إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ما لم يقله أولمرت

الجمعة 3/10/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

من قرأ المقابلة المطولة جدا مع رئيس الحكومة الإسرائيلية المستقيل، إيهود أولمرت، في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، هذا الأسبوع، دون أن يتأمل ما بين سطورها وأحرف الجر والربط بين كلماتها وجملها الكثيرة، لوقع في وهم أن أولمرت، وفي أيامه الأخيرة في منصبه، قد غيّر جلده، حتى أصبح أكثر بياضا من "حمامة السلام".
سلام ما بعده سلام خرج من فم أولمرت، ولكن كل عباراته ما كان في جوهرها إلا محاولة لتغليف مواقف الإجماع الصهيوني بعبارات جميلة، ولربما في أحسن الأحوال قد شذ عنه "ببضع مئات من الأمتار" على الأرض، وإلا كيف من الممكن أن تكون هذه المواقف لدى أولمرت، ويرفضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادة من حوله.
فأولمرت تحدث كثيرا عن ضرورة أن تقف إسرائيل أمام الحقيقة وتعترف بأنه لا يمكنها التوصل إلى سلام من دون انسحاب كامل من الأراضي الفلسطينية والسورية، ويعترف أولمرت أنه تهرب من هذه الحقيقة طوال حياته السياسية، إلا أن أولمرت نفسه، وبكلامه المعسول، وإن اعترف بالحقيقة، إلا أنه لم يفها حقها، وهذا ما ظهر من كلامه هو، وفي نفس المقابلة.
ولنبدأ بملف الحدود الذي تصدر حديث أولمرت، ففي جملة عابرة وبكلمات قليلة، قال إنه يجب الانسحاب من كل الضفة الغربية "تقريبا، باستثناء بعض النسب المئوية، على أن يتم تعويض الفلسطينيين عليها"، وحينما يتحدث أولمرت عن الضفة الغربية فإن القدس المحتلة خارج حساباته، ثم إن حكاية "بعض النسب المئوية" التي يتحدث عنها هي الأراضي التي تقوم عليها الكتل الاستيطانية الضخمة، التي وجودها يبتر الضفة الغربية إلى عدة مناطق.
كذلك فإن هذه الكتل تأوي 82% من أصل نصف مليون مستوطن، بمن فيهم مستوطني القدس المحتلة، ونوايا أولمرت الحقيقية نقرأها من خلال مسار جدار الفصل العنصري، الذي لم يتحدث عنه أولمرت إطلاقا في تلك "المقابلة الوداعية"، ولم يقل أنه سيزيل ولو قطعة صغيرة واحدة منه.
ومن هنا ننتقل إلى القدس، فالسؤال الذي طرح على أولمرت كان: "وهل مبدأ الانسحاب ساري أيضا في القدس"، وبين "في" و"من" فارق جوهري، فإسرائيل تتحدث طوال الوقت عن انسحاب "في القدس"، بمعنى من بعض أحياء أطرافها وضواحيها، وليس "من"، أي ليس من كل القدس.
وليس صدفة أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين غاب كليا عن المقابلة، لأن الحديث عنه كان سيشوش "البياض السلامي" الذي تقنع به أولمرت في ذلك اليوم، وهذا إلى جانب كثير من الملفات الأخرى التي لم يطرحها أولمرت، وهي مصيرية جدا لدولة فلسطينية قادرة على الحياة، مثل مصادر المياه والموارد الطبيعية والاتصال المباشر لتلك الدولة مع العالم الخارجي، برا وبحرا وجوا.
ولربما هناك ضرورة لعدم تجاهل حقيقة أن أولمرت بالفعل شهد تحولا كبيرا في حياته السياسية، فهو اليميني المتشدد، يسير على درب والده من قبله، بات يحمل أفكارا، وعلى الرغم من محدوديتها من وجهة نظرنا، إلا أنها بالنسبة له كانت هدامة للمشروع الصهيوني الكبير، وهو إن ابتعد عن طريق والده، فإنه في نهاية المطاف لجأ للتوجه السياسي الذي تتبناه زوجته وأولاده، وهذه مناسبة للقول إن أولمرت كان وحيدا في عائلته بمواقفه السياسية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تصريحات أولمرت بالإمكان اعتبارها انقلابا في توجهات القيادة الإسرائيلية، وفي هذا قدر كبير من الشك، إلى درجة النفي، لأن أولمرت يستدرك في المقابلة ذاتها، ما الذي سيقولونه عنه وهو يطلق هذه المواقف، إذ يقول: "هناك من يقول إن "أصحاب القرار في إسرائيل يتوصلون إلى استنتاجات فقط حين لا يكون بقدرتهم أن يحسموا أمورا كهذه بأنفسهم"، بمعنى مع نهاية ولايتهم.
ثم يحاول أولمرت إبعاد التهمة عن نفسه مدعيا أن هذا لا يسري عليه، وأنه ما يزال بإمكانه أن يحسم في أمور مصيرية، لأنه بدأ في هذا المسار قبل عام ونصف العام.
ولكن أولمرت في الحقيقة يُمثل الآن ظاهرة مألوفة في سدة الحكم في إسرائيل، أسميتها بسخرية في معالجة سابقة، "الضمير التقاعدي الإسرائيلي"، وهذا يعني ان الكثير جدا من قادة إسرائيل على المستويين السياسي وخاصة الأمني العسكري يجاهرون شعبهم بحقيقة ما يجب ان يكون بعد أن يخلعوا بزاتهم على أشكالها وألوانها، وأولمرت في هذه المقابلة يجسّد هذه الظاهرة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر