إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



احتمالات الانتخابات الإسرائيلية المبكرة

السبت 30/8/2008
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

تقترب الحلبة السياسية الإسرائيلية من موعد هام سيقرر مصير ولاية البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، واحتمال التوجه إلى انتخابات برلمانية قبل عامين على موعدها القانوني، رغم أنه يبقى بعيدا عن الواقع نوعا ما، وفق الظروف العينية القائمة في هذه المرحلة.
ففي منتصف الشهر المقبل، أيلول/ سبتمبر، سيتوجه 72 ألف عضو في حزب "كديما" الحاكم، الذي يتزعمه رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، لانتخاب رئيس جديد للحزب، في أعقاب إعلان أولمرت عن استقالة مستقبلية له من رئاسة الحكومة، بعد انتخاب رئيس جديد للحزب.
وبعد تنحي أولمرت عن المنافسة، في أعقاب شبهات الفساد التي تلاحقه، فإن المنافسة الشديد تدور بالأساس بين وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وبين وزير المواصلات، شاؤول موفاز، وهو من كان وزيرا للحرب لسنوات، وقبل ذلك رئيسا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى منافسة وزيرين آخرين، هما وزير الأمن الداخلي، الذي كان رئيسا لجهاز الاستخبارات العامة، آفي ديختر، ووزير الداخلية مئير شطريت.
وتتنبأ استطلاعات الرأي تباعا بفوز ليفني برئاسة الحزب، مما يعني أنها ستتولى مهمة تشكيل حكومة جديدة، وهنا تتعدد التقديرات حول قدرة ليفني أو حتى منافسها الأساسي على تشكيل حكومة بديلة ثابتة، قادرة على الاستمرار في الحكم إلى حين الموعد القانوني للانتخابات.
ويميل عدد كبير من المحللين الاسرائيليين إلى احتمال عدم قدرة أي من المرشحين تشكيل حكومة ثابتة، وفي خلفية تقديراتهم تهديدات أحزاب الائتلاف بعدم الانضمام إلى الحكومة المقبلة، وكثرة الحديث عن خيار الانتخابات البرلمانية المبكرة، الذي ما يحسمه بالأساس حسابات الربح والخسارة للأحزاب المختلفة في داخل الائتلاف الحاكم، وفي البرلمان ككل.
ورغم كل التقديرات المتعددة، فإن العامل الأكبر الذي سيحسم مسألة التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، هو وحدة حزب "كديما" ما بعد الانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب، فهو يشكل الكتلة البرلمانية الأكبر، التي لها 29 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست، ولكنه ما يزال حزب "نجوم" سياسيين، تشكل قبيل الانتخابات البرلمانية الماضية، التي جرت في ربيع العام 2006، ولكنه ما يزال غير ملموس ميدانيا وتنظيميا، كالحزبين التاريخيين اللذين يتناوبان على الحكم في إسرائيل "العمل" و"الليكود".
ويسود حزب "كديما" حالة ترقب وقلق، لليوم التالي الذي سيعلن فيه عن رئيس جديد للحزب، فهل سيقبل الوزير شاؤول موفاز ومؤيدوه بالبقاء في الحزب بعد فوز محتمل لليفني، أو هل ستقبل ليفني بالبقاء في الحزب في حال وقعت مفاجأة بفوز موفاز؟، لأن أي انشقاق في الحزب سيكون ضربة قاصمة للائتلاف الحاكم ذو الغالبية البرلمانية الضئيلة، مما يعني قطعا أن أي فائز لن يكون بمقدوره تشكيل حكومة بديلة، وعندها لن يكون مفر من التوجه لانتخابات.
واعتمادا على المنطق المستند للظروف والأجواء الحزبية داخل "كديما"، وفي مجمل الحلبة الحزبية الإسرائيلية، فإن احتمال وقوع انشقاق في الحزب يبقى ضعيفا، من منطلق أن جميع قادة الحزب يعرفون أنهم يقفون على سجادة واحدة، وأي اهتزاز فيها سيقعون جميعا، ولا يمكن لأي مجموعة منهم أن تلجأ إلى أي حزب آخر يبقيها على الساحة السياسية، ولهذا فهم يشعرون وحدة المصير السياسي، على الرغم من التباينات المحدودة التي يحاول كل طرف عرضها، بهدف اظهار تميزه عن الآخر.
وبعد استنتاج كهذا، ملخصه أن "كديما" سيبقى على الأرجح موحدا، تنتقل الكرة إلى ملعب باقي أحزاب الائتلاف الحاكم، التي هي على الأغلب لا تفضل التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، خاصة حزب "العمل"، بزعامة وزير الحرب إيهود باراك، الذي تتنبأ له استطلاعات الرأي بضربة قاصمة جديدة، قد تضعه في مرتبة حزبية متدنية، تفقده من قوته البرلمانية الحالية، الهشة أصلا، ونحن نتحدث عن الحزب المؤسس لإسرائيل.
ولهذا فإن حزب "العمل" لن يكون معنيا بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، وسيبحث عن الخطوط المشتركة مع أي رئيس جديد للحكومة، من أجل الحفاظ على الائتلاف القائم، على أمل أن تتغير الظروف مستقبلا ليستعيد بعضا من قوته السياسية في الشارع الإسرائيلي.
كذلك هناك حزب ""شاس" الديني الأصولي لليهود الشرقيين، وهو حزب متماسك تقوده قيادة روحية، همّه الأساسي تأمين الميزانيات لمؤسساته الدينية والتعليمية والأوساط التي يمثلها، ولهذا تراه يتكيف مع أي حكومة تؤمن له احتياجاته المالية، على الرغم من التوجهات اليمينية المتشددة التي يبديها.
ومن ميزات هذا الحزب أنه يرى نفسه قويا في حكومة ضعيفة، ويتخوف من المشاركة في حكومة قوية تحد من قوة تأثيره، وهو يرى في الحكومة الحالية أنها ضعيفة مضطرة لتأمين طلباته المالية.
أما الكتلة الرابعة، كتلة المتقاعدين، وهي كتلة صغيرة تظهر لأول مرّة في البرلمان، فإن جميع استطلاعات الرأي تتنبأ باختفائها في أي انتخابات برلمانية قادمة، ولهذا فإنها ستتمسك بخيار بقاء الحكومة الحالية، بعد استبدال رئيسها.
بالمجمل، فإن الاستنتاج الناشئ من صورة الوضع هو أن خيار الانتخابات المبكرة يبقى ضعيفا، نظرا لعدم وجود أغلبية برلمانية تؤيد التوجه إلى انتخابات مبكرة، وهناك ايضا في الكتل البرلمانية المعارضة من لا ترى ضرورة في التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، مثل الكتل البرلمانية الثلاث الناشطة بين فلسطينيي 48، التي تقرأ من خلال استطلاعات الرأي أن الانتخابات القادمة ستؤدي إلى تعزيز أكبر لليمين المتشدد، وهي أصلا تعارض الحكومة الحالية، ولكن في نفس الوقت لن تساهم في عملية تعزيز قوة اليمين المتشدد.
والسؤال الأهم من وجهة نظر عربية وإقليمية، هو كيف ستنعكس حالة التخبط السياسي الإسرائيلية الداخلية على مستوى العملية السياسية إن كان على المسار الفلسطيني أو السوري، وهنا بالإمكان القول إن هذا الوضع سيؤدي إلى حالة شلل سياسي، إذ أن الحكومة الحالية أصلا لا تتقدم بالعملية السياسية من منطلق انشغالها بأزمتها السياسية، وكل ما ينشر عن تقدم هنا أو هناك في هذا المسار أو ذاك، ما هو إلا للاستهلاك الإعلامي ومحاولة كسب أوراق على الساحتين الداخلية والخارجية، فعلى أرض الواقع لا يوجد أي تقدم، سوى استفحال الاستيطان، وتضخيم آلة الحرب الإسرائيلية.
لقد اعتادت إسرائيل ومنذ انطلاق مؤتمر مدريد قبل 17 عاما، ومن ثم مسار أوسلو قبل 15 عاما، على إشغال العالم بأزماتها الداخلية، بهدف التهرب من استحقاقات العملية السياسية، وهي تستفيد اليوم من أزمتها الداخلية الحالية من أجل عدم مطالبتها بدفع العملية السياسية والتعامل معها بجدية أكبر.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر