إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



تداعيات مهلكة

الثلاثاء 3/7/2007
حيدر عوض الله

تنكشف القضية الفلسطينية إلى حد العري على مخاطر جديدة وغير مسبوقة تهدد بصورة فعلية بانهيارها كقضية تحرر وطني، كما تهدد إلى جانبها انهيار الطرف الأساسي والممثل السياسي والشرعي للنضال الوطني والذي أنيطت به مهمة قيادة هذه العملية التحررية. وهذه المخاطر ليست خارجية أو إقليمية التصقت بالنضال الوطني منذ تفجر القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وكان بالإمكان تجاوزها بغض النظر عن حجم الصعوبات والتضحيات التي قدمت. الجديد والأساسي هو التحديات الداخلية التي نشأت وترسخت وتعاظمت لتصل إلى ما يمكن تسميته بانشطار عامودي في النظام السياسي ومؤسساته القيادية وفي المجتمع أيضاً، بين قوتين رئيسيتين أصبحتا بتفاوت الممسكتان بقياد النظام السياسي والمجتمع. والجديد هنا، وربما غير المسبوق في تجارب حركات التحرر، أن تتطور القوة الجديدة بالتوازي مع بقاء القوة التقليدية وليس على حطامها، الأمر الذي أفرز موضوعياً تجاذباً واستقطاباً حاداً وهائلاً بين القوتين، ويبدو أن هذا الصراع تصعب السيطرة عليه لسببين رئيسيين...
الأول: أن حركة فتح لا زالت قوة رئيسية تمسك بالمفاصل الأساسية للنظام السياسي والمجتمع، ولا يمكنها أن تسمح بتقدم حركة حماس للتغلغل أكثر في عمق المؤسسة. لأن هذا التقدم سيجعل من المستحيل إعادة حماس إلى "حجمها " ولما سينشأ عن تمدد حماس من وقائع ومصالح يستحيل معها العودة إلى الوضع الذي كانت فيه حركة فتح تستأثر بالمبنى القيادي للحركة الوطنية والسلطة وانعكاساته على رصيدها الشعبي والمجتمعي.
الثاني: أن حركة حماس، التي وجدت نفسها القوة الأولى بعد الانتخابات بحاجة إلى عكس هذا الواقع في بنية النظام السياسي ككل بما في ذلك امتداداته البيروقراطية، أي داخل الأجهزة المدنية والأمنية. وهي بذلك تريد تحصين مواقعها في السلطة والمجتمع، ولسان حالها يقول: أن لا ضمانة مستقبلية لأن تحصل حركة حماس على ذات النتائج التي حصلت عليها في الانتخابات التشريعية الثانية. وأن إتكائها على طبيعة النظام الانتخابي المختلط وعلى الكتلة الانتخابية المرنة التي كانت تقليدياً تتحرك باتجاه فتح، ثم تحركت باتجاه حركة حماس في الانتخابات الأخيرة كنتيجة مباشرة لفقدان الثقة بحركة فتح قد تتأرجح مجدداً باتجاه حركة فتح بعد أن اتضح بالملموس أن حركة حماس في السلطة تعيد إنتاج تجربة فتح ولكن بطريقة مكثفة، مع بروز إشكاليات ومصاعب جديدة لم توجد في ظل قيادة حركة فتح. وخشية من التسطيح فان عوامل عديدة تضافرت معاً وأدت إلى هذا الانقلاب ا، أي صعود حماس إلى السلطة، وهي عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية مضافاً إليها شكل إدارة السلطة واحتياجات سكانها.
في خضم هذا الصراع المبكر على السلطة، والذي يستبق انجاز أهداف مرحلة التحرر الوطني، فان هذا الصراع انعكس وبصورة مباشرة وخطرة على النضال الوطني الفلسطيني وعلى المجتمع الفلسطيني برمته. فعلى مستوى النضال الوطني تحول قطاع غزة "المحرر " إلى اختبار مفزع للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ولجدارة الاستقلال كذلك!! وهو يمثل اليوم نموذجاً مرعباً للحالة الفلسطينية الراهنة والتي تعطلت فيها القدرة على إدارة القطاع من قبل سلطة متشظية ومشلولة نتيجة اصطراع القوتين الرئيسيتين والذي نشأ على إثره تفكك متسارع في المجتمع نفسه، أنتج وينتج ظواهر جديدة، ولكن مألوفة في ظل غياب السلطة المركزية، وتعدد شرعيات العنف والقوة، ومحاولة القوتين الرئيسيتين استثمار البؤس الحالي لإضعاف أحدهما الآخر.
في ظل هذا الوضع الملموس تنشأ وبصورة طبيعية أسئلة تتعلق بجدارة البنى السياسية الراهنة على إدارة الحياة التي تنخفض أولوياتها من التحرر الوطني إلى مستوى البقاء على قيد الحياة في غابة قطاع غزة الراهن، وفيما إذا كان الفلسطينيون في أماكن أخرى منجذبين إلى إعادة إنتاج قطاع غزة آخر؟؟!.
وهنا يدخل اللاعب الإسرائيلي لإكمال استراتيجيته التي بدأها بعزل الكفاح الوطني الفلسطيني وتحويله إلى عمل " إرهابي" ليكملها بخفض تطلعات الشعب الفلسطيني من مستوى الاستقلال السياسي إلى مستوى البقاء الفيزيائي للسكان، أي تحويل القضية برمتها إلى قضية إنسانية!!. وبتصفية البعد السياسي التحرري للقضية الفلسطينية، تنفتح المخيلة الإسرائيلية على سيناريوهات قديمة جديدة لا حد لها لحل مشكلة السكان الفلسطينيين. وفي هذا الوضع بالذات، والذي يشترط اكتماله انهياراً  للحركة السياسية الفلسطينية ومكوناتها، وهي عملية متواصلة حتى الآن، ستتقدم قوى جديدة في إطار توافق إقليمي ودولي لملئ هذا الفراغ، منعاً لتداعيات خارجة عن السيطرة، في منطقة خطرة ورخوة إلى أبعد الحدود. وهذا السيناريو " السوداوي " ليس قدراً إلا بمقدار اجتهادنا في عملية " التدمير الذاتي ".
إن البحث عن طرق علاجية جذرية للوضع الراهن، ستبدو للمنطق السياسي طرق مثالية وساذجة، إذا خضعت لمنطق الصراع على السيادة والسلطة السياسية. ولأن الوضع الفلسطيني الراهن، ومحصلة توازن القوى السياسية لا يمكن أن تأت بالحسم المطلوب، فان التعايش القسري المرحلي، وبالحدود الدنيا، سيكون مطلوباً وكافياً، ليس لإنجاز مرحلة التحرر الوطني وبناء مجتمع معافى، بل لمنع انهيار المجتمع الفلسطيني ونظامه السياسي، بانتظار حسم سياسي ما يفكك حمى الصراع على السلطة بين قوتين رئيسيتين ببرنامجين، بالوسائل الديمقراطية وبنفس الآلية الانتخابية التي أدت إلى هذه الازدواجية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر