إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



تقرير "أدفا": الفقراء وأولهم العرب محرومون من النمو الاقتصادي

الثلاثاء 25/12/2007
قراءة وتحليل برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*النمو الاقتصادي من نصيب أصحاب رأس المال، وقد يصل إلى قلقة قليلة من "الأجيرين الميسورين" *الغالبية الساحقة من المجتمع لم تذق طعم النمو *معدل رواتب العرب في إسرائيل تساوي 70% من معدل الرواتب العام، و50% من معدل رواتب اليهود الاشكناز *نسبة البطالة بين العرب 14% مقابل 4,5% بين اليهود *فجوة كبيرة في التحصيل العلمي بين اليهود والعرب بسبب سياسة التمييز *24,7% من اليهود الاشكناز يدخلون المعاهد الأكاديمية الإسرائيلية، مقابل 12,2%
من الطلاب العرب *ظاهرة "طب للأغنياء وطب للفقراء" مستمرة*



كشف تقرير مركز "أدفا" الإسرائيلي، للمعلومات والعدالة الاجتماعية، الذي صدر في الأسبوع الماضي، عن حجم سوء الأوضاع الاجتماعية التي تعاني منها الشرائح الفقيرة والضعيفة في إسرائيل، وعلى رأسها الجماهير الفلسطينية، في داخل إسرائيل، على الرغم من وتيرة النمو الاقتصادي العالية، التي بدأت في نهاية العام 2003، وهي مستمرة حتى العام الحالي.
ويعتبر تقرير مركز "أدفا" السنوي، من أهم التقارير البديلة لتقارير المؤسسة الرسمية في إسرائيل، وهو يعتمد على معطيات ذاتية، إضافة إلى تحليل علمي للمعطيات الرسمية، ويجري اعتماده في الكثير من الأوساط، وبشكل خاص المنظمات الاجتماعية.
ويشدد التقرير على أن النمو الاقتصادي الحاصل استفاد منه بالأساس أصحاب العمل ورأس المال، وبدرجة ثانية مع فجوة كبيرة، العاملين في القطاعات الأساسية التي شهدت نموا اقتصاديا، وعلى رأسها صناعات التقنية العالية، في حين أن القطاعات الأخرى شهدت نموا بدرجة أقل، أو أنها بقيت محرومة منه، ولهذا فهي لم تستفد من هذا النمو.
ويقول التقرير في مقدمته، "لقد اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات، وسخرت كافة الموارد التي تسيطر عليها من أجل دفع النمو الاقتصادي إلى الأعلى"، وعلى رأس هذه الإجراءات تخفيف الضرائب المفروضة على أصحاب العمل والقطاع الاقتصادي الخاص، إلى جانب منح الإعتمادات المالية لهم بتكلفة تدفعها الخزينة العامة، كذلك فإن الحكومة تسلمهم من خلال الخصخصة الكثير من الجوانب الخدماتية، لتتحول إلى ربحية لمالكيها الجدد، بدلا من الحكومة.
ويتابع التقرير، "منذ النصف الثاني من العام 2003، بدأ الاقتصاد الإسرائيلي يشهد نموا، وهو مستمر حتى الآن، وثلثا هذا النمو (66%) نابع من عوامل خارجية، وعلى رأسها تراجع المواجهات مع الفلسطينيين، والنمو الذي سجلته الصادرات الإسرائيلية إلى الخارج، وحسب تقديرات بنك إسرائيل، فإن سياسة الحكومة لتقليص حجم الميزانية، وتخفيض الضرائب، ساهم بالثلث المتبقي من أسباب النمو".
وجاء أيضا، "صحيح أن السياسة الاقتصادية الحكومية ساهمت في رفع النمو، ولكن في نفس الوقت فإن هذه السياسة لم تساهم في تقليص الفجوات الاجتماعية وعدم المساواة في المجتمع الإسرائيلي"، وهذا ما تؤكده معطيات التقرير الذي نستعرضه هنا.
ويقول التقرير إن المعطيات التي يستعرضها هنا تؤكد على الحاجة لأن تتبنى الحكومة سياسة اقتصادية اجتماعية ذات مضمون أوسع بكثير للنمو الاقتصادي، فإسرائيل بحاجة إلى سياسة تدمج بين السعي لنمو اقتصادي، وبين السعي لعدالة اجتماعية، ولهذا يجب توزيع الموارد بين جميع شرائح المجتمع، وفي جميع مناطق البلاد، وأن تكون لجميع المواطنين الأدوات التي باتت تتركز بأيدي قلة قليلة من المواطنين.

نمو وأرقام

ويستعرض التقرير بعض معطيات النمو، الذي تراوح سنويا، من العام 2004 وحتى العام الماضي 2006، بين 4,8% إلى 5,5%، وفي العام الجاري تشير التوقعات إلى أن النمو سيكون بنسبة مماثلة كالسنة السابقة 2006، أي في حدود 5,5%.
ويتضح أن المجمل العام للناتج القومي ارتفع في العام 2006 إلى ما قيمته حوالي 150 مليار دولار، وبمعدل 20140 دولار للفرد، في حين أن معدل الناتج للفرد في دول الاتحاد الأوروبي كان في نفس العام 31800 دولار، وفي دول مصر والأردن وسورية، من باب المقارنة، 1304 دولارات.
ويقول التقرير، إنه في العام 1980 كان معدل الناتج للفرد في إسرائيل 5600 دولار، في حين أن التقديرات تشير إلى احتمال ارتفاعه في العام الجاري بنسبة 3,4%، أي إلى مستوى 20800.
يشار هنا إلى أن تقرير لإحدى المنظمات، صدر في الأشهر الأخيرة، أشار إلى أن معدل الناتج للفرد اليهودي في إسرائيل في العام 2005 كان في حدود 22000 ألف دولار، مقابل 7000 ألف دولار للمواطن الفلسطيني في إسرائيل (المقصود مناطق 1948 وليس الضفة والقطاع).
وكما ذكر فإن هذا النمو لم يكن من نصيب الجميع، بل بالأساس من نصيب أصحاب رأس المال، ويعرض التقرير معطيات من العام 1986 وحتى العام 2007، فيتضح مثلا، أن ضريبة الدخل التي تفرض على الشركات كانت بنسبة 61% من الأرباح الصافية، وانخفضت دفعة واحدة في العام التالي 1987، إلى 45%، ومنذ ذلك الحين بدأت تنخفض باستمرار حتى هبطت إلى مستوى 29%، علما أن مخطط وزارة المالية يقضي بتخفيض هذه الضريبة إلى مستوى 25% مع حلول العام 2010.
كذلك فإن رسوم التأمين الوطني (الضمان الاجتماعي) المفروضة على الشركات، كانت في العام 1986 بنسبة 15,65%، وانخفضت في العام التالي 1987 إلى 10,85%، وهذه الرسوم تشهد في السنوات الأخيرة انخفاضا مستمرا، لتصل في العام الجاري، 2007، إلى مستوى 4,14%، وعلى ما يبدو فإن هذا ليس نهاية المطاف، لأنها تنخفض سنويا.
وكانت في إسرائيل ضريبة دخل يدفعها صاحب العمل عن كل عامل لديه، عدا تلك التي يدفعها العامل نفسه، وفي العام 1987 كانت هذه الضريبة بنسبة 7%، وانخفضت تدريجيا لتختفي كليا في العام 1992.
يشار هنا إلى أن الحكومة تتبع نظام تخفيف ضريبي في السنوات الأخيرة، ويستفيد منه ذوي المداخيل المتوسطة بشكل طفيف، في حين أن أكبر المستفيدين هم أصحاب المداخيل العالية.
وتعارض القوى السياسية ذات الطابع الاجتماعي، والمنظمات الاجتماعية سياسة التخفيض الضريبي الجارفة، خاصة عن كبار أصحاب رأس المال، لأن الشرائح الفقيرة لا تستفيد إطلاقا من هذا التخفيض، كونها لا تصل إلى الحد الأدنى من المدخول الملزم بالضريبة، وحتى القانون الأخير الذي أقره الكنيست بمبادرة وزارة المالية، ويسمى بـ "الضريبة السلبية"، أي يعيد بضع الدولارات لذوي المداخيل المتدنية، لا يساعد بشيء، خاصة وأن الحكومة ذاتها تعمل على المماطلة في عملية رفع الحد الأدنى من الأجر، لكي لا تثير غضب أصحاب رأس المال.
وأكثر من هذا، فإن تخفيض الرسوم المفروضة على أصحاب رأس المال لصالح مؤسسة الضمان الاجتماعي، ضرب مداخيل هذه المؤسسة، وهذا أحد مسببات تخفيض المخصصات الاجتماعية التي تستفيد منها الشرائح الفقيرة.
ونشير هنا إلى أن التقرير يسلط ضوءا على مديري كبار الشركات الحكومية والخاصة، وكبار الموظفين، ولنترك كبار مديري الشركات الذين تصل كلفة الراتب السنوي للواحد منهم، إلى مئات آلاف الدولار، ونبقى مع السلك الوظيفي، ويجري في إسرائيل تقسيم المداخيل غير الصافية إلى عشر مستويات، ولكن توزيعتها السكانية مختلفة تماما.
فحسب تحليل لمعطيات العام 2006، نستنتج أن 32,7% من الأجيرين كانوا ضمن العُشر الأدني من معدل المداخيل، أي الذين يتقاضون الحد الأدنى من الأجر، 840 دولارا وما دون، أما نسبة الذين كانوا ضمن العُشر الثاني وحتى الرابع، ويتقاضون من الحد الأدنى وحتى معدل الأجور، فقد كانت نسبتهم مجتمعة 40,6%.
وفي المجمل العام، فإن 73,3% من الأجيرين كانوا يتقاضون معدل الأجور وما دون، في حين أن نسبة هؤلاء في العام 1990 كانت 65,1%، ويتوزع 26,7% من الأجيرين على المراتب العليا، من الخامسة وحتى العاشرة، وكلما ارتفعت المرتبة قلت نسبة الأجيرين فيها، فمثلا نسبة الأجيرين في المراتب السابعة وحتى العاشرة مجتمعة كانت 8,9% من مجمل الأجيرين، في حين أن نسبة هؤلاء في العام 1990 كانت 12,6.

ويعكس أحد جداول تقرير مركز "أدفا" حصة كل عشر من مجمل مداخيل العائلات، ويتضح أن العُشر الأعلى (العاشر) كان يحصل في العام 1990 على 24,4% من مجمل هذه المداخيل، وارتفع في العام 2006 إلى نسبة 28,3%، أما العُشر التاسع فكان نصيبه من مجمل المداخيل العائلية
في العام 1990 بنسبة 15,9% وارتفع في العام 2006 إلى 16,5%.
أما حصة الباقي فقد شهدت انخفاضا بين الفترتين، فمثلا حصة العُشر الأخير الذي معدل مدخوله الشهري 840 دولارا انخفض من 2,7% في العام 1990 إلى 2,3% في العام 2006.

تمييز في الرواتب على الخلفية القومية والطائفية والجنس

ويستعرض التقرير استمرار التمييز العنصري حتى في توزيع الرواتب وفي مستويات البطالة، إذ أن أشد المعرّضين للتمييز هم العرب، وبالأخص النساء العربيات ثم النساء بشكل عام، ومن ثم اليهود أبناء الطوائف الشرقية المهاجرة من الدول العربية والأفريقية والآسيوية.
وتم تقسيم الجدول الأول حسب معدل رواتب اليهود الغربيين الاشكناز، ثم رواتب اليهود الشرقيين، ثم العرب، ويتضح أنه في العام 1997 كان معدل رواتب اليهود الاشكناز يساوي 137% من معدل الرواتب في البلاد، في حين أن معدل رواتب اليهود الشرقيين كان 91%، أما العرب فقد كان معدل رواتبهم 72% من معدل الرواتب.
ولأسباب لم يتم تفسيرها، فإنه في العام 2004 "تحسن" الوضع قليلا، لنرى أن معدل رواتب اليهود الاشكناز كان في ذلك العام بنسبة 136% من معدل الرواتب، مقابل 100% لليهود الشرقيين، أما العرب فقد ارتفعت نسبة رواتبهم في ذلك العام إلى 75%.
ولكن لا داعي للاطمئنان، لأن أسباب الارتفاع الهش زالت في العام 2006، حين كان معدل الرواتب في حدود 1900 دولار، لنرى أن معدل رواتب اليهود الاشكناز 139% من معدل الرواتب، واليهود الشرقيين اجتازوا لأول مرة حاجز الـ 100% إلى الأعلى ليصلوا إلى مستوى 103%، أما العرب فقد انخفض معدل رواتبهم إلى أقل مما كان عليه في العام 1997، وهبط إلى نسبة 70%.
بمعنى آخر فإن معدل رواتب العرب كان في العام 2006 يساوي 50% من معدل رواتب اليهود الأشكناز.
وماذا عن النساء، فهناك لا يزال التمييز صارخا، فيظهر أن معدل رواتب النساء في العام 1990 كان بنسبة 57% من معدل رواتب الرجال في نفس الوظائف، وارتفعت النسبة في العام 2006 إلى 63%.
يشار هنا، إلى أنه حسب تقرير سابق لمركز أدفا، المخصص لمسألة الرواتب فقط، فإن أكثر شريحة تعاني من التمييز هن النساء العربيات، اللواتي يواجهن التمييز تارة لكونهن نساء، وتارة أخرى لكونهن عربا، فهن أكثر المحرومات من فرص العمل، ويعملن في ظروف عمل غير إنسانية، وبشكل خاص تدني الرواتب.
يشار هنا إلى من مسببات تدني الرواتب عند العرب، أولا: قلة فرص العمل في البلدات العربية ومناطقها، وهذا بسبب سياسة التمييز العنصري والحرمان، مما يلزم العامل بالسفر يوميا إلى مناطق بعيدة، وهذا ما يضطره للقبول بفرص عمل بأجور أقل من المتبع، عدا عن أنه يضطر للصرف على تكاليف البعد، من نقليات وما شابه.
كذلك فإن استقدام العمالة الأجنبية من شرق آسيا، بشكل خاص، ساهم في تدني الرواتب في قطاعات العمل التي كان يعمل فيه العرب على وجه الخصوص، مثل البناء والزراعة.

وتمييز في البطالة

قبل الدخول إلى تفاصيل التقرير، تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل اختتمت العام 2004 بنسبة بطالة وصلت إلى 10,9%، لتعيد إسرائيل إلى الوراء سنين طويلة، وهذه نسبة رسمية، كعادتها لا تعكس الواقع الأسوأ، لأن هذه معطيات من توجهوا إلى مكاتب التشغيل، بينما هناك قسم آخر إما أنه يئس من التسجيل، أو أن تم إخراجه من دائرة تلقي المخصصات، بعد أن تم تشديد شروطها.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت دائرة التشغيل أن البطالة انخفضت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنتهي، 2007، إلى 6,8%، ولكن هذه نسب لا يمكن الاعتماد عليها، رغم أنها رسمية.
ففي إعداد سابقة من "المشهد الإسرائيلي" كنا عالجنا الأسباب التي تجعل البطالة تتراجع بهذه السرعة، ومن بينها أن 90% من الذين يحصلون على فرص عمل يعملون بوظائف جزئية، 66% منهم رغما عنهم، لأنهم كانوا يبحثون عن وظيفة كاملة، كذلك فإن قسما جديا منهم لا يعملون ضمن تخصصاتهم، أو مقابل أجر أقل من المعدل.
وما يثبت حقيقة هذه المعطيات، هو ازدياد أعداد العاملين الذين يسقطون سنويا في دائرة الفقر، على الرغم من أنهم انخرطوا في سوق العمل.
وتقرير أدفا، يكشف وجها أشد قباحة لحقيقة الأوضاع الاجتماعية في إسرائيل، وهو أن التمييز يستفحل في نسب البطالة، علما أنه قائم منذ 60 عاما في هذا المجال.
ويقول التقرير في مقدمة الجزء المخصص لقضية البطالة، "إن البطالة مستفحلة في بلدات الشرائح الفقيرة، وهي عالية جدا في البلدات العربية، وأكثر بكثير مما هي عليه في البلدات اليهودية، كذلك فإنها في بلدات التطوير (بالأساس يهود شرقيين أو مهاجرين جدد)، أعلى من نسب البطالة في البلدات "الغنية"، وأن البطالة بين النساء أكثر منها بين الرجال، وبين النساء العربيات أكثر من النساء اليهوديات، كذلك فإن البطالة تضرب بمن لم يمنحهم جهاز التعليم فرصة الدراسة الجامعية، وهي تضرب الجيل الشاب، بدلا من منحه الفرصة لتأسيس نفسه".
ويتابع التقرير،
مؤكدا أن المعطيات التي ستعرض معتمدة على معطيات دائرة التشغيل، وحسب من تقدم بطلب عمل، علما أن هناك قطاعا واسعا لا يتوجه لتسجيل نفسه، لأسباب ذكرناها هنا.
ويعرض التقرير جدولا يضم 192 بلدة عربية ويهودية، وتحتل المرتبة الأولى البلدة المنكوبة أكثر من غيرها بنسبة بطالة عالية وفي المرتبة الثانية أقل، وهكذا، ويعتمد التقرير على معطيات شهر آب/ أغسطس من العام المنتهي 2007، حين كانت نسبة البطالة في حدود 7,8%.
ويظهر من التقرير أن أول 50 بلدة فيها نسبة البطالة من المعدل العام وأعلى، لتكون البلدة الأولى قرية الأعسم العربية البدوية في النقب وفيها نسبة البطالة، 20,9%، ونقرأ أن أول 35 بلدة، هي بلدات عربية، ومن ضمن أول 50 بلدة هناك أربع بلدات يهودية صغيرة، سكانها من اليهود الشرقيين.
كذلك فإن جميع قرى الجنوب العربية (منطقة النقب) تحتل المراتب الأولى في البطالة، وتقدر نسبة البطالة العامة في هذه القرى مجتمعة في حدود 17%، مقابل حسب السجلات الرسمية، ولهذا فإن النسبة الفعلية أعلى بكثير، وفي البلدات العربية مجتمعة حوالي 14%، مقابل 4,5% على الأكثر في البلدات اليهودية.
أما آخر 95 بلدة، فهي تلك التي فيها نسبة البطالة نصف المعدل العام وأقل، أي من 3,8% وما دون، ومن ضمن البلدات الـ 95، هناك خمس قرى فلسطينية صغيرة، أكبرها يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة آلاف نسمة، في حين أننا نرى في هذه المجموعة من البلدات كبرى المدن الإسرائيلية، وعلى رأسها تل أبيب.

وتمييز في التعليم

قبل أسبوعين ظهرت نتائج امتحانات اختبارية لمستوى جهاز التعليم في البلاد، وهو اختبار وفق مقاييس دولية وتظهر فيه نتائج الدولة ضمن جدول يضم عشرات الدول، وأعقب ظهور النتائج ضجة كبيرة بعد أن إتضح أن إسرائيل تدهورت من المرتبة 26 إلى المرتبة 40 في موضوع الرياضيات، ومواضيع أخرى، ولكن تبين لاحقا من خلال فحص النتائج أن أحد أكثر الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع هو الفجوة الكبيرة بين نتائج الطلبة العرب في إسرائيل ونتائج زملائهم اليهود.
وهذه فجوة ليس نتيجة ضعف في القدرات، وإنما نتيجة حتمية لسياسة التمييز في الصرف على الطالب العربي، فالطلاب العرب يتعلمون في جهاز تعليمي يعاني من تمييز فاضح بدءا من البنى التحتية، والاكتظاظ في الصفوف وصولا إلى المنهاج الدراسي، ومن بين هذه المعطيات، أن جهاز التعليم العربي في إسرائيل ينقصه حاليا، حوالي 5 آلاف غرفة تعليمية، من بينها 900 غرفة لروضات الأطفال، ما قبل التعليم الإلزامي، وهذا النقص يساوي بالمعدل وفق المقاييس الإسرائيلية حوالي 275 مدرسة جديدة.
وجاءت معطيات تقرير مركز أدفا لتدعم هذه المعطيات، وجاء في مقدمة بند التعليم في التقرير: "إن جهاز التعليم في إسرائيل يعاني بدرجة كبيرة جدا من عدم المساواة، ففي قسم كبير من البلدات في إسرائيل لا توجد مدارس تقدم تأهيلا دراسيا ومهنيا يساعد غالبية الطلاب على الوصول إلى المعاهد الأكاديمية".
وجاء أيضا، أنه في العام 2006 استطاع 45,9% من طلاب المرحلة النهائية الحصول على شهاد التوجيهي، (شهادة إنهاء المرحلة المدرسية- "البجروت" حسب التسمية الإسرائيلية)، و13% منهم، حصلوا على شهادات بمعدلات نجاح لا تؤهلهم للوصول إلى المعاهد الأكاديمية، أي أن 40% من الطلاب الذين انهوا المرحلة المدرسية بإمكانهم الوصول إلى معاهد أكاديمية.
وهذا عدا عن أن نسبة النجاح في العام 2006، كانت بمثابة استمرار لتراجع بدأ في العام 2004، حين كانت نسبة النجاح 49,2%، وفي العام 2005 46,4%.
ويعرض التقرير جدولا لسبعين بلدة، في إسرائيل من بينها كبرى المدن، وأول 39 بلدة كانت لديها نسبة متدنية للحصول على شهادة الإنهاء المدرسية وحتى المعدل، وفي المراتب الثلاثة الأولى هناك مستوطنتان ومدينة يسكنها المتدينون الأصوليون (الحريديم)، الذين لا ينخرطون في جهاز التعليم العام، ولهم جهازهم الخاص والمستقل، ولهذا فإن نسبة النجاح كانت هناك من 3% إلى 7%، ولكن هذا ليس مقياسا، لأن هذه النسبة تعود لعدد قليل من الطلاب العلمانيين الذين يتعلمون في مدارس خاصة في تلك التجمعات السكانية، وهذا السبب يسري أيضا على مدينة القدس الغربية التي كانت فيها نسبة الحصول على شهادة الإنهاء 20%، وهي أيضا ليست مقياسا، ومن المرتبة 5 وحتى المرتبة 39 (35 بلدة) هناك 23 بلدة عربية، وثلاث مدن فلسطينية تاريخية، تحولت إلى مدن ذات أغلبية يهودية.
ويتضح أن 22 بلدة كانت بعيدة عن المعدل العام، من 22% وحتى 40%، وفقط مدينة الناصرة التي كانت وفق المعدل العام، وهناك عدد من البلدات العربية الصغيرة التي كانت فيها نسبة النجاح أعلى.
والصورة السوداوية تصبح قاتمة أكثر حين نصل إلى المعاهد الأكاديمية، وكلما ارتقينا في سلم الشهادات الجامعية، ونقرأ انه في العام 2005، وصل إلى المعاهد الأكاديمية العليا 21% من الطلاب اليهود الذي أنهوا المرحلة المدرسية مقابل 12,2% من الطلاب العرب، ومن باب الموضوعية، تجدر الإشارة إلى أن نسبة العرب قد ترتفع إلى مستوى 18% إذا تبنينا عددا تقديريا للطلاب العرب الذين يتوجهون للدراسة خارج البلاد، وهو يتراوح ما بين 1500 إلى 1700 سنويا، حصة الأسد الكبرى منهم يتعلمون في الأردن.
ولكن هذا الأمر هو نتيجة مباشرة لسياسة صد الأبواب والصعوبات التي تفرض على الطلاب للوصول إلى المعاهد الأكاديمية، وهذا موضوع قائم بحد ذاته نستعرضه لاحقا.
ولكن التمييز لا يتوقف هنا، بل يتغلغل بين اليهود أنفسهم، فيتضح من المعطيات، أن 24,7% من الطلاب اليهود الاشكناز ينجحون في الوصول إلى المعاهد الأكاديمية، مقابل 16,8% من الطلاب اليهود الشرقيين.

التمييز في الجهاز الصحي

التمييز الصحي في المجمل العام ناجم بالأساس عن تفاوت القدرة في شراء الخدمات الصحية والطيبة، ولهذا فإن التمييز هو بين الشرائح الميسور والغنية من جهة، وبين الشرائح الفقيرة والضعيفة من جهة أخرى، وهذه الشرائح بغالبيتها الساحقة من العرب.
ويقول التقرير، إن الجهاز الصحي في إسرائيل بمستوى جيد بالمقارنة مع مستويات عالمية، ولكن فيه الكثير من العوامل المقلقة على صعيد مستقبل الجهاز، وهذا لأن الحكومة التي أقرت قانون التأمين الصحي العام في العام 1994 لم تضع آليات ملزمة لزيادة ميزانيات الأدوية والخدمات الصحية، لا بل وفي سنوات لاحقا بدأت تقلص من ميزانيات الجهاز، وبالتالي تقليص الخدمات، أو تجميدها، وعدم تعديل قائمة الأدوية المدعومة بأدوية حيوية، خاصة للأمراض المزمنة والخطيرة، وكذلك العلاجات.
ويعرض التقرير جدولا، يظهر فيه التمويل الحكومي للجهاز الصحي، الذي بدأ في العام 1995 بحوالي 4,2 مليار دولار (وفق سعر الصرف في حينه)، إلا أن وتيرة زيادته في السنوات اللاحقة كانت أقل من الزيادة الطبيعية الضرورية، وهكذا ففي العام 2006 كان التمويل الحكومي بقيمة 6 مليارات دولار، رغم أن الزيادة الطبيعية كانت تتطلب 8,6 مليار دولار، أي أن التمويل الحكومي كان أقل بنسبة 30% من التمويل المطلوب.
وأمام وضعية كهذا، فقد تم فتح المجال أمام التأمين المكمل، وهو تأمين خاص تضمنه شركات وحتى شبكات العيادات الكبرى، مقابل رسوم شهرية، لا يستطيع تسديدها سوى أصحاب الإمكانيات، من ذوي الدخل المتوسط وأعلى، ثم بدأت تظهر مستويات لهذا التأمين المكمل، فكلما ارتفعت الرسوم ازداد معها مستوى الخدمات الصحية، وهذا ما خلق ظاهرة "طب للأغنياء وطب للفقراء" في إسرائيل، وهو موضوع عالجه "المشهد الإسرائيلي" أكثر من مرة في أعداد سابقة.

مجرد تقرير عابر

نحن عمليا أمام تقرير صارخ آخر يصدر في إسرائيل، ويُبرز مشهدا سوداويا قاتما لجانب اجتماعي وسياسي هام، ولكن من المستبعد جدا أن نرى انتفاضة حكومية، أو على مستوى الأحزاب التي تدور في فلك السلطة بهدف، لتعمل على تغيير الواقع، وهذا يعود لكون الشرائح ذات القدرة وأعلى، ذات الصوت المسموع والمؤثر في عملية اتخاذ القرار ليست متضررة من الوضع القائم.
ولهذا فإن ما نشهده من ردود فعل في الحلبة السياسية على تقارير كهذه، لا تستمر لأكثر من 24 ساعة، ثم تختفي بسرعة في انتظار عام جديد وتقارير دورية تثير ضجة لعدة ساعات أو ليوم على الأكثر، وهكذا.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل إسرائيل متجهة إلى انتفاضة اجتماعية؟، في الوضع الراهن والمنظور، وفي ظل الأوضاع السياسية القائمة، فإن انتفاضة كهذه ليس واردة حاليا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر