إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



استفحال العنصرية وقوانينها تضرب رقما قياسيا في الكنيست

إسرائيل 2007: مفاوضات في الهواء واستيطان على الأرض

الاثنين 31/12/2007
برهوم جرايسي- الغد الاردنية

إن المسألة الأبرز التي رافقت كل التطورات السياسية على المستويين الداخلي والخارجي، في إسرائيل في العام المنتهي 2007، هي مسألة ثبات حكومة إيهود أولمرت، في أعقاب تبعات الحرب على لبنان، فهذه المسألة رأيناها مطروحة في جميع نواحي الحياة السياسية الداخلية، وأيضا في ما يتعلق بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني التي لم تتقدم بأي خطوة، في حين أن المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية توسعت أكثر.
فقد بدأ العام بأجواء التكهنات حول استنتاجات وتوصيات اللجنة الرسمية المكلفة بفحص مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، واشتدت هذه التكهنات في الأسبوع الثالث من هذا العام، حين سارع رئيس أركان جيش الاحتلال، دان حلوتس، إلى تقديم استقالته، بعد ان أيقن ان التقرير المذكور سيوجه له انتقادات حادة.
وقد أصدرت اللجنة تقريرا مرحليا في نهاية شهر آذار (مارس)، على ان تنشر التقرير كاملا في الصيف الماضي ولكن التقرير لم يصدر حتى الآن، ويجري الحديث عن اصداره في الشهر الأول من العام الجديد.
إلا أنه رغم ما حمله ذلك التقرير المرحلي من انتقادات حادة لأولمرت ووزير الأمن (الدفاع) في حكومته عمير بيرتس، وحلوتس، فإن أولمرت وبيرتس لم يستقيلا، وفقط بعد ثلاثة اشهر اضطر بيرتس للاستقالة من منصبه في أعقاب هزيمته في الانتخابات على رئاسة حزبه، حزب "العمل" لصالح إيهود باراك الذي حل محله في الوزارة، أيضا.
وفي سعيه للبحث عن مخرج من دوامة نتائج الحرب على لبنان، بدأ أولمرت يطلق بالونات تجريبية داخلية على صعيد استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، ولمعرفة كيف سيتقبل أطراف الائتلاف الحكومي خطوة كهذه.

الملف التفاوضي والاستيطان

لقد أدرك أولمرت أن مسارا تفاوضيا مع القيادة الفلسطينية وفق أسس الإجماع الصهيوني والإسرائيلي، سيبعد بعضا من الضغوط الداخلية عنه، كذلك فإنه سيبعد إسرائيل عن احتمال ظهور ضغوط خارجية عليها لدفع العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني، في إطار حسابات إقليمية للولايات المتحدة، وغيرها من دول القرار العالمي.
ومع ظهور الاتصالات الأولية، وبدء اللقاءات بين رئيس الحكومة أولمرت، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، (أبو مازن) وقع انقلاب حركة حماس في قطاع غزة، الذي سعت إسرائيل لاستثماره بأقصى ما يمكن على مستوى الأسرة الدولية، مستفيدة من اختلال التوازنات لصالحها، وبداية ذهبت في اتجاه أن القيادة الفلسطينية الحالية باتت ضعيفة، وأن الانقلاب أثبت عدم قدرتها على فرض سلطتها، ولهذا لا يمكن الاعتماد عليها في مفاوضات جدية.
إلا أن هذا السيناريو الإسرائيلي لم يلق تجاوبا عالميا، بل على العكس فقد كانت إسرائيل مطالبة بدفع المفاوضات مع القيادة الفلسطينية إلى الأمام بالذات في أعقاب الانقلاب.
وقد شهدنا في النصف الثاني من العام المنتهي لقاءات مكثفة بين المستويات المختلفة للجانبين، وبشكل خاص لقاءات شبه دورية بين أولمرت وابو مازن، ولكن هذه اللقاءات لم تثمر شيئا، ولا حتى الوثيقة التي جرى التخطيط لها بداية لتعرض على لقاء أنابوليس الدولي.
ومع ادارك إسرائيل لحقيقة ان أي جولة مفاوضات جديدة سيكون في مركزها الملفات الأساسية التي تتهرب منها، فقد فرضت إسرائيل كوابح كثيرة أمام المسار الجديد، وعملت بشكل واضح على خفض التوقعات، لأن الموجّه الأساسي للمفاوض الإسرائيلي كان الالتزام بأسس الإجماع الإسرائيلي، وهي: رفض حق عودة اللاجئين إلى مناطق 1948، ورفض الانسحاب الفعلي والكلي من القدس المحتلة، ورفض عودة كاملة إلى حدود 1967، أو أن لا يتعدى التعديل الحدودي نسبة 2,5% كما طالب الفلسطينيون.
وفي المقابل فإن إسرائيل واصلت مشاريعها الاستيطانية، وواصلت طوال العام التنكر لالتزامها الدولي بإخلاء حوالي 110 بؤر استيطانية في الضفة الغربية، واستمرت في التخطيط لمشاريع استيطانية ضخمة، خاصة في منطقة القدس.
وبعد انعقاد لقاء أنابوليس الدولي، تم الكشف في إسرائيل عن أربع مشاريع استيطانية في محيط القدس وحدها، وهذا ما بات يهدد استئناف مفاوضات الحل الدائم فعليا بين الجانبين، ولكن حكومة أولمرت لم تكتف باختلاق هذه العقبة أمام المفاوضات، بل إنها كثفت سعيها لتفجير الأوضاع كليا، من خلال تكثيف عدوانها على قطاع غزة، وتشديد الحصار التجويعي الإجرامي، الذي بات يهدد بكارثة إنسانية، إضافة إلى استمرار الحصار الداخلي في الضفة الغربية من خلال 573 حاجزا عسكريا، وفق إحصائية للأمم المتحدة، ومنع ممارسة حياة طبيعية في الضفة، إلى جانب استمرار عمليات الاغتيال والاعتقالات.
لقد نجح أولمرت بتحركاته السياسية في الامساك بكافة حبال حكومته وتثبيتها، فمن جهة يخوض المسار التفاوضي مع الجانب الفلسطيني بما يرضي قناعاته الشخصية اليمينية، وأيضا بما يرضي حزبي اليمين المتطرف في حكومته، ومن جهة أخرى فإنه يرضي حزب "العمل"، بزعم انه لا يوجد جمود في الاتصالات مع الجانب الفلسطيني وأن المفاوضات جارية، كذلك فإن انشغال الحلبة السياسية والإعلامية في مسألة المفاوضات أبعد عنه استمرار الحديث عن تبعات الحرب على لبنان، وهذا واحد من أهداف أولمرت، ولمس أولمرت "نجاحه" هذا بالمنظور الإسرائيلي من خلال ارتفاع في شعبيته.
من جهة أخرى، فقد أكثر الإسرائيليون في هذا العام بإطلاق بالونات إعلامية، أكثر منها تجريبية، في ما يخص إمكانية استئناف المفاوضات مع سورية، وهذا بتزامن مع تكثيف مشاريعها الاستيطانية في هضبة الجولان السورية المحتلة، وتوظيف مئات ملايين الدولارات سنويا لهذا الغرض، مما يؤكد عدم وجود نية حقيقية للانسحاب من الأراضي السورية المحتلة.

نمو اقتصادي وفقر وعنصرية

سيعتبر العام 2007 واحدا من أبرز سنوات الازدهار الاقتصادي في إسرائيل، فهو استمرار لأربع سنوات متواصلة من النمو الاقتصادي بنسب مرتفعة، ومن المتوقع ان يسجل النمو في العام المنتهي نسبة مماثلة للعامين 2005 و2006، أي في حدود 5,5%.
وحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية، فإن النمو الاقتصادي الذي اقتصر في السنوات الماضية على الشرائح الاقتصادية العليا، وكبرى الشركات والبنوك، فإن الشرائح الوسطى بدأت تشعر بهذا النمو في العام المنتهي، من خلال ارتفاع نسبة القوى الشرائية، وازدياد حاد في الاستهلاك العام وشراء المعدات البيتية.
كذلك فإن البطالة الرسمية واصلت تسجيل انخفاضها، ففي حين كانت البطالة في مطلع العام في حدود 8,4% فإن الحديث الآن يجري عن 7,6% وحتى أقل، رغم ان تقارير بديلة تؤكد ان تراجع البطالة ناجم عن اتساع ظاهرة الوظائف الجزئية، حتى أنه في الأشهر الأخيرة وصلت نسبة الوظائف الجزئية لدى الذين انضموا حديثا إلى سوق العمل، إلى 90%، وتبين من التقارير الرسمية، أن 66% من الذين تسلموا وظائف جزئية كانوا معنيين بوظائف كاملة.
إلا أنه رغم هذه المعطيات، فإن إسرائيل لم تتغلب على اتساع ظاهرة الفقر، وقد أظهر التقرير السنوي الرسمي الذي تصدره مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى أن نسبة الفقر العامة في إسرائيل تصل إلى 20,7%.
ولكن في طيات هذه المعطيات تظهر عنصرية خطيرة تجاه فلسطينيي 48، فقد أكد أحد التقارير التي ظهرت في العام المنتهي، أنه في حين ان معدل الناتج للفرد في إسرائيل بشكل عام هو 20800 دولار، فإن معدل الناتج العام للفرد اليهود يفوق ضعفي ما هو عليه للمواطن من فلسطينيي 48، أي 22 ألف دولار لليهودي، مقابل 7 آلاف دولار للفلسطيني في إسرائيل.
وهذا عدا عن أن نسبة الفقر بين فلسطينيي 48 وصلت إلى ضعفي النسبة بين اليهود، إذ أن نسبة الفقر العامة بين فلسطينيي 48 بلغت 45% مقابل حوالي 15% بين اليهود، كما ان نسبة الفقر بين الأطفال اليهود في حدود 20%، بينما بين فلسطينيين 48 تصل إلى 64%، وكل هذا وفق المعطيات الرسمية، أما البطالة فإنها بين اليهود بنسبة 4,5% مقابل 14% بين العرب.

استفحال العنصرية

من أبرز معالم العمل السياسي في إسرائيل في العام 2007 أن الكنيست (البرلمان) ضرب رقما قياسيا في كمية القوانين العنصرية ضد العرب، التي أقرها الكنيست، أو تم إدراجها على جدول الأعمال بهدف إقرارها.
ففي العام المنتهي جرت معالجة 15 قانونا عنصريا ضد الفلسطينيين عامة، وفلسطيني 48 بشكل خاص، عدا عن عدد من القوانين التي تنتظر ادراجها على جدول اعمال الهيئة العامة، وهذا رغم ان كتاب القوانين الإسرائيلي يضم أكبر كم من القوانين العنصرية، التي لا تشهد لها مثيلا في أي مكان في العالم.
وقد جرى إقرار غالبية هذه القوانين إما بدعم مباشر من الحكومة، أو بدعم من الائتلاف الحكومي، وهي في مراحل مختلفة من مراحل التشريع، ولكن لم يصل أي منها للمرحلة النهائية.
ومن بين هذه القوانين، سلسلة قوانين تجعل الخدمة العسكرية غير المفروضة على العرب، أو ما يسمى بالخدمة المدنية التطوعية، شرطا للحصول على الجنسية الإسرائيلية، أو للحصول على مخصصات الضمان الاجتماعي، أو القبول للجامعات والمعاهد الاكاديمية الإسرائيلية.
وقانون آخر يحظى بتأييد جارف، يسمح بسحب المواطنة من كل مواطن يزور دولة تعتبرها إسرائيل معادية، وقانون يمنع الترشح للكنيست لأي شخص زار "دولة معادية"، وقانون يمنع أي حزب أو شخص من الترشح للكنيست في حال أبدى "تعاطفا" مع تنظيمات تعتبرها إسرائيل "معادية"، وقانون ينهي عضوية الكنيست لأي نائب لنفس السبب.
ويضاف إلى هذا سلسلة من القوانين التي تستهدف أعضاء الكنيست العرب على وجه الخصوص، مثل، أن يضمن قسم اليمين مع بدء الولاية البرلمانية، عبارة "إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية".
ومن أخطر هذه القوانين، القانون الذي يلغي صبغة العنصرية عن قرار المؤسسة الصهيونية "كيرن كييمت"، التي تسيطر على 13% من أراضي البلاد، وهو القاضي بمنع بيع أراضي للعرب، وهذا على الرغم من أن الغالبية الساحقة جدا من هذه الأراضي جرت مصادرتها من العرب على مر عشرات السنين.
وفي الأيام الأخيرة للعام المنتهي ظهرت نتائج استطلاع لجمعية حقوق المواطن في إسرائيل يؤكد استفحال عنصرية المجتمع في إسرائيل ضد فلسطينيي 48، ومن أخطر معطيات هذا الاستطلاع أن 51% من اليهود يؤيدون "تحفيز" العرب على الهجرة من وطنهم.

العام الجديد

إن معالم العام الجديد بالنسبة للتطورات على الساحة الداخلية الإسرائيلية ستظهر في الشهر الأول منه، في حال أصدرت اللجنة الرسمية المكلفة بفحص مجريات الحرب على لبنان، تقريرها النهائي، كما وعدت، وحيثيات هذا التقرير ستحسم مصير أولمرت السياسي.
وهناك اتجاهان، الأول إمكانية ان يحمل التقرير انتقادات حادة تحمله على الاستقالة، واستبداله بشخصية أخرى من الحزب الحاكم "كديما"، أو التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وهذا خيار مستبعد وفق الظروف الراهنة.
أو أن الإمكانية الثانية، وهو الذي بدا الحديث عنه في الأيام الأخيرة، هو أن التقرير بعد أن يستعرض الانتقادات الحادة، سيؤكد ان أولمرت والحكومة "استخلصا العبر، وأصلحا الأخطاء"، وهذا يعني بقاء أولمرت في منصبه، ولربما حتى نهاية ولايته في العام 2010.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر