إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ائتلاف حكومة أولمرت أكثر ثباتا مستقبلا

الإنثين 4/8/2008
برهوم جرايسي- "الغذ" الأردنية

مرّة أخرى وفي غضون أسابيع قليلة، ُيطرح احتمال إجراء انتخابات برلمانية المبكرة في إسرائيل، وذلك على ضوء إعلان رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، استقالته المستقبلية من رئاسة الحكومة، في غضون أشهر قليلة، على خلفية التحقيقات المكثفة معه حول شبهات الفساد التي يواجهها.
والتزم أولمرت بالاستقالة من منصبه بعد انتخاب رئيس جديد للحزب الحاكم "كديما" في منتصف الشهر القادم، وبعد أن يبدأ فحص إمكانية تشكيل حكومة بديلة، لئلا يقع المرشح تحت ضغط المدة الزمنية المحددة بعد استقالة رئيس حكومة، ولهذا فإن أولمرت سيستقيل عندما تكون الأمور واضحة أكثر بالنسبة لحزبه، وهذا إلا إذا اضطر للاستقالة بأسرع من ذلك، في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده.
ولكن السؤال المركزي المطروح اليوم هو: ما هو احتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة؟، وإذا اعتمدنا على عناوين الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية فإن انتخابات كهذه قد تجري حتى الربيع القادم، بدعوى أن المرشح الجديد من حزب "كديما" لن ينجح في تشكيل حكومة جديدة، وهو احتمال قائم لا يمكن تجاهله، ولكن يبقى ضعيفا وفق الظروف الراهنة في الحلبة السياسية.
إلا أن الجواب الأقوى لهذا السؤال يكمن في مكان بعيد عن الصحافة، من خلال إجراء حسابات الربح والخسارة لكل واحد من أحزاب الائتلاف الحاكم، وحتى لأحزاب في المعارضة، وأيضا حسابات هذا القائد وذاك في داخل كل حزب، وهذا المُتغيّر الأكبر في شكل اتخاذ القرار الحزبي في إسرائيل، بالذات منذ سنوات التسعين، وبشكل متصاعد حتى هذه المرحلة.
بمعنى أنه حتى مطلع سنوات التسعين فإن الأحزاب كانت تعتمد أكثر على مؤسساتها وقواعدها العريضة، وعلى أيديولوجيات وبرامج سياسية متباينة على المستوى الداخلي بشكل واضح، وبشكل طفيف على المستوى الخارجي، إلا أن هذه الفروقات راحت تتلاشى بعض الشيء في مجالات معينة، لتختفي كليا في مجالات أخرى.
والعنوان الأبرز للجواب على سؤال احتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وفق الظروف الراهنة، هو أنه لا يوجد أي عضو في الائتلاف الحاكم الذي يشكل أغلبية برلمانية ولو طفيفة، معني بانتخابات مبكرة، ويعلنون صراحة استعدادهم للمشاركة في تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية أخرى من حزب "كديما".
وهذا ممكن على مستوى الرأي العام الإسرائيلي، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أغلبية تدعو إلى انتخابات مبكرة، فاستقالة أولمرت تعني زوال ثلاثي الحرب على لبنان، رئيس الأركان السابق دان حلوتس، ووزير الحرب السابق عمير بيرتس، والآن أولمرت، كما أن استقالة أولمرت تتجاوب مع مطلب إقالته على خلفية شبهات الفساد، بمعنى أن الحكومة الجديدة لن تحمل وزر الحرب على لبنان وشبهات الفساد.
أما على مستوى الأحزاب، فإن الحزب الحاكم الأكبر "كديما" ليس معنيا بتقديم السلطة على طبق من ذهب لحزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، ولكن أحد شروط صموده في الحكم هو استمرار وحدته، ومعرفة المرشح الفائز برئاسة الحزب كيفية توزيع حصة الحزب من "كعكة السلطة"، بمعنى المناصب الوزارية على الشخصيات الأبرز لديه، وخاصة بين أبرز المتنافسين على رئاسة الحزب، وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وهي الأقوى، ووزير المواصلات شاؤول موفاز، منافسها القوي، الذي قد يُحدث مفاجأة رغم أن احتمالها ضعيف.
ويبدو خيار الانتخابات المبكرة شبه معدوم أمام حزب "العمل"، برئاسة وزير الحرب إيهود باراك، على ضوء وضعيته في استطلاعات الرأي، التي تضعه في حضيض جديد، إذ أن زعيمه بالكاد يحصل على شعبية بنسبة 15%، في حين أنه سيخسر من مقاعده الحالية (19 من أصل 120) ما بين مقعد في أحسن الأحوال إلى خمسة، ولهذا، فإن كل الشروط التي يطلبها في حكومة جديدة متوفرة وتخلق له مناخا مريحا، فقد تم إقصاء ثلاثي الحرب والمشبوه بالفساد، وهناك شبه عملية سياسية، تبث أوهاما بأنها تتحرك.
ويبقى السؤال الأصعب في هذه المعادلة لدى الشريك الثالث في الائتلاف، حزب "شاس" الديني الأصولي، فهو تعايش مع حكومة أولمرت في جميع مآزقها، ولم يهاجم رئيسها في مسألة الحرب على لبنان، كما أنه لم يهاجم أولمرت في شبهات الفساد، لأن هذا الحزب سجل رقما قياسيا في عدد منتخبيه وقادته الذين فرضت عليهم أحكاما بالسجن أو عقوبات مختلفة بسبب الفساد.
كذلك فإن "شاس" يخدم قطاعا معينا، وهو جمهور الأصوليين من اليهود الشرقيين، ويسعى لتأمين ميزانيات لمؤسساته التعليمية والدينية، ورفع المخصصات الاجتماعية للعائلات الفقيرة وكثيرة الأولاد، لأنها تشكل الشريحة الأكبر من جمهور مصوتيه، وكل تهديداته تنصب بالأساس حول مطالبه بالحصول على ميزانيات، إلى جانب تحذيره من التفاوض حول القدس المحتلة.
وعلى الصعيد السياسي فإن مطلبه مضمونا، إذ لا تجري مفاوضات حول القدس المحتلة، أما من حيث الميزانيات، فعلى الأغلب سيحصل على بعض مطالبه بما يُسكته، لأن تشكيل حكومة جديدة سيتزامن مع إعداد الموازنة العامة للعام القادم 2009، وهناك بالإمكان البحث عن صياغات وسيناريوهات ترضي الجميع.
ومن الجدير ذكره أن حزب "شاس" يرى نفسه قويا في حكومة ضعيفة تتجاوب مع طلباته، بدلا من المشاركة بنفس قوته البرلمانية، في حكومة قوية برئاسة زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، الذي قاد في الولاية السابقة، كوزير للمالية، "سياسة اقتصادية خنازيرية" كما اصطلح على وصفها في إسرائيل، وجهت ضربات قاصمة للشرائح الفقيرة والضعيفة وضاعفت أعداد الفقراء في إسرائيل.
أما بالنسبة لحزب المتقاعدين المنشق، وعلى ضوء تنبؤ استطلاعات باختفائه عن الساحة البرلمانية، بعد أن تمثل فيها لأول مرّة فيها الانتخابات السابقة، فإنه سيشارك في الحكومة القادمة بشقيه دون أدنى شك.
إن الدخول في تفاصيل داخلية كهذه، تعكس الخطوط الأكبر لتوجهات الأحزاب في إسرائيل في هذه المرحلة، وبالتالي تعكس الدوافع الأبرز للأحزاب المشاركة في الحكم، في ردها على سؤال الانتخابات البرلمانية المبكرة.
ويستفيد الائتلاف من عدم وحدة المعارضة المنقسمة إلى قسمين، ولكن بالإمكان القول أنها ثلاثة أقسام، فهناك القسم الأكبر لثلاثة أحزاب يمين متطرف، "الليكود" و"يسرائيل بيتينو" و"هئيحود هليئومي"، ويشكلون حوالي ربع مقاعد البرلمان (32 من 120 مقعدا)، علما ان "يسرائيل بيتينو"، بزعامة العنصري أفيغدور ليبرمان، شاركت في حكومة أولمرت لمدة عام، وتنضم لهذا التكتل بين الحين والآخر كتلة المتدينين الأصوليين لليهود الغربيين "يهدوت هتوراة"، التي لها ستة نواب، ومشكلة من ثلاثة أحزاب صغيرة، ولكن هذه الكتلة تبقى مرشحة دائما للانضمام إلى الائتلاف.
أما القسم الآخر، فهو يضم 15 نائبا من حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني، والكتل الثلاث الناشطة بين فلسطينيي 48، وهذا لا يعني وحدة بين الكتل الأربعة، ولكن هناك وعي لحقيقة أن انتخابات مبكرة ستسرّع عودة اليمين المتطرف جدا إلى الحكومة، وهذا لا يعني ان هذه الكتل ستدعم الحكومة "كديما" القادمة، ولكنها ستتعامل بحذر مع قضية حل الكنيست والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
وعلى ضوء المشهد القائم، فإن الانتخابات البرلمانية المبكرة قد تكون ابعد بكثير مما هو متوقع لها اليوم، ومن غير المستبعد أن لا تجري، لتكون الانتخابات في موعدها القانوني في النصف الثاني من العام 2010، وهذا مرهون بعدم وقوع مفاجآت، سياسية وحزبية، لا نرى لها مؤشرات حتى الآن.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر