إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



أزمة الحكم في المزمنة إسرائيل

الجمعة 31/10/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

*إسرائيل تستثمر أزماتها السياسية المتواصلة للتهرب من استحقاقات العملية التفاوضية*

تتجه إسرائيل في العاشرة من شباط/ فبراير القادم إلى انتخابات برلمانية مبكرة، بعد أقل من ثلاث سنوات على الانتخابات البرلمانية السابقة، التي جرت في مطلع ربيع العام 2006، وقبل حوالي 20 شهرا على موعدها الرسمي في خريف العام 2010.
إلا أن الانتخابات البرلمانية، التي من المفترض أن تكون حالة شاذة، باتت هي القاعدة التي يبني الحكم في إسرائيل نفسه عليها، مما يعكس مدى أزمة الحكم في إسرائيل، المستمرة على مدى ستة عقود، ولهذا الأمر انعكاساته على مجريات الأمور في داخل الحلبة السياسية.
فمن اصل 18 انتخابات برلمانية مبكرة، أي منذ مطلع العام 1949 وحتى الانتخابات المقبلة لم تجر الانتخابات سوى خمس مرات فقط في موعدها الأصلي، وآخر مرّة كانت في خريف العام 1988، كذلك فإنه على مدى 60 عاما تم تشكيل 31 حكومة في إسرائيل، في حين ان معدل جلوس الوزير على كرسيه، وفق دراسة أكاديمية نشرت مؤخرا، لا يتجاوز 16 شهرا، وهذا يعكس أيضا مدى ثبات الحكم في إسرائيل.
وهذه الحالة تعود لسلسة من الأسباب الداخلية بالأساس، المرتبطة بتركيبة المجتمع الإسرائيلي، والمبادئ التي تم بناؤه عليها، ففي العقدين الأخيرين برز أكثر فشل المشروع الصهيوني في محاولته لاختلاق مجتمع تنصهر فيه كافة تنوعاته، لأنه تكشفت من جديد الصراعات الطائفية، والصراعات بين مجموعات المهاجرين الجدد، التي أججها تدفق حوالي 1,3 مليون مهاجر خلال السنوات الثماني عشر الأخيرة، وقد انعكست هذه الصراعات التي تأخذ أشكالا متعددة، على تركيبة الحلبة السياسية، إذ لكل شريحة أو مجموعة بات حزبا يمثلها، أكثر من ذي قبل.
ولكن ما أجج حالة القلاقل السياسية في السنوات الأخيرة هي حالة المتاهة السياسية، التي تدور فيها المؤسسة الرسمية بكافة تشعباتها، إن كانت عسكرية أمنية أو سياسية، مع بدء المسارات التفاوضية مع الأطراف العربية، قبل 17 و15 عاما، ليتزامن هذا مع إنهيار ما يمكن تسميتها "البقرات المقدسة" لإسرائيل، بمعنى المبادئ التي وضعتها لنفسها، مثل أنه بإمكانها مواصلة احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية طالما أنها القوة التي لا تقهر، وأن اقتصادها الداخلي حصين لأمد طويل وليس له علاقة بوضعية الحرب والسلم، وغيرها.
وهذه الحالة أفرزت حالة تشرذم كبير في الحلبة البرلمانية، وتراجع قوة الحزبين الأكبرين التاريخيين في إسرائيل، "العمل" و"الليكود"، من أكثر من ثلثي مقاعد البرلمانية (سوية) إلى ربع البرلمان في دورته الحالية، وليكثر بالتالي عدد أحزاب الوسط، من ناحية عدد مقاعدها في الكنيست، مما وضع اشكاليات أمام الحكومات المختلفة، وكل حكومة في لحظة تشكيلها حملت معها سلسلة من التناقضات الداخلية بين مركباتها مما ساهم لاحقا في انهيارها.
وبقدر ما تبقى هذه الأزمة ذات طابع داخلي في إسرائيل، إلا أنه مع بدء العملية السياسية على المسارات المختلفة، أصبحت تنعكس هذه الأزمة مباشرة على سير المفاوضات، وأكثر من هذا، فإن إسرائيل استثمرت، في كثير من الأحيان، أزمتها المزمنة للتهرب بشكل دائم من استحقاقات المفاوضات والحل الدائم مع الفلسطينيين، بزعم تفجر الأزمات السياسية الداخلية، "الذي يعيق عمل الحكومة".
فالآن نحن أمام مرحلة جمود في العملية التفاوضية، حتى وإن راح بعض المحللين يملأون زواياهم بسيناريوهات خيالية، ومن بينهم المحلل السياسي البارز في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الذي كتب قبل أيام مقالا يقول فيه إن رئيس الحكومة إيهود أولمرت قد يسارع في هذه المرحلة في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وحتى السوري، على أمل التوصل إلى مسودة اتفاق.
فبداية، فإن الكنيست سيحل نفسه تلقائيا، خلال أيام، ويخرج إلى عطلة انتخابات، ولن يكون بالإمكان عقد جلسات لبحث أمور مصيرية تلقى معارضة واسعة وفي أوج انتخابات، خاصة وأن رئيس الحكومة أولمرت قدم استقالته على خلفية ملاحقته بلائحة اتهام بتهم الفساد.
كذلك فإن أولمرت لن يجد في حكومته أغلبية لتوافق معه على خوض مسار مصيري كهذا، وبالتالي فإننا اليوم أمام بدء مرحلة جمود سياسي فعلي في المفاوضات مع إسرائيل على المسارين الفلسطيني والسوري.
وهذا الجمود لا يتوقف عند يوم الانتخابات بل ستكون بضعة اشهر إضافية، إلى حين إعلان النتائج الرسمية وتشكيل حكومة تحتاج لفترة تأقلم، هذا إذا كانت الحكومة الجديدة أصلا معنية بخوض مفاوضات كهذه، خاصة وأن استطلاعات الرأي تتوقع عودة زعيم حزب "الليكود" اليميني بنيامين نتنياهو ومعه قادة عصابات المستوطنين، الذين كانوا شركاء في حكومة أريئيل شارون حتى قبل أقل من أربع سنوات.
وإسرائيل بطبيعة الحال ستكون رابحة من هذا الجمود، لأن ما سيتجمد هو المفاوضات وحدها، أما مشاريع الاستيطان، وكل ما يعيق إقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة ضمن حدود حزيران/ يونيو 1967 بما فيها القدس، سيتواصل بموجب الشرعية التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي لنفسه، على المستوى الداخلي.
فحكومة أولمرت أقرت سلسلة من مشاريع الاستيطان، لم تشهدها السنوات الماضية من حيث ضخامتها، إذ تكفي الإشارة إلى تقرير ما يسمى بـ "مجلس مستوطنات الضفة الغربية"، لنعرف أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية سجل ازديادا غير مسبوق في فترة حكومة أولمرت، بمعدل فاق نسبة 5,5% سنويا، إضافة إلى ازدياد مشاريع البناء الاستيطاني.
إن إسرائيل أشغلت العالم على مدى السنوات الماضية بأزماتها الداخلية، وليس فقط عند حل هذه الحكومة أو تلك، بل حتى في أوج المفاوضات حينما كانت تتذرع الحكومات المختلفة بأنها لا تملك الأغلبية البرلمانية لإقرار اتفاقيات مصيرية مع الجانب الفلسطيني.
وتمارس إسرائيل هذا النهج وهي مطمئنة لاختلال موازين القوى العالمية لصالحها، الذي "سيتفهم" أزمتها الداخلية، ولن يطالب حكومتها بتجميد كل ما من شأنه إعاقة فرص الحل، سوية مع تجميد العملية التفاوضية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر