إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



"اعتراف" بيرس الوهمي بالمبادرة العربية

الأحد 26/10/2008
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

يطل الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، من جديد على الساحة الإعلامية بدهائه المعهود لجذب وسائل الإعلام إليه، مستغلا الهالة التي رُسمت من حوله على الساحة الدولية، وكأنه "رجل سلام"، ليدعي أنه "يُفضل" أن تتجه إسرائيل لمفاوضة الدول العربية على أساس المبادرة العربية للسلام.
وراحت عناوين وسائل الإعلام المختلفة في أرجاء المعمورة تزيّن نفسها بأنصاف عبارات، وكأن الفرج قد حلّ على المنطقة بهذا التصريح المجزوء، الذي أطلقه داهية السياسة الإسرائيلية، وشتان ما بين النص الحرفي للتصريح وبين المقصود.
بداية فإن بيرس لم يطلق هذا التصريح صدفة، بل اختاره بالتوقيت المريح له، قبل بضعة أيام من توجهه إلى شرم الشيخ في صحراء سيناء، للقاء الرئيس المصري حسني مبارك، من أجل العلاقات العامة، وليجعل من زيارته وزنا أكثر أمام عدسات ومايكروفونات وسائل الإعلام، وقد نجح في هذا عالميا، ولكن على مستوى الإعلام الإسرائيلي فبالكاد ذكروه بصورة صغيرة ومن تحتها بضعة أسطر، "وعلى الدنيا السلام".
في نفس المناسبة التي اقتبست إحدى الصحف عن بيرس ذلك التصريح "التاريخي"، نسي البعض أن يتعمق أكثر في نفس الخبر، ليقرأ أن بيرس في نفس اللحظة انتقد بشدة سير المفاوضات مع القيادة الفلسطينية، ومجرد فتح مفاوضات ثنائية مع سورية، "لأن إسرائيل دفعت ثمنا باهظا في هذه المفاوضات" على المسارين، كما جاء في النص الحرفي.
ويقصد بيرس بذلك، تصريحات مسؤولين إسرائيليين حول عمق الانسحاب الإسرائيلي المفترض من الضفة الغربية المحتلة وهضبة الجولان السورية المحتلة، وانفراج علاقات سورية مع دول أوروبا في أعقاب الإعلان عن المفاوضات مع إسرائيل، رغم أن إسرائيل لم تنسحب ولو من ملليمتر واحد من أي أرض عربية محتلة، إن كانت فلسطينية أو سورية أو لبنانية.
فإذا كان هذا بنظر بيرس "ثمنا باهظا تدفعه إسرائيل"، فإذا كيف سيكون رده على احتمال ان تنسحب إسرائيل فعلا، ولو من جزء من هذه الأراضي، في حين أن المبادرة العربية تتحدث بوضوح، ودون لبس، عن انسحاب كامل من الأراضي العربية المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين، إلى آخر تفاصيل المبادرة.
ولكن بيرس أوضح أكثر من مرّة، وجهة نظره من طبيعة الحل مع الفلسطينيين، ففي الماضي اعترض بشدة على انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية بأكثر من 90%، وقال جهارة إنه لا يجوز لإسرائيل الانسحاب من أكثر من 80% من الضفة، ويرفض أي ذكر للقدس المحتلة، وهذا الموقف برز في موقفه من مفاوضات كامب ديفيد في صيف العام 2000، التي كانت مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومنذ ذلك الحين كان بيرس يُفصح أكثر عن حقيقة موقفه من الحل.
كذلك فإن بيرس يتجنب الحديث عن هضبة الجولان السورية المحتلة، إذ لم يعلن جهارة اعتراضه على الانسحاب منه، واكتفى بمعارضته للمفاوضات "في هذه المرحلة" مع سورية، كنوع من المماطلة.
بمعنى أن بيرس سحب البساط من تحت "اعترافه" المزعوم بالمبادرة العربية، في نفس المناسبة التي أطلق فيها "تصريحه التاريخي".
إلى ذلك فإن لا توجد أية قيمة لتصريح بيرس على المستوى السياسي الداخلي في إسرائيل، وهذا ليس بجديد، فبيرس لم يكن قياديا لأي خط سياسي بعد العام 1993، حين أيد مسار أوسلو، وقد اعترض لاحقا على نهج رئيس الحكومة الراحل يتسحاق رابين في استمرارية هذا المسار، مما ساهم في سلسلة من التوقعات والتقديرات الشتى على الساحة الإسرائيلية، في ما يتعلق باغتيال رابين في خريف العام 1995.
ولا يختلف الوضع اليوم، فبيرس الآن هو رئيس دولة، ومنصبه فخريا وليس تنفيذيا على المستوى السياسي، ولا يستطيع أن يؤثر بموقفه على الحكومة الإسرائيلية، إن كانت الحالية، أو القادمة في حال تشكيلها برئاسة وزيرة الخارجية برئاسة تسيبي ليفني، أو أي حكومة ستنشأ بعد انتخابات برلمانية مبكرة محتملة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الوضعية، ما هو موقف المرشحة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، تسيبي ليفني، على الرغم من أن مساعيها لتشكيل حكومة باتت "على كف عفريت"، فليفني صرّحت منذ فترة طويلة بموقفها من المبادرة العربية، إذ كان ترحيبها بها "حارا جدا"، ولكن مع "تعديل بسيط جدا" تريده ليفني.
وهو قلب المبادرة العربية رأساً على عقب، والبدء بالبند الأخير للمبادرة، بمعنى إقامة علاقات دبلوماسية وتطبيع مع جميع الدول العربية، وفقط بعد اتمام هذه المهمة "الجوهرية"، من وجهة نظرها، قد تفكر إسرائيل بالانتقال إلى البنود الأخرى في هذه المبادرة، والتي تتحدث عن مفاوضات مع الدول العربية التي تقع أراضيها تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها الأراضي الفلسطينية.
بالقدر الذي نجد فيه سخافة في هذا الموقف، نجد، وحتى أكثر صلف إسرائيلي وقح، وتعنت استعلائي على شعوب المنطقة، فـ "الست" ليفني تريد ثمار المبادرة العربية دون أن تقدم شيئا لها، ولا حتى إعلان نوايا إسرائيلية بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
وفي هذا السياق من المفيد قراءة مواقف ليفني كمرشحة لتشكيل حكومة، إن كان الآن، أو حتى بعد الانتخابات في حال تم التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، فمثلا على المستوى السوري، وكونها وزيرة خارجية لدى حكومة إيهود أولمرت، لم تصرح في أي مرحلة بموقفها من هضبة الجولان السورية المحتلة، وكل ما أشيع عن موقفها من المفاوضات غير المباشرة مع سورية، هو انتقاد لسير المفاوضات دون أي حديث عن مستقبل الأرض السورية المحتلة.
كذلك في موقفها من الضفة الغربية المحتلة، وخاصة القدس، فليفني ترفض حتى أي "حل وسط" في مدينة القدس المحتلة، باستثناء الحدود التي تفرضها إسرائيل في المدينة، من خلال جدار الفصل العنصري، الذي يفصل أحياء وضواحي عن مركز المدينة وجوهرتها، البلدة القديمة والأماكن المقدسة فيها.
لذلك فإنه لشديد السخرية ان يدعي حزب "شاس" الديني الأصولي، أن إحدى نقاط الخلاف التي تمنعه من الانضمام لحكومة ليفني هي قضية القدس، لأن "شاس" يرفض أي اتفاق يقضي بالانسحاب من القدس المحتلة، في حين أن هذا هو موقف ليفني ذاتها، وهي ليست بحاجة لإنذارات لا من "شاس" ولا من غيرها على الساحة الإسرائيلية.
في الخلاصة، فإن تصريح بيرس المجزوء بالنسبة للمبادرة العربية لم يكن سوى لخدمة العلاقات العامة التي يهتم بها بيرس شخصيا وكثيرا، وجوهر موقفه من المبادرة هو صلب موقف السياسة الإسرائيلية الحالية، ولا حاجة لأن تشطح أية جهة في خيال وهمي، وكأن بيرس غيّر جلده.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر