إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ملاحظات أولية على الأزمة السياسية الإسرائيلية

الثلاثاء 28/10/2008
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

تتجه إسرائيل بدءا من هذه الأيام، إلى انتخابات برلمانية مبكرة، لتضع حدا لتكهنات بإجراء انتخابات مبكرة، مستمرة منذ أكثر من عامين، أي بعد أقل من ستة من أشهر من الانتخابات السابقة التي جرت في مطلع ربيع العام 2006، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ السياسة الإسرائيلية.
ولكن لقرار الحلبة السياسية الذي يحتاج إلى أعجوبة أو سيناريو غريب لقلبه، هنالك عدة جوانب تكشف سلسلة من الأزمات الداخلية التي تعيشها إسرائيل، ولا يمكن للانتخابات المبكرة أن تحل هذه الأزمات لا بل ستعمقها أكثر، وفي هذه المعالجة نتوقف عند أبرز هذه الأزمات.
بداية فإن عدم نجاح وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في تشكيل حكومتها يعود إلى حالة تبعثر وتشرذم الحلبة البرلمانية الإسرائيلية، وهي حالة مستمرة منذ منتصف سنوات التسعين الماضية، وتشير جميع استطلاعات الرأي إلى استمرار هذه الأزمة أيضا بعد الانتخابات القادمة.
بمعنى أنه لن يكون في الكنيست حزب قوي، بإمكانه السيطرة على ما لا يقل من ثلث المقاعد، أي لا أقل من 40 مقعدا من أصل 120 مقعدا، ليكون بإمكانه أن يقود حكومة ثابتة مكونة من عدد قليل من الكتل البرلمانية التي تضمن أغلبية ثابتة أمام الكنيست، وما نراه اليوم أن الكنيست مكون من 12 كتلة برلمانية، لأكبرها أقل من ربع عدد المقاعد، وهو حزب "كديما" الذي له 29 مقعدا، في حين أن الحزب التالي بعده (العمل) يسيطر على 19 مقعدا، وهناك أربع كتل لكل منها ما بين 9 إلى 12 مقعدا، وهكذا.
وهذا التشرذم نابع من حالة التخبط السياسي في الشارع الإسرائيلي، ولكنه يعكس أيضا عدم تماسك المجتمع الإسرائيلي بعد أكثر من 60 عاما على نشوئه، إذ أن قسما كبيرا من المصوتين يختار أحزابا تمثل إما طائفته الدينية (شرقيين وغربيين) أو لمهاجرين جدد أو أحزاب قطعان المستوطنين في الضفة الغربية، وغيرها من القطاعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي.
وساهم هذا التشرذم في منع الحسم السياسي في القضايا المصيرية، مثل مسألة المفاوضات على المسارات العربية المختلة، وخاصة المسار الفلسطيني، فعلى الرغم من أن ما يوجه هذه المفاوضات بالأساس هي القناعات السياسية اليمينية السائدة، وأيضا مواقف الإجماع الصهيوني، إلا أن للتنوع السياسي المحدود يبقى مجال التحرك في حيز المناورة الذي يتركه هذا الإجماع.
كما تؤكد التطورات السياسية الحاصلة في إسرائيل، ومن جديد، على غياب الأجندة السياسية لجميع الأحزاب الكبرى المرشحة لتولي الحكم، أو المشاركة بشكل أساسي فيه، فمن غير الممكن في هذه المرحلة، الإشارة إلى أي برنامج سياسي حقيقي يجري النقاش حوله، وحتى الحكومة الحالية وحزبها "كديما"، خاضت العملية التفاوضية دون برنامج واضح المعالم، سوى المماطلة في سبيل تجميل مواقف الإجماع الصهيوني ومحاولة تسويقها عالميا، رغم أن هذه المواقف تصطدم مع أبسط أسس الحل الدائم الممكن من ناحية فلسطينية.
وقد وصل الأمر إلى حد لا يمكن الإشارة إلى تميز واضح بين حزب "العمل" الذي يضعه البعض في خانة "اليسار" الصهيوني وكأنه مؤيد للعملية التفاوضية، وبين حزب "كديما" الذي رغم يمينية أبرز قادته إلا أنه يتم وضعه في خانة الوسط، وبين حزب "الليكود" اليميني "باعتراف" الجميع.
والمتغير الوحيد الذي من الممكن أن نراه بعد الانتخابات القادمة وفوز حزب الليكود المحتمل، هو عودة قادة قطعان المستوطنين في الضفة الغربية إلى الحكومة، وليكون الخطاب الأكثر تطرفا وعدائية لكل آفاق السلام، خطابا رسميا لإسرائيل.
ولكن على أرض الواقع من الضروري الإشارة إلى التقارير الأخيرة التي صدرت عن ما يسمى بـ "مجلس المستوطنات" في الضفة الغربية، ونقيضه حركة "السلام الآن" الإسرائيلية، لتؤكد أن وتيرة الاستيطان خلال فترة حكومة إيهود أولمرت، لم تشهدها الضفة الغربية منذ سنوات طوال بكثافتها، وهذا على الرغم من الخطاب "السلامي" الذي يحلو لأولمرت أن يردده.
والأمر الآخر الذي بالإمكان استنتاجه منذ الآن، هو أن هذه الأزمة الحاصلة في إسرائيل حبلى بأزمة أكبر ستفرزها بعد الانتخابات، فأمامنا لا أقل من ستة أشهر من الشلل السياسي، بمعنى حتى الانتخابات والى حين تشكيل حكومة جديدة، ثم ستطلب هذه الحكومة فترة تأقلم إلى حين تحدد وجهتها، إن كان على المستوى الداخلي أو على المستوى السياسي الخارجي.
فعلى المستوى الداخلي تشير سلسلة من التقارير الاقتصادية الرسمية، أو تلك التي تعدها معاهد اقتصادية، إلى أن الأزمة المالية العالمية ستنعكس على الاقتصاد الإسرائيلي بقوة، ابتداء من نهاية العام الجاري وطوال العام القادم 2009، وستقود حالة الفراغ السياسي الناشئة بطبيعة الحال، إلى عدم إقرار ميزانية إسرائيل للعام القادم حتى نهاية العام الجاري، مما سيزيد من حالة عدم الوضوح في الاقتصاد، ليزيد من انعكاسات الأزمة العالمية.
أما على المستوى الخارجي، وبالإمكان هنا دمج الملف الأمني هنا، فإن هذا الفراغ قد يزيد من خطورة المرحلة، ففي نهاية العام الحالي، أي في أوج الحملة الانتخابية المقبلة ستنتهي فترة التهدئة مع قطاع غزة، ومن غير الممكن معرفة وجهة الحكومة الانتقالية، وما إذا مركباتها الحالية ستبقى فيها حتى يوم الانتخابات.
وما يزيد من هذه الخطورة أيضا، هو وجود سلسلة سيناريوهات ووجهات نظر في داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية لجيش الاحتلال، فهناك من يرى ضرورة استمرار التهدئة، وهناك من يعتقد أنه آن أوان وضع حد لها، وممارسة ضغط عسكري على حركة حماس إلى جانب تشديد الحصار على قطاع غزة، بزعم تسريع عملية إطلاق سراح جندي الاحتلال الأسير في غزة.
بمعنى أنه لا يوجد موقف حاسم في المؤسسة العسكرية صاحبة القرار الأول، كما هو النهج في إسرائيل، مما يعني نقل القرار إلى المستوى السياسي الذي قد يتعامل مع هذه القضية وفق حسابات حزبية انتخابية، قد تقود إلى تفجير أمني خطير جدا مع قطاع غزة مما يزيد من تعقيدات الوضع.
على أي حال فإن إسرائيل مقبلة منذ الآن على مرحلة المجهول، وهذا يفتح الأبواب أمام كافة الاحتمالات، ولكن ما يمكن معرفته منذ الآن هو أن إسرائيل أبعد ما تكون عن مرحلة استقرار، ولن يكون بإمكان انتخابات كهذه، تجري في أوج دوامة، أن تقود إلى استقرار كهذا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر