إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



نار الصراع الطائفي اليهودي لا تنطفئ

الأحد 28/9/2008
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

كثرت في الآونة الأخيرة مظاهر الصراع الطائفي داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل، وهو الصراع الدائم منذ ظهور إسرائيل على الخارطة، ولم يهدأ يوما، وإنما وتيرته تعلو وتهدأ حسب الأجواء، ويدور بالأساس بين اليهود الشرقيين (سفراديم) والغربيين (أشكناز).
وقد رأينا مظاهر هذا الصراع، في الأيام الأخيرة، في حلبتين منفصلتين، الأولى في الانتخابات الداخلية لحزب "كديما" الحاكم، والثانية، ومن دون أي علاقة بالأولى، في المدارس الدينية التابعة للطوائف الأصولية المتشددة، مع بدء العام الدراسي الجديد.
وللتوضيح فإن مصطلح "سفراديم" يطلق على جميع اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين من دول عربية وإسلامية، على الرغم من أن هذا المصطلح أطلق بداية على اليهود الذين هاجروا من إسبانيا قبل مئات السنين إلى دول مختلفة، أما اليهود الاشكناز، فإنه يطلق على جميع اليهود من الدول الغربية، الأوروبية والأمريكية، على الرغم من أن الطائفة الأشكنازية تعود بالأساس إلى طوائف يهودية كانت في غرب روسيا القيصرية، ودول في شرق أوروبا.
وقد تكون حاجة لتوضيح أن وجود طوائف لا يعني اختلافا جوهريا في المفاهيم والتعاليم الدينية، بل إن الأمر يعود بالأساس إلى صراع الشرق والغرب في داخل مجتمع تم تجميعه على أساس ديني من دول وقارات مختلفة، والعنوان الأبرز لهذا الصراع هو استعلاء الغربيين ذوي القدرات الاقتصادية والعلمية على الشرقيين الذين قدموا من دول فقيرة.
ففي الانتخابات لرئاسة حزب "كديما" الحاكم، التي جرت في الأسبوع الماضي، حاول وزير المواصلات شاؤول موفاز، وهو من مواليد إيران، استغلال العامل الطائفي لمحاربة منافسته الأساسية والأقوى (الفائزة) وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، (أشكنازية)، وأعلن موفاز بوضوح أن طاقم العمل مع ليفني يحاربه على أساس طائفي ولكونه شرقيا، وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل وجدلا حادا في الصحافة الإسرائيلية، بشكل يؤكد أن ما يسمونه في إسرائيل، "شبح الطائفية" لم يختف من الأجواء الإسرائيلية.
وفي المقابل، فإننا شهدنا في الأسابيع الأخيرة سلسلة من الأخبار التي تتحدث عن رفض مدارس دينية متشددة لليهود الاشكناز استيعاب طلاب أو طالبات سفراديم، وهذه ظاهرة تتكرر في كل عام، ومنذ سنوات طويلة، وحاول عضو كنيست من اليهود الاشكناز، رجل الدين أبراهام رابيتس، تبرير هذا الرفض بالقول، إن هذا "اختلاطا" يؤدي إلى صدام مع أساليب التربية، مما ساهم أكثر في تأجيج الجدل الصاخب.
لربما هناك من يرى في إسرائيل أن الصراع الطائفي بحلته التي كانت قائمة حتى قبل 30 عاما قد تلاشت كليا، ونحن نتكلم هنا عن صراع حاد، كان يتغلغل في الحياة اليومية في الشارع الإسرائيلي، ويصل إلى حد ظاهرة رفض "الزواج المختلط"، وحتى محاولات الفصل في جهاز التعليم في فترات سابقة، وغيرها.
وتمت ترجمة هذا الصراع إلى سياسة تمييز رسمية واضحة، إذ عانى اليهود الشرقيون من هذه السياسة التي انعكست على مستوى معيشتهم وتطورهم، وهم يشكلون الغالبية الساحقة جدا من سكان البلدات والأحياء الفقيرة، وهذه ظاهرة مستمرة حتى يومنا، وإن طرأ عليها بعض التحسن.
ورغم الشعور العام بأن هذا الصراع يتراجع وحتى أنه تلاشى، إلا أنه لم يختف، بل يغير حلته حسب الظروف، كذلك فإنه لا يقتصر على الحياة اليومية، بل له مكانة خاصة في الصراعات السياسية الداخلية، فمثلا من أصل 12 رئيس حكومة منذ قيام إسرائيل، تضاف إليهم المرشحة لرئاسة الحكومة تسيبي ليفني لم يكن أيا منهم من اليهود الشرقيين، رغم أنهم يشكلون أغلبية من بين اليهود منذ نهاية سنوات الخمسين وحتى سنوات التسعين من القرن الماضي.
ولكن في السنوات الثماني عشر الأخيرة، دخلت عناصر جديدة على مظاهر العنصرية في داخل المجتمع اليهودي، مع بدء تدفق موجات الهجرة الضخمة التي شهدتها سنوات التسعين من القرن الماضي، ووصول حوالي 1,3 من أبناء الديانة اليهودية إلى إسرائيل خلال تلك السنوات.
وقد لوحظت فورا مظاهر نفور اليهود الإسرائيليين من اليهود المهاجرين الجدد، وخاصة من دول الاتحاد السوفييتي السابق، الذين حتى الآن يشكلون مجتمعات شبه منغلقة على نفسها، على المستوى الاجتماعي، يحافظون فيها على تقاليد أوطانهم الأصلية ولغاتهم، وحتى أن لهم أحزاب وكتل برلمانية، تمثل مصالحهم وقضايا اندماجهم في المجتمع اليهودي.
ولكن أكثر شريحة عانت وتعاني من التمييز من بين المهاجرين هي شريحة الأثيوبيين اليهود، الذي يجدون أنفسهم منبوذين في كافة المجالات، وهناك نسبة كبيرة جدا من اليهود يرفضون السكن بجوارهم أو أن يتعلم أبناؤهم في مدارس يتعلم فيها هؤلاء الإثيوبيون.
إن هذه المظاهر إن دلت على شيء، فإنها تدل على حقيقة واحدة، لا يمكن تجاهلها، وهو أن إسرائيل، وبعد ستين عاما على قيامها، ورغم كل المحاولات لصهر المجتمع الذي تم تجميعه من دول العالم، ما يزال مجتمعا متفككا، والصراعات الدائرة فيه، وإن خفت نارها قليلا، فهي تحافظ على حد أدنى من الاشتعال، ليتأجج مستقبلا، ومن الخطأ الاعتقاد أن هذا نوعا من الصراع بإمكانه أن يتلاشى.
ولكن في المقابل، ما تجدر الإشارة إليه، هو أن الضحية الأكبر للعنصرية والتمييز العنصري في إسرائيل يبقى فلسطينيو 48، الذين يواجهون على مدار أكثر من 60 عاما، سياسة عنصرية مبرمجة، تقودها الأيديولوجية الصهيونية بشراسة عنصريتها، وهي بتصاعد مستمر، وتشهد في السنوات الأخيرة ذروة غير مسبوقة ولكنها ليست القصوى، إذ هناك مؤشرات تدل على استمرار تصاعدها، وهذا ما ينعكس في سلسلة قوانين يقرها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) باستمرار، وبشكل خاص في هذه الدورة البرلمانية.
وهذا التمييز لا يقتصر على السياسة العامة، بل يتغلغل أيضا في الشارع الإسرائيلي، فيكفي أن نلتفت إلى سلسلة استطلاعات رأي، ومنها من كان على مستوى أكاديمي، دلّت على أن ما بين 51% إلى 55% من اليهود في إسرائيل يؤيدون "تحفيز" فلسطينيي 48 على الهجرة من وطنهم.
ولكلمة تحفيز مفاهيم مختلفة، ولكن في غالبيتهم يؤيدون حتى الطرد بالقوة من الوطن، وهذه نسب كانت حتى قبل 25 عاما لا تتعدى بضع نسب مئوية قليلة وهامشية في المجتمع اليهودي في إسرائيل، بينما اليوم هناك أحزاب رسمية تشارك في الحكم تدعو جهارة إلى طرد العرب من وطنهم.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر