إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



عمير بيرتس يخسر معركته في بيت العناكب

الثلاثاء 12/6/2007
برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي"

ما يميز بيرتس انه انطلق من أحياء الفقر، ووصل إلى "مجد" لم يحلم به، ولم يكن على مقاساته، ووصل إلى القمة بسرعة، ولكنه انهار عنها بشكل أسرع* لم تلدغه العناكب وحدها، بل نهجه وتقلباته كانت "اللادغ" الأكبر*

مع ظهور النتائج النهائية لانتخابات رئيس جديد لحزب "العمل" الإسرائيلي، سيبدأ الرئيس الحالي، وزير الأمن (الدفاع) عمير بيرتس، مسيرة جديدة، وستكون على الأغلب نحو خط النهاية في راس الهرم الحزبي والسلطوي، وشبه استحالة عودة مستقبلية لأي منصب قيادي من الدرجة الأولى في دائرة الحكم في إسرائيل.
فهو يترك منصبه في رئاسة الحزب، وعلى الأغلب أيضا في وزارة الأمن، دون أن يُسجل لصالحه ولو نقطة ايجابية واحدة، من منظور حزبه، وأيضا من منظور الشارع الإسرائيلي، ولهذا فإنه لن يكون من ذلك النوع من القيادات، الذين تم "خلعهم" ثم فُسح المجال أمامهم لعودة جديدة.
ولكن من ناحية أخرى فإن عمير بيرتس يبقى تجربة فريدة من نوعها في الحلبة السياسية الإسرائيلية، فهذا الشاب اليهودي الشرقي، إبن عائلة محدودة الإمكانيات، وإبن أحياء الفقر الإسرائيلية، وعانى مع بيئته الشرقية من تمييز الأشكناز ضدهم، يظهر فجأة على الحلبة السياسية ويحطم رموزاً أشكنازية في السلطة الإسرائيلية، وخاصة عجوز السياسة الإسرائيلية، شمعون بيرس.

سياسي منذ سنواته الأولى

في شهادته أمام لجنة فحص مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، فاجأ رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، مستمعيه، ومن ثم الأوساط الإسرائيلية بعد نشر شهادته، حين تحدث بحرارة شديدة عن وزير الأمن (الدفاع) في حكومة، عمير بيرتس، نظرا لبرودة العلاقات بينهما.
فحين سُئل أولمرت عن سبب تعيينه لبيرتس في وزارة الأمن "الكبيرة على مقاساته"، وبعد أن شرح أن هذا نتيجة اتفاق ائتلافي، راح يتحدث عن ذلك الشاب الشرقي الذي خرج من أحياء الفقر، واستطاع أن يثبت نفسه حين كان في مقتبل العمر، وأن يصل إلى مستويات سياسية واجتماعية عليا.
من الصعب الاقتناع بأن أولمرت، الذي "ولد" سياسيا في حركة "حيروت" اليمينية المتطرفة، أن يتطوع لمديح خصم له، "ولد" في المعسكر الآخر، في حزب "المباي" ("العمل" لاحقا)، وكان من أوائل المنتسبين لحركة "السلام الآن"، فأولمرت أراد من حديثه هذا أن يصد بعض الضغط عنه، في مسألة قبوله لتولي بيرتس حقيبة "الأمن".
ولكن في حقيقة الأمر فإن ما قاله أولمرت ليس بعيدا عن الواقع، لأن "الشاب" اليهودي الشرقي، ابن أحياء الفقر، عمير بيرتس، استطاع أن يخط طريقه في حزب اشكنازي متعالي، وضع أسس سياسية التمييز ضد اليهود الشرقيين، وأن يصبح لاحقا زعيما لهذا الحزب.
ولد عمير بيرتس في التاسع من شهر آذار/ مارس، من العام 1952، في بلدة بوجعد في المغرب، وهاجر مع عائلته إلى إسرائيل في العام 1956، ولم يتقدم بيرتس كثيراُ في التعليم العالي، وقد درس في كلية تربية في النقب.
وفي العام 1973 شارك في حرب أكتوبر على الجبهة الشمالية أما سورية، وأصيب بقدمه، وأدت إلى تشوه في رجله حتى اليوم.
حين كان إبن 31 عاما، أي في العام 1983، نجح في الوصول إلى رئاسة مجلس بلدته سديروت، على رأي قائمة حزب "المعراخ" (أحد التسميات السابقة لحزب "العمل" الحالي)، ونجح لأول مرة في خلع حزبي الليكود والمفدال اليمينيين عن رئاسة هذه البلدة، التي كانت من أبرز بلدات الفقر في إسرائيل، وتسكنها أغلبية يهودية شرقية.
وكان هذا المنصب رافعة لوصوله لأول إلى البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، في خريف العام 1988، وسطع إسمه على الصعيد القطري في مطلع سنوات التسعين، حين بادر إلى مسيرة الاحتجاج على تفشي البطالة من الجنوب إلى الشمال، وبطول عشرات الكيلومترات، ولكن هذا لم يسعفه كثيرا، وقد بقي في مقعده البرلماني ضمن قائمة حزب "العمل" بصعوبة، وبفضل حصول الحزب على 44 مقعدا، وكان بيرتس يحتل أحد المقاعد الأخيرة.
ولم يتوقف بيرتس هنا، بل قرر أن يغزو بيت العناكب الأكبر في الحزب، قيادة اتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، الذي احتله حزب "العمل" منذ ظهوره، وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتحول عمليا إلى الساحة الخلفية للحزب، وتحولت كل مقرات الهستدروت إلى نواد للحزب.
وكان الهستدروت مصدر قوة للحزب، كونه كان يسيطر على 30% من الاقتصاد الإسرائيلي، حتى مطلع سنوات التسعين، والغالبية الساحقة من العاملين في "الهستدروت، والمؤسسات والشركات الاقتصادية كانت خاضعة مرغمة لحزب "العمل".
ونافس بيرتس على رئاسة الهستدروت في داخل الحزب، حاييم هابرفيلد، الذي كان يرأس الهستدروت، وهو استمرارا للفئة التي سيطرت على مجريات الأمور في هذا الاتحاد النقابي، وقد خسر المنافسة.
ولم يرض بيرتس بالنتيجة، وبشكل خاص الشخص الذي وقف من خلفه، الوزير في حينه، حاييم رامون، ولكن بيرتس لم يستطع الإقدام على خطوة "جريئة" بمفرده، وكان بحاجة إلى الأشكنازي رامون، الذي قاد إنشقاقا في كتلة "العمل" في الهستدروت، وشكل قائمة منفصلة، استطاعت لأول مرة أن تخلع الحرس القديم في الهستدروت، في ربيع العام 1994.
وكان رامون زعيما لها الاتحاد فيما كان بيرتس الرجل الثاني في الهستدروت، وسرعان ما عاد رامون إلى حكومة شمعون بيرس، في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة يتسحاق رابين في خريف العام 1995، ليحتل بيرتس منصب "السكرتير العام" للهستدروت، وهو التسمية السابقة لمنصب رئيس الهستدروت.
وأقدم رامون ومن بعده بيرتس، على جملة تغييرات في الهستدروت، الغارق بالديون، أفقدته قوته
الاقتصادية، وبالتالي تراجع مكانته النقابية.
في الانتخابات البرلمانية في العام 1996، خاض بيرتس الانتخابات كرئيس قائمة مستقلة، ولكن ضمن قائمة حزب "العمل"، وفي العام 1999 خاض الانتخابات بقائمة مستقلة حصلت على مقعدين، وفي العام 2003 لم تنجح قائمته في الحصول على أكثر من ثلاثة مقاعد، وقبل أن تنتهي الولاية البرلمانية، عاد بيرتس على رأس قائمته، إلى الحزب "الأم"، (العمل) بمبادرة شمعون بيرس، رئيس الحزب في حينه.
إلا أن شمعون بيرس لمن يكن يتخيل أن هذه الخطوة التي عارضها كثيرون في حزب "العمل"، ستكون بداية نهايته في رئاسة الحزب، وفي الانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب التي جرت في خريف العام 2005، تغلب عمير بيرتس بشكل مفاجئ على شمعون بيرس، وكان هذا بمثابة فتح الأبواب أمام بيرس ليهجر حزبا كان في قيادته بمستويات مختلفة على مدى خمسين عاما.

ارتقاء سريع وانهيار أسرع

في عودة للماضي، نرى أن فوز عمير بيرتس برئاسة حزب "العمل" لم يكن نتيجة طبيعية، بل لسلسلة عوامل، من أبرزها أنه في حينه كانت عملية انتساب واسعة النطاق لحزب "العمل" وتم الكشف فيها عن عمليات تزوير ضخمة، وكان بيرتس من أكثر المتهمين بها، ولكن لأسباب غير واضحة، فإن ملف التحقيق لم يكتمل، ولم يتم إغلاقه.
كذلك فإن بيرتس استفاد في حينه من أمرين، وهو تجنيد الجهاز البيروقراطي في الهستدروت الذي كان يرأسه، وأيضا من نظام حزب "العمل" الذي يمنح الفوز لمن حصل على أكثر من 40% في حال وجود أكثر من مرشحين اثنين لرئاسة الحزب، ولم ينجح بيرتس في الحصول على أكثر من 50%.
وهذا كله يقود إلى حقيقة أن فوز بيرتس لم يكن مقنعا لكوادر الحزب، وهنا أيضا أقدم بيرتس على عدة أخطاء مصيرية في داخل الحزب، ولم يأخذ بعين الاعتبار الحرس القديم، الذي لا يزال في الواجهة السياسية، وركض لاستحضار نجوم من خارج الحزب، مثل الصحفية شيلي يحيموفيتش، ورئيس جامعة بئر السبع، أفيشاي برافرمان، واستبعد إلى الخلف النجوم الأساسية في الحزب، خاصة من ذوي النفوذ وأصحاب مراكز القوى في الهيئات الحزبية.
وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت بعد خمسة أشهر من توليه رئاسة الحزب، تبين أن امتزاج حزب بيرتس بحزب "العمل" لم يثمر كما كان متوقعا، بل بقي الحزب على نفس المقاعد التي كانت لديه في الولاية السابقة، وهذا ضوء أحمر وقف أمام بيرتس.
ولكن بيرتس الذي اعتقد أن الحزب في قبضته، واصل سلسلة أخطائه، وخاصة في التركيبة الوزارية لحزبه في حكومة إيهود أولمرت، حين استبعد النجوم الذين أتى بهم إلى الحزب، مثل برافرمان، ولكن بشكل خاص جنرالات مثل عامي أيالون وداني يتوم.
وهذه أخطاء على مستوى الحزب، أما على المستوى الشخصي، فقد ورط بيرتس نفسه بحصوله على حقيبة الأمن، رغم الهجوم العنيف عليه في وسائل الإعلام، قبل توليه المنصب وبعد أن بدأ مهامه.
في خطاباته الأخيرة يقول بيرتس، محاولا رثاء حالته، "إنه خلال توليه واجه صعوبات، حتى أكثر الخصوم لم يحلموا في وضعها أمامه"، ويقصد بذلك الحروب التي شنتها إسرائيل، في العام الأخير، على الشعبين اللبناني والفلسطيني، والأوضاع الأمنية وغيرها.
ولكن بيرتس هنا أيضا لم يقنع أحدا بما يقول، فقبوله بحقيبة الأمن، كان عمليا نقضا لطابعه الشخصي الذي اقترن بالقضايا الاقتصادية الاجتماعية، ونقضا لوعوده الانتخابية، خاصة بعد أن تبين أن حزبه لم يحصل على أي حقيبة ذات طابع اجتماعي.
ومنذ الأيام الأولى لتوليه مهامه في تلك الوزارة ظهر بيرتس أسيرا للجهاز العسكري، ويفعل فعله، فهو لم يوقف القصف المتواصل على قطاع غزة، وفي نهاية شهر حزيران/ يونيو 2006 شن حربا واسعة النطاق على قطاع غزة، بحجة أسر جندي احتلال، لم يتم إطلاق سراحه حتى اليوم، وبعد ثلاثة أسابيع شن حربا مدمرة على لبنان، أيضا بحجة أسر جنديين، وكانت هاتان الحربان القشة التي قصمت ظهر الجمل.
ومنذ أن هدأت الحرب على لبنان في منتصف آب/ أغسطس العام الماضي 2006، يقبع بيرتس في حضيض لم يشهده من قبل أي قائد سياسي بمستوى مناصبه، كأن نقرأ في استطلاعات الرأي أن 1% فقط، من الجمهور في إسرائيل يؤيدون بقاءه وزيرا للأمن، فيما لا يرى أكثر من 3% من الإسرائيليين، بأنه مؤهلا لتولي رئاسة الحكومة.

وجهة بيرتس مجهولة

حتى الآن ليس من الواضح أي طريق سيختارها عمير بيرتس بعد أن ينهي ولايته في رئاسة الحزب، فهناك احتمالات كثيرة للمرحلة الحالية، فالسياق الطبيعي هو أن يستقيل أيضا من منصبه الوزاري في وزارة "الأمن"، ليخلي المكان لرئيس الحزب الجديد، وفي هذه الحالة سيكون السؤال ما إذا سيبقى بيرتس وزيرا، أم سيختار بنفسه أو مرغما ترك الحكومة كليا، وأن يبقى نائبا في الكنيست، في انتظار قفزة جديدة، هذا إن وجدت أصلا.
وهناك احتمال أن يبقى بيرتس لفترة محدودة في منصبه، إلى حين يتضح مصير رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، الذي أصبح مرهونا بقدر كبير بحيثيات التقرير النهائي للجنة فينوغراد، ولكن أيضا بملف الفساد، الذي تراجع الحديث عنه في الأسابيع القليلة الأخيرة، وقد يظهر من جديد في أي لحظة، وهذا لأن المرشحين لرئاسة "العمل"، عامي أيالون، وإيهود براك، يتحفظان من الجلوس في حكومة يرأسها إيهود أولمرت.
ولكن هذه كلها تحركات وتوقعات للمدى القصير، أما على المدى البعيد، فإن بيرتس لم يبد حتى الآن معالم تعب، أو إحباط تقوده إلى خارج الحلبة السياسية، وإن فعل هذا فسيكون لفترة قصيرة.
حقيقة أن التكهنات في السياسة هي أمر شائك، ولكن حقيقة وضعية عمير بيرتس لا تبقى أي مجال للشك، بأنه سيكون من الصعب جدا على عمير بيرتس أن يحلم بالعودة إلى منصب قيادي من الدرجة الأولى، وهذا لعدة أسباب.
بداية في حزبه، فهو لم يبق أثرا ايجابيا يجعل أعضاء الحزب يتمنون عودته، وحتى النسبة الكبيرة جدا التي حصل عليها في الجولة من الانتخابات لرئاسة الحزب، 22,4%، حصل عليها نتيجة تحالفات ليست ذات وزن في الهيئات القيادية للحزب، وخاصة تحالفه مع الوزير "العربي" غالب مجادلة، الذي حصد له ثلث الأصوات التي حصل عليها بيرتس، وعمليا فإن نصف أصوات بيرتس جاءت من "القطاع العربي" في الحزب، لأن هذا الحزب يجعل من منتسبي أبناء الطائفة العربية الدرزية قطاعا منفصلا عن "القطاع العربي".
كذلك فإن بيرتس لن يجد مستقبلا أيا من أعضاء القيادة البارزة في الحزب يمد له يد المساعدة للعودة، كونه لم يسجل أي إنجاز تمنحه أفضلية على آخرين في قيادة الحزب.
وحتى وإن قرر بيرتس هجرة حزبه، والتوجه إلى حزب آخر، فبلغة الحلبة السياسية الإسرائيلية، فإن بيرتس هو بضاعة خاسرة ومُخسّرة جداً، وهذا بسبب الحضيض الذي وصلت إليه شعبيته في الشارع الإسرائيلي.
إذا اختار بيرتس البقاء في المشهد السياسي الإسرائيلي، فعلى الأغلب سيبقى مجرد سياسي آخر في الحلبة السياسية، من دون أي وزن، وإذا ما قرر بيرتس العودة إلى أجندته الاقتصادية الاجتماعية، وكنجم لها، فإنه سيحتاج لسنوات، "يساعد" فيها الجمهور على نسيان تجربته على مدى 20 شهرا، منذ توليه رئاسة حزب "العمل" وحتى اليوم.
لم يكن مقعد رئيس حزب "العمل"، خاصة في السنوات الأخيرة، مخمليا، إلى درجة الشعور بالارتياح عليه، كونه يتوسط واحد من أكبر بيوت العناكب التي عرفتها الخارطة السياسية الإسرائيلية، الذي لم تترك لأي من رؤساء الحزب فرصة للعمل، وهذا أكبر تعبير لأزمة القيادة في الحزب، إلا أن بيرتس قرر في يوم ما ان يقتحم بيت العناكب، ولكنه مني بفشل انعكس على مصيره السياسي.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر