إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إسرائيل والفاتيكان والمحرقة واستراتيجيات الحركة الصهيونية

السبت/ 25/10/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

لا يمكن المرور مر الكرام على "الأزمة" المتجددة التي تفتعلها إسرائيل ضد دولة الفاتيكان، حول نية الكرسي البابوي رسم البابا بيوس الثاني عشر قديسا، وهو من تزامن جلوسه على الكرسي البابوي مع مرحلة جرائم النازية والحرب العالمية الثانية، إذ تدعي إسرائيل أن ذلك البابا لم يقل كلمته ولم يعترض على جرائم النازية.
وكان من المفروض أن يكون هذا حدثا دينيا يقتصر على الكنيسة الكاثوليكية وأتباعها، ولكن إسرائيل حولته إلى حدث سياسي، رغم ابتعاد ومعاداة عقيدة قادتها الدينية للديانة المسيحية، وفي خطابهم الديني والرسمي يلفظون اسم السيد المسيح بمختصر كلمات للعنة يهودية معروفة "ييشو"، وهي اختصار لعبارة باللغة العبرية ترجمتها: "ليمحى اسمه وذكره".
ولكن إسرائيل وبناء على نهجها الدائم، الذي توجهه الحركة الصهيونية، تسعى دائما للتدخل في القضايا الداخلية للدول المؤسسات العالمية، بزعم ان الوكالة اليهودية، وهي أعلى مؤسسة للحركة الصهيونية في العالم، تعتبر نفسها ممثلا لأبناء الديانة اليهودية في العالم، الذين تعتبرهم "شعب"، وتتدخل تحت غطاء الحفاظ على مصالحهم، وأحد مداخل هذا التدخل هو المحرقة اليهودية، وهي جرائم النازية في عهد هتلر في المانيا.
فقبل عامين صدر في هذا الخصوص تقرير دوري لمعهد صهيوني في الولايات المتحدة تابع مباشرة للوكالة اليهودية (الصهيونية)، يطلق على نفسه اسم "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي" في العالم، ويرأس هذا المعهد مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق دينيس روس، والمرشح، حسب تقارير صحفية، لتولي منصب وزير الخارجية في حال فاز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية.
وقد أفرز هذا التقرير، الذي يُعتبر موجها أساسيا للسياسة الإسرائيلية، فصلا موسعا لكيفية استغلال المحرقة اليهودية من أجل توسيع نفوذ إسرائيل لدى الدول المختلفة، وأيضا من أجل توثيق علاقتها بما يسمى بـ "يهود المهجر"، وزيادة علاقة وارتباط هؤلاء اليهود بإسرائيل، وجاء في التقرير: "إن الأمر يتطلب وسائل وأساليب جديدة من أجل رفع مستوى الاندماج والعلاقة بين إسرائيل واليهود في المهجر، من أجل ضمان وحدة يهود العالم على المدى البعيد".
ويتوقف هذا الفصل عند مسألة "الذاكرة"، ويدعو إسرائيل واليهود في العالم إلى عدم إسقاط مسألة "المحرقة" عن جدول أعمال جميع الدول والمجتمعات التي يعيشون فيها، ويطرح سلسلة من الأساليب التي تساعد على فرض هذه القضية على حكومات العالم، والهدف الأساسي من هذا أن تستثمر إسرائيل المحرقة من أجل حجب النظر وحتى تبرير سياستها الإجرامية التي تنتهجها ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة.
ويشيد التقرير بزيادة ظاهرة إقامة النصب التذكارية والتخليدية للمحرقة في العالم، ويقول: "لكن ممنوع أن يخفي هذا العدد الغزير من النصب التذكارية ذكر الكارثة بصفتها حدثا مركزيا في الذاكرة بعيدة للمدى لليهود ولغير اليهود معا، فمن أسباب تراجع ذكر الكارثة هو التعب من تذكر المآسي ومحفزات نفسية تميل إلى دفع الذاكرة الرهيبة جانبا".
ومن أهم الاستراتيجيات التي يراها التقرير هو جعل اليهود "لاعبا مركزيا" في الساحة الدولية، كما جاء في النص، فتحت بند "تطوير استراتيجيات العلاقات الخارجية" يقول التقرير: "إن الشعب اليهود يختلف عن دولة، وعلى الرغم من هذا فلديه بعض الملامح التي تجعله أشبه بكيان دولة، كحضارة وكشعب، وهو قطعا لاعب في الحلبة الدولية".
ويضيف التقرير: "إضافة إلى هذا فهناك فرصة ليتحول الشعب اليهودي إلى لاعب هام أكثر بالشكل الذي يلائم أجواء العولمة، هذا من جانب، ومن جانب آخر (استغلال) كِبَر حجم وظيفة الحضارات على الصعيدين العالمي، والدولة، ولهذا فهناك مبرر للتفكير في التخطيط والعمل ضمن "سياسة خارجية للشعب اليهودي"، بمعنى عدم الاكتفاء بسياسة إسرائيل الخارجية.
وطوال الوقت سعت إسرائيل إلى تجريم شعوب بأكملها بجريمة النازيين، رغم أنها لم تكن تجاه اليهود وحدهم، إذ حصدت هذه الجرائم أرواح عشرات الملايين في العالم من شعوب مختلفة، إبان الحرب العالمية الثانية.
ولكن الهدف من محاولة التجريم، هو بث أجواء في الرأي العالم العالمي، وخاصة الغربي، تطغى عليها "الشعور بالذنب"، وبالتالي لنعود إلى الهدف السابق ذكره، بحجب النظر عن جرائم إسرائيل، وضمان فوقية المصالح الصهيونية على مصالح وحقوق باقي شعوب المنطقة.
والهجوم على الفاتيكان وافتعال أزمة معه لقراره بتطويب البابا بيوس الثاني عشر يندرج في إطار الوقاحة الإسرائيلية الصهيونية، وفي إطار السياسة الإسرائيلية والحركة الصهيونية، لديمومة طرح قضية المحرقة بشكل انتهازي رخيص على الأجندة العالمية.
إن إسرائيل تستغل في مؤامرتها هذه اختلال موازين القوى العالمية لصالحها، إذ تلقى دعما مباشرة في هذه القضية بالذات، أيضا، من الإدارة الأميركية، ولكن هذا يجب ان لا يقف عائقا أمام حملة موازية لنقل الصورة الحقيقية للسياسة الإسرائيلية، وعقليتها الحربية الإجرامية، وطرحها على مستوى الرأي العام العالمي، ليكون ضاغطا على دول العالم لتحاصر بالتالي هذه السياسة الإسرائيلية.
وهنا من الضروري الإشارة إلى أن اللعب في ملعب نفي المحرقة أو التقليل من شأنها وحجمها، كما فعلت القيادة الإيرانية في السنوات الأخيرة، له مردود سلبي كما علّمت التجربة، وهو بحد ذاته دعاية مجانية غير مباشرة تخدم الدعاية الإسرائيلية، التي في صلبها أن إسرائيل "في خطر دائم"، وأنها "تدافع عن كيانها"، ومن ثم تواصل إسرائيل دعايتها لتحويل المجرم إلى ضحية، والضحية (مثل الشعب الفلسطيني) إلى مجرم، وأن كل معركة إسرائيل هي فقط "ضد الارهاب"، وليس أنها تمارس جريمة إبادة شعب بأكمله، بوسائل متعددة.
ولهذا يجب جر الأضواء العالمية اليومية إلى الجريمة المتواصلة يوميا ضد الشعب الفلسطيني، ولكن للأسف، حين تكون الحراب الفلسطينية موجهة داخليا، فلا عجب إطلاقا في أن تبعد هذه الأضواء عن القضية الأساس، لتستغلها إسرائيل لصالحها.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر