إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



عكا لا تخاف

السبت 11/10/2008
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

كانت مدينة عكا يوم الخميس الأخير مسرحا نموذجيا لاعتداءات جماعية نفذتها عصابات إرهابية على المواطنين العرب الأصليين في هذه المدينة الفلسطينية العريقة، التي تحول أصحابها إلى أقلية فقيرة ضعيفة مهمشة.
ففي ذلك اليوم أحيا اليهود "يوم الغفران" وهو يوم الصيام الأساسي في الديانة اليهودية، تمنع فيه حركة المواصلات إطلاقا، وتتوقف كافة الأعمال، وفيه التقييدات أشد بأضعاف من التقييدات المفروضة على يوم السبت أسبوعيا، وهذا ما يُشكل صعوبة على حركة العرب بشكل عام، ولكن بشكل خاص في المدن الفلسطينية العريقة، التي باتت ذات أغلبية يهودية، وهي عكا وحيفا ويافا واللد والرملة.
وكانت تنقل شاب فلسطيني بسيارة ليلة الخميس الفائت لزيارة أقرباء له على مقربة من حي يهودي سببا كافيا لشن عدوان وحشي عليه كان سيودي بحياته، لتندلع بعدها اعتداءات وحشية على العرب طالت الأفراد والبيوت والممتلكات، ولم يكن أمام الأهالي العرب الأصليين في مدينتهم إلا الدفاع عن أنفسهم.
ولكن ما جرى في عكا لم يكن حدثا عابرا، بل كان متوقعا منذ فترة طويلة، فهذا أولا انعكاس عنيف لأجواء العنصرية المتنامية بشدة في الشارع الإسرائيلي ضد العرب، وما هذا ما تؤكده سلسلة من استطلاعات الرأي، التي قسم جدي منها يجري على أساس علمي، وثانيا لأن في عكا أقيم في السنوات الأخيرة معهد ديني يضم عددا كبيرا من مستوطني الضفة الغربية، من بينهم من ينتمي أو لديه توجهات قريبة من عصابات إرهابية، منبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية.
وإقامة هذا المعهد في مدينة عكا بالذات لم يكن هو أيضا محض صدفة، بل عن سابق تخطيط، بهدف أن يكون بؤرة تأوي المتطرفين، التي لا تتوقف اعتداءاتها على العرب، بهدف اقتلاع العرب من مدينتهم، وهو الهدف الجوهري من سياسة تضييق الخناق الرسمية المنتهجة ضد العرب بشكل عام، ولكن بشكل خاص في المدن الفلسطينية الساحلية التاريخية، السابق ذكرها، وإن كان الأمر في مدينة حيفا أخف وطأة.
وعكا لا تواجه الاعتداءات فحسب، بل هناك سياسة اقتلاع رسمية، وفي هذه الفترة تجري مؤامرة لاقتلاع ما تبقى من أحياء قديمة وبيوت تاريخية، إما هدمها بحجة أنها تشكل خطرا على الساكنين العرب فيها، أو إخلائها وبيعها لأثرياء يهود لترميمها، ففي عكا القديمة وحدها هناك 500 بيت على الأقل يواجه هذه المؤامرة، وهو عدد نسبيا كبيرا جدا، والمؤامرة ذاتها نجدها في مدينة يافا عروس فلسطين، ناهيك عن تدمير أحياء بأكملها في مدينتي اللد والرملة.
والى جانب هذه المؤامرة، هناك سياسة التمييز العنصري التي تطال كافة جوانب الحياة، وليس صدفة أن الفلسطينيين في هذه المدن هو الأكثر فقرا، والفجوة بين مستوى معيشتهم ومستوى معيشة اليهود في نفس المدن كبيرة جدا.
إن الاستنتاج الماثل أمامنا من سلسلة أحداث، وما جرى في عكا، هو أن ما بدأ في الضفة الغربية وبشكل خاص في مدينة الخليل، على أيدي عصابات المستوطنين الإرهابية بدأ ينتقل إلى داخل مناطق 1948، والى المدن الفلسطينية السابق ذكرها، وهذا مؤشر خطير للمشهد المستقبلي لما سيواجهه فلسطينيو 48 من سياسة اقتلاع، يدعمها عنف العصابات الإرهابية.
إن عكا لم تخف يوما، "يا خوف عكا من هدير البحر"، هي مقولة تاريخية، تعني أن عكا لا ترضخ، ووقفة الأهالي كافة كانت وحدوية بطولية، أمام العصابات الإرهابية المدعومة بتواطوء الشرطة الإسرائيلية.
ولكن لا يمكن التعامل مع ما جرى في مدينة عكا كحدث عابر، بل يجب ان يضيء ضوءا أحمر، أولا أمام قيادة جماهير فلسطينيي 48، لتنظيم الصفوف لمواجهة ما سيأتي، ومن ثم أن تطرح القضية على مستوى الهيئات الدولية، ومحاسبة إسرائيل الرسمية على ما تمارسه ضد فلسطينيي 48 من سياسة عنصرية رسمية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر