إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



تقلبات القيادة الإسرائيلية ومستقبل العملية السياسية

الجمعة 5/9/2008
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

تتساءل بعض الجهات والأوساط عن مصير العملية التفاوضية الجارية بمستويات مختلفة بين إسرائيل والجانبين الفلسطيني والسوري، في ظل توقع استبدال رئيس الحكومة الإسرائيلية، والحكومة برمتها في غضون أسابيع قليلة قادمة، أو حتى التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
إلا أن السؤال الجوهري الذي يجب طرحه: هل مصير العملية التفاوضية التي انطلقت في مؤتمر مدريد قبل 17 عاما، وتلك التي بدأت في مسار أوسلو قبل 15 عاما، مرتبط حقا بتقلبات القيادة السياسية الإسرائيلية؟.
والإجابة على السؤال الثاني، ستكون عمليا ردا على السؤال الأول، وما يدعم الجواب هو ما يجري على أرض الواقع، والخط السياسي الذي يحكم تحركات حكومات إسرائيل المتقبلة طيلة الفترة الماضية، بأغلفة وتشكيلات مختلفة.
فالمفاوضات، خاصة على المسار الفلسطيني، وهي الأنشط، تراوح مكانها منذ أن تم استئنافها قبل عام ونصف العام، مرورا بمؤتمر أنابوليس، رغم كل البيانات التي يطلقها مسؤولون إسرائيليون على أعلى المستويات، فمن يتابع البيانات الإسرائيلية حول سير المفاوضات ومزاعم تقدمها، يعتقد أن الحل النهائي بات يطرق الأبواب، وهو الأمر الذي تنفيه القيادة الفلسطينية بشدة.
وفي المقابل ميدانيا، فإن إسرائيل تسرّع تحركاتها من أجل فرض حقائق على الأرض من شأنها أن تنسف لاحقا كافة مقومات الدولة الفلسطينية القادرة على الحياة، إن كان من أرض وحدود وموارد، إضافة إلى قضية اللاجئين والقدس.
وأكبر مثال على هذا هو تسارع مشاريع الاستيطان، فحسب احصائيات إسرائيلية، فإنه منذ مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر، من العام الماضي، أي بعد أيام على مؤتمر أنابوليس، وحتى اليوم، أعلن الاحتلال عن مشاريع استيطانية مكثفة، وباشر العمل لبناء أكثر من 4500 بيت استيطاني معظمها في مدينة القدس المحتلة ومحيطها، لتخدم مشروع بتر الضفة الغربية إلى قسمين شمال وجنوبي، كما أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة يزداد سنويا بأكثر من 5,5% أي أكثر من ثلاثة أضعاف الزيادة الطبيعية لعدد السكان في إسرائيل، وبات عددهم الإجمالي في الضفة والقدس يفوق نصف مليون مستوطن.
والقيادة الإسرائيلية الحالية كسابقاتها تتحرك وفق أسس الإجماع الصهيوني، الذي بالإمكان تلخيصه بخطوط أساسية وهي: السيطرة على أكثر ما يمكن من أراضي في الضفة الغربية المحتلة، وتقطيع المساحة المتبقية إلى مناطق معزولة عن بعضها، واستمرار احتلال مدينة القدس، بعد تغيير حدودها الطبيعية، وفصل أحيائها الفلسطينية الكبرى عن مركز المدينة والبلدة القديمة والأماكن المقدسة، إلى جانب أوسع إجماع صهيوني رافض لحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وباتت هذه الملفات تعرف بأنها ملفات جوهرية وأنها الأصعب في المفاوضات، ولكن هذا لا يعني أن باقي الملفات "سهلة" من حيث الموقف الإسرائيلي المتعنت، الذي يتشدد أيضا في قضية الموارد الطبيعية والمياه، والعلاقة المباشرة للدولة الفلسطينية مع العالم الخارجي، إن كان في حدودها البرية أو البحرية وحتى الجوية، وغيرها من الملفات.
وإذا ما تابعنا تحركات كل حكومات إسرائيل، كتلك المحسوبة على اليسار الصهيوني، أو في اليمين نجدها أنها لم تشذ عن خطوط الإجماع الصهيوني، وكل المفاوضات التي جرت طوال الفترة الماضية كانت تتحرك في مجال المناورة الذي أبقته خطوط هذا الإجماع، مثل السيطرة المدنية على البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتسيير الأمور الحياتية واليومية.
فحتى عندما بدت السلطة الفلسطينية كإطار يبني مؤسسات الدولة سارعت إسرائيل إلى نسف هذه المؤسسات، ونذكر هنا ما هي أهداف الضربات الإسرائيلية في العدوان واسع النطاق الذي بدأ قبل ثماني سنوات على الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد نسف ودمّر جيش الاحتلال كافة المؤسسات المدنية والأمنية، وكل مقومات السلطة الفلسطينية، وجعلها عاجزة عن تسيير الأمور لسنوات.
ومثال آخر على النهج الإسرائيلي، هو التعامل مع قطاع غزة، فحصار قطاع غزة بدأ حتى قبل أن يخلي الاحتلال مستوطناته من قطاع غزة في العام 2005، وكان الهدف منع هذه البقعة الجغرافية من تحقيق أي نجاح في إدارة الأمور، لئلا يكون هذا نموذجا لدولة فلسطينية عتيدة، ثم تطور وتصاعد الحصار حتى وصل إلى الحال الذي نشهده اليوم بذرائع مختلفة، ومن بينها وصول حماس إلى السلطة، وغيرها.
والحال ليس مختلفا عن المسار السوري، فإسرائيل التي تعلن صباح مساء استعدادها للمفاوضات المباشرة مع سورية، لم تجب حتى الآن على السؤال الجوهري: "تفاوض على ماذا؟ وما الذي ستعرضه في هذه المفاوضات؟".
ويكرر رئيس الحكومة الحالي إيهود أولمرت عبارة: "نحن نعرف ما هو ثمن السلام مع سورية، وسورية تعرف ثمن السلام مع إسرائيل؟"، وبما أن الثمن الذي على إسرائيل أن تدفعه واضح، وهو الانسحاب الكامل من هضبة الجولان السورية المحتلة، فإن ما نلمسه على الأرض يؤكد عدم وجود نيّة إسرائيلية كهذه، لأن هضبة الجولان، ومنذ سنوات وحتى اليوم، تشهد مشاريع استيطانية ضخمة جدا، إن كان على مستوى البنى التحتية أو على صعيد توسيع المستوطنات وتقديم محفزات مالية ضخمة لكل من يقبل بالاستيطان في الجولان.
وأكثر من هذا، فإن أعضاء في الائتلاف الحكومي، الذي يرأسه إيهود أولمرت، بادروا إلى مشروع قانون يعرقل أية إمكانية للانسحاب الإسرائيلي من الهضبة، إذ يقضي القانون، الذي بات في مرحلة تشريع متقدمة، بفرض استفتاء شعبي بأغلبية فوق العادة لإقرار اتفاق يقضي بالانسحاب من الجولان، في حال ان الاتفاق لم يحظ بتأييد ثلثي أعضاء البرلمان الإسرائيلي، ومن يعرف تفاصيل الخارطة السياسية الإسرائيلية التي تتجه أكثر فأكثر نحو اليمين المتطرف، يعرف أنه لا يمكن إقرار اتفاق مع سورية بهذه الشروط، لا داخل البرلمان ولا على مستوى الاستفتاء.
وكل هذه المشاريع الإحتلالية تسير وفق مخططات استراتيجية، ليست وليدة المرحلة، بل تم وضعها منذ سنوات، وحاليا يتم وضع مخططات لا أقل خطورة للمرحلة القادمة، بمعنى آخر، يمكن القول ان القيادة الإسرائيلية المقبلة لن تكون مختلفة عن القيادة الحالية والقيادات السابقة، وستبقى تتحرك وفق خطوط الإجماع الصهيوني التي تحرسها المؤسسة العسكرية الأمنية، التي توجه سياسة حكومات إسرائيل، وإن اختلفت هذه الحكومات المتعاقبة في خطاباتها وشخصياتها.
إن ما يمكنه تغيير الموقف الإسرائيلي ليس تقلبات القيادة، وإنما ضرورة وجود قرار إسرائيلي مؤسساتي استراتيجي مختلف يحظى بدعم المؤسسة العسكرية الأمنية، وطالما ان إسرائيل تستفيد من اختلال التوازن العالمي لصالحها، وعدم وجود ضغوط دولية عليها، كتلك التي كانت في سنوات الثمانين وحتى منتصف سنوات التسعين، فلن يكون ما يمنع استمرار المشروع الصهيوني بمنع إقامة دولة فلسطينية والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر