إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



عبور رفح الى الخارج الاقليمية

السبت 2/2/2008
محمد ابو رمان

في الوقت الذي تتبارى فيه الأطراف العربية والفلسطينية بتبادل الاتهامات وعبارات اللوم على خلفية أحداث غزة وتدهور المشهد الفلسطيني بصورة عامة، فإنّ من الواضح أنّ رهانات الطرفين (الاعتدال والممانعة) تبدو بصورة جلية وواضحة أمام آفاق مغلقة ومسدودة وقراءات بُنِيت على فرضيات خاطئة.

ربما تكمن الدلالة الرئيسة في اقتحام آلاف الفلسطينيين معبر رفح بحالة الغضب والإحباط التي وصلت إليها الشعوب العربية مما يحدث، وإذا كان من المستبعد أن عبور رفح تمّ (بلا قرار مصري على أعلى مستوى) فإنّ هذا القرار- من زاوية أخرى- يقدّم مؤشرًا مهمًا وحيويًا على عدم قدرة الحكومات العربية تحمل الضغوط الشعبية والسياسية بعد اليوم، ويتيح مؤشراً، أيضاً، على حالة الحرج الشديد الذي تقع تحت طائلته الحكومات التي راهنت على أنابوليس وسياقه ومخرجاته.

لكن من زاوية أخرى؛ فإنّ ثمة مؤشراً آخر يحمل دلالات استراتيجية مقلقة، في مسألة "عبور رفح"، ظهر مباشرة بعد الأحداث في التعليقات والتصريحات الإسرائيلية، ما يُظهر نيّة وإرادة مبيّتة دفعت الفلسطينيين والمصريين بالوصول إلى لحظة "العبور"! فقد بدأ المسؤولون الإسرائيليون بإلقاء اللوم على الجانب المصري والتلميح بقطع كل الارتباطات بغزة، تمهيدًا إلى صفقة أو عملية (ما) تدفع بالقطاع وعبء التعامل السياسي والأمني والاقتصادي معه إلى الجانب المصري، وهو الهاجس الذي عبّر عنه بوضوح نقيب الصحافيين المصريين، مكرم محمد أحمد في مقالة له بالأهرام، بعنوان "تصدير غزة لمصر"!

تحميل غزة لمصر بمثابة حلم إسرائيلي يحقق أهدافًا استراتيجية رئيسة؛ أولاً يضع عِبْء الأمن على المسؤولية المصرية، ما يريح إسرائيل من "مشكلة الصواريخ" ويحقق الأمن لمستوطنة سيديروت. ثانيًا يدفع بمفهوم الدولة الفلسطينية (على حدود عام 67) بعيدًا، ويخلق حقائق جديدة على أرض الواقع. ثالثًا ينقل الأزمة الأمنية والسياسية إلى الجانب العربي فلسطينية- مصرية، بدلاً من كونها فلسطينية- إسرائيلية، وقد ظهرت ملامح هذه الأزمة بإعلان السلطات المصرية عن القاء القبض على خلية تابعة لكتائب عز الدين القسّام، الجناح المسلّح لحركة حماس، بدعوى أنّ هذه الخلية كانت تخطط لعمليات داخل سيناء.

لا تقف دلالات العبور على الجانب المصري؛ فهنالك مخاوف حقيقية لدى الأردن من إعادة فتح الملفات الإقليمية وتحميلها القضية الفلسطينية، بخاصة أنّ التلويح بـ"الحلّ الأردني" مطروح على الدوام في دوائر إسرائيلية وأميركية، من خلال صيغ متعددة: فدرالية، كونفدرالية، الدور الأمني في الضفة..الخ. وليست الندوات والنقاشات التي عقدت واشنطن مؤخراً حول العلاقة الأردنية- الفلسطينية بنشاطات جانبية علمية، إذ لا يمكن فصل هذه الندوات عن تفكير تيار عريض في مؤسسات صنع القرار الأميركي من جهة ولا عن مرحلة دراسات أبعاد ذلك الخيار وتداعيات قبل الوصول إلى مرحلة طرحه عمليًا أو التحضير له، واعتباره أحد الخيارات الاستراتيجية المقترحة مستقبلاً.

الموقف الرسمي الأردني حسم بصورة قاطعة، من خلال تصريحات لا تقبل التأويل، عدم موافقته على أية صيغة لدور معين في الضفة الغربية قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة. ولا يخفى أن أيّ سيناريو– بهذا الصدد- يهدد الأمن الوطني داخليًا بصورة حساسة، على صعيد المعادلة الديمغرافية وحساسياتها السياسية، وما قد تؤدي إليه من صعود ونمو أفكار "يمينية" متبادلة.

هذا الموقف لا يمنع من استشعار الخطر، بخاصة مع تراجع أفق "العملية السلمية"، وما ينتج عن ذلك من تداعيات اقتصادية وسياسية وإنسانية تدفع إلى تحفيز "المخارج الاستراتيجية الإقليمية"، بذرائع إنسانية، كما حصل لحظة "عبور رفح"، وهو ما يمكن استنساخه في الضفة الغربية، التي يشكّل الأردن لها المنفذ أو الشريان الوحيد مع العالم الخارجي، في حال "أغلقت إسرائيل".

ثمة سيناريوهات عديدة يجري الحديث أو التفكير بها حول مستقبل الضفة الغربية، سواء تعلّقت هذه السيناريوهات بـ"تسوية مزيّفة" تجعل من "الدولة الفلسطينية المنقوصة" عالة على العلاقة مع "الأردن"، أو كانت هذه السيناريوهات مبنية على فرضية الصراع بين فتح وحماس وولادة حالة من الفوضى الأمنية والسياسية تؤدي إلى تدخل الأردن، أو كانت هذه السيناريوهات بمثابة صفقة إقليمية ترتبط بملفات داخلية عربية تؤدي إلى إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية.

المعضلة الأساسية الحقيقية التي تقف وراء حالة التدهور الكبير في المسار الفلسطيني ترتبط بالأزمة بين حماس وفتح التي تحوّلت من الجانب السياسي إلى الجغرافي ونقلت معها القضية الفلسطينية إلى مأزق غير مسبوق، فأضعفت مواقف الطرفين الفلسطيني والعربي على السواء!

ما هو أخطر من الأزمة السياسية، وما ينتج عنها من أوضاع إنسانية واقتصادية مترهلة، أنّ حالة الإحباط بدأت تنعكس- من خلال استطلاعات الرأي العام- على اتجاهات ومواقف الجيل الصاعد من الشباب الفلسطيني ومواقفه الوطنية؛ إذ باتت نسبة كبيرة منه تُفضِّل الهجرة إلى الخارج تحت وطأة خيبة الأمل من حالة الإغلاق في الآفاق السياسية للمشروع الوطني الفلسطيني وأداء النخب السياسية الفلسطينية المهيمنة التي نقلت القضية من حالة أخلاقية ومشروع نضال وطني على مستوى عالمي إلى قصة صراع وتناحر سياسي داخلي مبني على أسس أيديولوجية ومصلحية.

عبور "رفح"، وما نتج عنه من تحفيز لمشروع المخارج الإقليمية (على حساب الدولة الفلسطينية)، مؤذن بانهيار جديد في روافع الحالة الفلسطينية وتعزز من رصيد إسرائيل الاستراتيجي ضد حقوق الشعب الفلسطيني، في المقابل يبدو السياق العربي والفلسطيني بمختلف ألوانه وتجلياته خالي الوفاض من أية بدائل استراتيجية، على الأقل في مواجهة "الحلول الإقليمية"، التي ربما يبدأ تسويقها قريباً بذرائع إنسانية وأمنية أو من طرقات جانبية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر