إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



حقيقة الموقف الإسرائيلي من المستوطنات

الجمعة 12/9/2008
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

أشغلت الحكومة الإسرائيلية وسائل الإعلام المحلية والعالمية، هذا الاسبوع، بمزاعم أنها تنوي البحث في قانون يمنح تعويضات لكل عائلة مستوطنين على استعداد لإخلاء بيتها طواعية من مستوطنات الضفة الغربية، وأن مجرد الاقتراح أثار ضجة كبيرة داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية، ووجهت الاتهامات لرئيس الحكومة إيهود أولمرت بأنه يسعى إلى انتهاز الأيام الأخيرة لولايته لتمرير إجراءات تحدد طبيعة الحل الدائم مع الفلسطينيين.
ولكن في هوامش هذه الضجة ظهرت معطيات رقمية، تكشف حقيقة موقف الحكومة الإسرائيلية من مجمل الاستيطان في الضفة والقدس، وهو لا يشذ إطلاقا عن الإجماع الصهيوني بشأن الحدود المستقبلية مع الضفة الغربية.
فالمبادر لهذا القانون رسميا، هو نائب رئيس الحكومة، حاييم رامون، وهو اقتراح ظهر قبل سنوات، ولكن الحكومة سحبت في مطلع الاسبوع القانون من جدول أعمالها، بحجة أنه "لا يوجد وقت كاف لبحثه في الجلسة"، علما انه تقرر مسبقا ان لا يجري التصويت عليه، خاصة وأن غالبية الوزراء يعارضونه.
وتبين من خلال تلك المعطيات، أن هذا القانون مخصص لحوالي 62 ألف مستوطن فقط، يستوطنون في 72 مستوطنة صغيرة ونائية في أنحاء مختلفة في الضفة الغربية، وهي باتت أصلا خلف جدار الفصل العنصري، بمعنى ليس ضمن الكتل الاستيطانية التي يعتزم الاحتلال إبقائها تحت سلطته في إطار الحل الدائم.
بداية فإن 62 ألف مستوطن هم من أصل قرابة نصف مليون مستوطن، يستوطنون الضفة الغربية، من بينهم 195 ألف مستوطن في ألأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة، وكل هؤلاء يستوطنون في قرابة 125 مستوطنة وأكثر من 110 بؤرة استيطانية منتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية، أي أننا نتحدث عن 12% من مجمل المستوطنين في الضفة والقدس.
أضف إلى هذا أن مسار جدار الفصل العنصري، الذي يبنيه الاحتلال على أراضي الضفة الغربية المحتلة وفي قلب مدينة القدس المحتلة، وأبقى مستوطنات صغيرة ونائية خلف الجدار، تم وضعه أساسا في المؤسسة العسكرية الأمنية، ولم تعترض على مسار الجدار أي من القوى السياسية الكبرى في الحلبة السياسية الإسرائيلية، التي تتناوب على السلطة، مهما اختلفت تسمياتها، مما يعني ان هناك شبه إجماع صهيوني على مصير تلك المستوطنات الصغيرة، باستثناء عصابات المستوطنين التي ترفض أصلا الجدار من منطلق الاستمرار في احتلال الضفة.
وأكثر من هذا، فإن المبادر لفكرة هذا القانون، حاييم رامون، عمل في العامين الأخيرين على تثبيت عشرات البؤر الاستيطانية التي بناها المستوطنون بأنفسهم، وهذا على الرغم من تعهد إسرائيل أمام الأسرة الدولية والإدارة الأميركية منذ خمس سنوات بإزالتها، ولكن هذه البؤر ما تزال قائمة، لا بل أن الاحتلال يدعمها ماديا، وفي قسم كبير يجري حاليا بناء بيوت ومرافق إسمنتية ثابتة، لتتحول عمليا إلى مستوطنات كاملة، رغم مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بأنه توقف عن بناء مستوطنات جديدة.
وفي هذا السياق نشير إلى أنه تنتشر في وسائل الإعلام العربية في العالم العربي مصطلح "مستوطنات عشوائية" في إشارة إلى تلك البؤر، وهو مصطلح مضلل ويُضلل، دون قصد مستخدميه، لأن المستوطنين حين بادروا لهذه البؤر، فإنهم عملوا وفق مخطط جغرافي واضح، يهدف إلى السيطرة الكلية على الضفة الغربية ومنع إقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة، لأن هذه البؤر تتركز في اتجاهين أساسيين، الأول على قمم الجبال والهضاب، وهي فكرة رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، طرحها قبل سنوات طويلة، والاتجاه الثاني أن تحد هذه البؤر مدنا وقرى فلسطينيا في الضفة الغربية لمنع توسعها لاحقا، وهذا ما يؤكد عدم "عشوائية" هذه البؤر.
أما المصطلح الإسرائيلي: "مستوطنات غير قانونية"، فهو أيضا مصطلح مضلل عن قصد، لأن إسرائيل تهدف من خلاله إضفاء شرعية وقانونية ما على المستوطنات الكبيرة، وهو ما يخالف كل القوانين والمواثيق الدولية، كذلك فإن ادعاء إسرائيل بأنها "غير قانونية" بمفاهيم القانون الإحتلالي الإسرائيلي، يتناقض مع ما كشفه تقرير إسرائيلي رسمي صدر قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، ويؤكد دعم جميع حكومات إسرائيل لهذا النوع من الاستيطان، ماديا وأمنيا.
وكما هو الحال في الضفة الغربية فإن الوضع ليس مختلفا في هضبة الجولان السورية المحتلة، وهو ما طرحناه في المعالجة السابقة هنا، ولكن جديد هذا الأسبوع، هو ما كشفت عنه صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية في سياق تقرير لها، وهو أن سلطات الاحتلال في هضبة الجولان السورية المحتلة، صادقت هذا الاسبوع على "تأجير" أراض في الهضبة للمستوطنين هناك، لمدة 49 سنة وبأجور زهيدة، أقرب للمجان.
إن الاستيطان في الضفة والجولان، هو أكثر من مجرد مشروع احتلال، بل هو مشروع استراتيجي تحاول إسرائيل من خلاله حل أزمات جغرافية وديمغرافية ستشتد أمامها في السنوات القادمة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر