إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



بحث يحمل هجرة التسعينيات مسؤولية استفحال ظاهرة التجارة بالنساء في إسرائيل

الثلاثاء 8/1/2008
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*البحث يصدر في كتاب حول "مواصفات تاجر النساء في إسرائيل *إسرائيل في مرتبة متقدمة على اللائحة السوداء للاتجار بالنساء منذ سنوات طوال *تقديرات لجمعيات تدافع عن حقوق النساء والعمل الأجانب: الدورة المالية لسوق الدعارة في إسرائيل أكثر من مليار دولار سنويا*

تنتشر في إسرائيل في العقد الأخير من القرن الماضي وحتى اليوم ظاهرة التجارة بالنساء، اللواتي يتم اختطافهن من عدة دول في العالم، وخاصة من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وأوروبا الشرقية، ويتم تشغيلهن في سوق الدعارة بالقوة، دون أن يعلمن مسبقا عن مصيرهن، لدى مغادرتهن أوطانهن.
وقد أشغلت هذه القضية الجهات الحقوقية والأطر المدافعة عن حقوق النساء، خاصة على ضوء محاولات المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، وأجهزة تطبيق القانون غض الطرف عن هذه الظاهرة، التي ضربت أرقاما قياسية، وفق المقاييس الإسرائيلية، فمثلا يجري الحديث عن أن حوالي 3 آلاف إمرأة مختطفة يعملن بشكل دائم في سوق الدعارة الإسرائيلي، وحتى أن الدورة المالية لهذا القطاع وفق تقديرات عدة جهات، يفوق المليار دولار سنويا.
وتدعي إسرائيل أن قناة التهريب الأبرز هي صحراء سيناء، إذ يجري استدراج الشابات إلى الشرق الأوسط، من خلال عصابات شرسة، ومنها عصابات المافيا، بزعم العمل في قطاع المطاعم والفندقة، وغيرها، ولكن دون أي توضيح لطبيعة عملهن، ثم يتم نقلهن إلى صحراء سيناء المصرية، ومن هناك تبدأ مسيرة المعاناة الجدية، إذ وفق شهادات تصدر تباعا، فإنهن يواجهن معاملة قاسية جدا، من ضرب واغتصاب وحتى القتل، ثم يتم نقلهن عبر الحدود المفتوحة وسط الصحراء وتسليمهن إلى عصابات إسرائيلية، لتبدأ جولة جديدة من المعاناة، وبيعهن كما يجري في سوق النخاسة.
وتقول عدة تقارير مدافعة عن حقوق المرأة، إن الشابة تجد نفسها في أماكن تجهلها ومن دون جواز سفر، لتعمل في الدعارة رغما عنها، وبظروف وحشية، كأن يتم اجبارها على أن تستقبل ما بين 15 إلى 30 شخصا في اليوم الواحد، وعادة ما يذهب 85% من مدخولها إلى العصابات التي تحتكرهن.
وبعد سنوات من الضجة والتقارير الدولية، بدأت إسرائيل تسن قوانين تحظر التجارة ببني البشر وهي قوانين موجهة لمحاربة هذه الظاهرة، إلا أن تطبيق هذه القوانين لم يكن بالشكل الذي كانت تتواخاه المنظمات المدافعة عن حقوق النساء، ولهذا فإن الظاهرة لا تزال منتشرة.
وفي الآونة الأخيرة، صدر بحث في كتاب، حول "مواصفات تاجر النساء في إسرائيل"، إلا أن هذا الكتاب رسالته واضحة على الرغم مما يحمله من تفاصيل حول طبيعة الأشخاص الذين يتاجرون بالنساء، وهو الادعاء بأن هذه الظاهرة حملتها الهجرة اليهودية من دول الاتحاد السوفييتي السابق، ومن الدول الأوروبية، دون أن يبحث في مسببات هذه الظاهرة، وانتشار هذا النوع من الإجرام.

البحث عن مسببات خارجية

يفرد البحث حيزا صغيرا لعرض "الحال" الذي كان سائدا في إسرائيل في قطاع الدعارة، ليقول إنه لم يكن حتى العام 1992 في إسرائيل هذا الشكل من تجار النساء، وإنما ما كان هو قوادون، بالمفهوم التقليدي لهم، بمعنى أشخاص إما إنهم يسيطرون أو يتعاونون مع نساء تعملن في قطاع الدعارة، ويحصلون على حصة من المداخيل، ثم ينتقل البحث للحديث عما جرى بعد العام 1992، وأن هذه الظاهرة ظهرت مع اشتداد الهجرة اليهودية، لا بل، وكنوع من الإثبات، فقد جاء تحت بند "تاجر النساء اليهودي"، أن تجار نساء يهود نشطوا في فلسطين في نهايات القرن 19 ومطلع القرن 20، وأنهم كانوا يحضرون النساء من روسيا وبولندا، كما أنه جرى بيع نساء من دول شرق أوروبا في تلك الفترة إلى الولايات المتحدة والأرجنتين، وهذا في محاولة للقول وكأن تلك الدول تاريخيا كانت منبع لهذه الظاهرة.
أما عن الهجرة اليهودية في سنوات التسعين فقد جاء في البحث: "في سنوات التسعين وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأ مئات آلاف اليهود يتدفقون على دولة إسرائيل، ومع موجة الهجرة إلى إسرائيل وصل أيضا جنائيون أعضاء في عصابات الإجرام، وقسم منهم واصل نشاطه الإجرامي في إسرائيل أيضا".
وتابع البحث، "وفي المقابل فقد بدأت تنشأ موجة إجرام هي انعكاس للظروف الاقتصادية الصعبة التي رافقت الهجرة، كذلك فإنه في إسرائيل هناك ظروف ذات خصوصية فعالة ومريحة لنشاط الإجرام الدولي، مثل قانون العودة الذي يسمح لكل يهودي بأن يهاجر، كذلك ينجح في الهجرة من ينجح بالادعاء بأنه يهودي".
ويقول البحث، إن موجة الهجرة الكبيرة حولت المهاجرين بسرعة إلى من يلقي المجتمع الإسرائيلي عليهم كل التهم، وخاصة الإجرام المنظم، "فالإجرام المنظم في إسرائيل ارتفع بوتائر عالية جدا في سنوات التسعين"، والى جانب هذا فقد تواصل الإجرام المنظم الذي كان قائما أصلا في إسرائيل، "بما في ذلك الفلسطينيين والعرب"، كما يدعي التقرير.
يذكر في هذا المجال أن زعماء كبرى العصابات في إسرائيل ليسوا من المهاجرين وإنما من مواليد إسرائيل.
ثم يحاول معدو البحث التنصل من توجيه التهمة فقط للمهاجرين الجدد، بقولهم، "على الرغم من أنه يخيل وكأنه من السهل إلقاء التهمة على المهاجرين الجدد، يجب الإشارة إلى أن هذه التهمة ليست صحيحة، حتى في ما يتعلق بالتجارة بالنساء".
ولكن هذه عبارة استثنائية، ثم يعود البحث للتركيز على المهاجرين الجدد، إذ جاء، "صحيح أن القسم الأكبر من تجار النساء في إسرائيل هم من المهاجرين الجدد، إلا أنه سبقهم في هذا القطاع في إسرائيل قوادون".

مواصفات تجار النساء

وتحت بند مواصفات تجار النساء، نقرأ أن معدل أعمارهم في حدود 40 عاما، وأن 70% منهم من مواليد دول الاتحاد السوفييتي المنحل، كذلك فإن الغالبية الساحقة جدا من النساء اللواتي يتم إحضارهن إلى إسرائيل هن من تلك الدول، ولكن ليس بالضرورة من نفس دول تجارهن.
ويقول البحث إن حقيقة أن النساء يأتين من نفس الدول التي جاء منها التجار، تساعد على تجنيد الضحايا، وما يساعد أيضا أن التجار أصبحوا مواطنين إسرائيليين ويعرفون القوانين وطبيعة الملاحقات.
ويظهر من البحث، إنه وفق تقديرات الشرطة وأجهزة تطبيق القانون، فإنه ليس الرجال وحدهم يعملون في التجارة بالنساء، إذ بلغت نسبة النساء من تجار النساء، حوالي 10,5%، و41% من النساء اللواتي يعملن في تجارة النساء هن زوجات لتجار نساء، وتركز عملهن بالأساس في وراء الكواليس، وإدارة بيوت الدعارة والمراقبة، وليس النقل.
ويتضح أيضا ان حوالي 42% من تجار النساء هم أرباب عائلات لديها أولاد، وحتى منهم من هم أهالي لعائلات كثيرة الأولاد، بمعنى أن الأوضاع العائلية لم تمنع هؤلاء من ممارسة التجارة بالنساء بكل وحشيتها.

"تراجع الظاهرة"

وخلافا لكثير من التقارير الإسرائيلية المحلية، وأيضا الدولية، فإن البحث يدعي ان ظاهرة التجارة بالنساء قد تراجعت منذ العام 2006، ولكن التقرير لا يستند على أي معلومات أو معطيات ملموسة، وإنما، كما يظهر بناء على مقابلات في سلك الشرطة، وأجهزة تطبيق القانون.
وجاء في البحث، "بين الأوساط المكلفة بمكافحة ظاهرة الاتجار بالنساء هناك إجماع على أن الحجم المعروف لظاهرة الاتجار بالنساء قد تراجع في السنوات الأخيرة، وأن عدد النساء اللواتي يعملن في هذه المرحلة هو الأقل من أي وقت مضى".
ويتابع البحث، "لقد وصف أحد أفراد الشرطة الوضع بما يلي: في السنة الأخيرة لم نعد نر هذا، لا يوجد نشاط حول بيوت الدعارة، الظاهرة تراجعت بشكل كبير جدا، كنا في إيلات قبل فترة وكنا في الشمال، ونحن وحدة قطرية، ونعمل بشكل ثابت في منطقة تل أبيب، وأنا لا أقول إن الظاهرة انتهت كليا، وإلا لكنت أكذب، ولكن ما بقي منها بضع نسب مئوية، وإلا كنا شعرنا بها".
وفي نفس الوقت يحذر التقرير من التسليم بأن هذه الظاهرة تلاشت، كذلك فإن أجهزة تطبيق القانون لا تقوم بدورها كما هو مطلوب منها، ولا يوجد رد مناسب على هذه الظاهرة، ويرى التقرير إنه بدا في العامين الأخيرين التجارة بالنساء المحليات، بعد ان تراجع عدد الأجنبيات، وبالأساس فإن الحديث عن إسرائيليات من اللواتي يتعاطين المخدرات وقاصرات.
ويوصي التقرير بأن يتم تشديد العقوبة على الذين يتم ضبطهم في قضايا الاتجار بالنساء، كذلك فإنه على أجهزة تطبيق القانون أن تكثف ملاحقاتها لعصابات الاتجار بالنساء، ويوصي البحث أيضا بأن تجري مكافحة الظاهرة من خلال ملاحقة "الزبائن" كما يجري في كثير من دول العالم، وليس فقط بالتجار، وهذا ما سيقلص إمكانيات السوق، وإمكانيات الربح لتجار النساء، ليضطروا التراجع عما يقومون به.
يذكر في هذا المجال أن عدة محاولات جرت في البرلمان الإسرائيلي لسن قوانين لمأسسة سوق الدعارة، كما هو الحال في عدد من دول العالم، وكان هذا بداية من أجل السيطرة على انتشار الأمراض الجنسية وخاصة الإيدز، ثم من أجل مكافحة ظاهرة الاتجار بالنساء، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل على ضوء معارضة المتدينين الذين عادة ما يسيطرون على حكومات إسرائيل المتعاقبة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر