في العام 48.
وقد أصدر الدكتور بابي خمسة كتب، من بينها "تاريخ فلسطين المعاصر"، و"بريطانيا والصراع العربي الإسرائيلي"، كما أصدر كتابا باللغة العبرية عن عائلة الحسيني.
في الآونة الأخيرة سرت شائعة، مصدرها سوء فهم، وكأن بابي قرر الهجرة من إسرائيل إلى بريطانيا، لأنه لم يعد يحتمل البقاء فيها بسبب سياستها، وهذا ما نفاه بابي مؤكدا انه لا يجوز له ترك الساحة الأساسية للقضية الفلسطينية، وكل ما في الأمر انه تلقى عرضا للعمل رئيسا لقسم العلوم السياسية والتاريخ في جامعة "إكستر" البريطانية، لمدة عامين، وأعلن انه من أولى خطواته هناك ستكون افتتاح قسم للأبحاث والدراسات الفلسطينية.
ويرأس الدكتور بابي معهد إميل توما للأبحاث الفلسطينية، في مدينة حيفا، وهو يخلد ذكرى المؤرخ الفلسطيني البارز، الدكتور إميل توما، الذي رحل في العام 1985.
من الصعب جدا أن يكون الإنسان مرفوضا في مجتمعه، وقد رفض الدكتور بابي "شراء الانسجام" في مجتمعه الأساسي، على حساب مبادئه، وفي المقابل فقد وجد ميادين دولية كثيرة وواسعة تفتح له صدرها، وفي الآونة الأخيرة بدأت أطر عربية أكثر تسعى لاستقبال الدكتور بابي.
بطبيعة الحال فإن بابي ليس وحيدا في إسرائيل يحمل مواقف مناصرة حقيقية لقضية الشعب الفلسطيني، وهناك قطاع واسع لا يمكن الاستهانة بحجمه، ولكن عطاء الدكتور بابي يبقى فوق العادة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر