إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



"عفريت" أوباما والمأزق الإسرائيلي

الأحد 9/11/2008
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

لم يكن فوز باراك أوباما مفاجئا، بل كان تطبيقا لكافة التوقعات واستطلاعات الرأي التي تنبأت بذلك منذ بضعة شهور، ورغم ذلك فقد أمسكت هذه النتيجة إسرائيل في عدد من جوانب ضعفا، وأزماتها الداخلية، إلا أنه من الأفضل أن لا يسرح البعض في خيال الانقلاب السياسي الأميركي تجاه إسرائيل.
بداية من المفاجئ جدا، أن نرى كيف أن انتخاب "الأسود" أوباما كان مناسبة لإثارة النزاع الطائفي اليهودي في إسرائيل، هذا النزاع المزمن الذي ينخر في إسرائيل ويؤلمها من حين إلى آخر وبوتائر مختلفة، لتتبدد أوهام أن هذا النزاع بات من الماضي، بل ما يزال حيّا ويضرب بقوة.
فبعد ساعات قليلة جدا من ظهور النتيجة، لم يكن لدى وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، سلفان شالوم، سوى أن يذكر شعبه، بأنه "على مدى 60 عاما لم يكن في إسرائيل رئيس حكومة شرقي واحد، على الرغم من أن الشرقيين يمثلون 50% من الجمهور (اليهودي)، وليس كنسبة السود في الولايات المتحدة التي هي 14%، فكما أننا نتمثل بالأميركان في كل شيء، فإنني آمل أنه نأخذ الولايات المتحدة نموذجا في هذا المجال أيضا"، كما قال شالوم، وهو ليس شخصية سياسية عابرة، بل شخصية مركزية جدا في حزب "الليكود" الذي ينافس بقوة للعودة إلى السلطة خلال بضعة أشهر.
أما عضو الكنيست المهاجر قبل سنوات من أثيوبيا، شلومو مولا، فقد قال، "إن هذا الانتصار يبعث الأمل لدى كل الناس الذين لون بشرتهم سوداء في العالم وفي إسرائيل، وكلي أمل أن لا تنتظر إسرائيل 400 عام حتى تحقيق المساواة" والمهاجرون من أثيوبيا هم أكثر اليهود الذين يواجهون تمييزا ونظرة فوقية احتقارية في الشارع اليهودي، وهذا وفق سلسلة من التقارير الذي تنشر تباعا، وهذا ما تثبته أيضا من حين إلى آخر استطلاعات الرأي، حول نظرة اليهود إلى الإثيوبيين اليهود في إسرائيل.
وحتى الآن فإن انتخاب أوباما لم يثر في الحلبة الإسرائيلية مسألة التمييز العنصري الخطير ضد فلسطينيي 48، رغم ان الفلسطينيين لم يهاجروا من أي مكان، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل ستلتفت إدارة أوباما مستقبلا إلى السياسة العنصرية الإسرائيلية تجاه العرب؟.
ولكن القضية الجوهرية التي تقلق إسرائيل في هذه المرحلة هي مستقبل العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، خاصة على مستوى التعاون العسكري الأمني، ودعم السياسة الخارجية الإسرائيلية على مستوى العملية التفاوضية مع الفلسطينيين وسورية.
ولكي لا نذهب بعيدا، فإن القلق الإسرائيلي ليس نابعا من احتمال تغيير جوهري في السياسة الأميركية تجاهها، بل من عودة إدارة أوباما إلى نهج ما قبل إدارة بوش، أي إلى الخط الذي اتبعته إدارة بيل كلينتون.
فعلى الرغم من أن مواقف الإدارتين بقيت أبعد من أن تلبي استحقاقات الحل الدائم من منظور فلسطيني، كونه حل الحد الأدنى الذي من الممكن قبوله، بما فيه حق العودة والقدس، إلا أن مواقف إدارة كلينتون تبقى أفضل، إذا اتبعنا قاعدة تفضيل الأسوأ على الأكثر سوءا.
ومنذ رحيل إدارة كلينتون وحتى اليوم، قفزت الحلبة السياسية الإسرائيلية عدة قفزات نحو اليمين المتطرف، الذي باتت مواقفه الأكثر شيوعا في الحلبة الإسرائيلية، وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيتعزز أكثر في الانتخابات البرلمانية المبكرة المقبلة، التي ستجري في العاشر من شباط (فبراير) المقبل.
وهذه القوى المتطرفة التي عارضت مخططات كلينتون، رغم تباينها المحدود، باتت اليوم أقوى من ذي قبل، لذلك فهي باتت تهدد منذ الآن برفضها أي تعديل للسياسة التي فرضها جورج بوش، وترتكز على مبدأ "الدعم الأعمى" للسياسة الإسرائيلية.
إلا أن بعض المحللين يتوقعون أن التغيير الحاصل في الولايات المتحدة قد يعكس نفسه أيضا على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ولا يمكن الأخذ بهذه التحليلات منذ الآن، ولكن لا يمكن رفضها إطلاقا أيضا، إذ هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على تدخل الإدارة الأميركية في الانتخابات الإسرائيلية، خاصة في العقدين الأخيرين.
فمثلا، أشيع كثيرا أن حزب "كديما" الذي أقامه رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، مع انفصاله عن حزب الليكود، الذي وقع تحت سيطرة عصابات المستوطنين، قد أقامه بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، التي ساعدت في اقناع شخصيات بارزة بالانضمام إلى هذا الحزب، مثل الشخصية الإسرائيلية الأبرز شمعون بيرس، كما قيل، ونجح هذا الحزب في الوصول إلى سدة الحكم، بعد بضعة اشهر من ولادته.
كذلك ففي العام 1992 كان لإدارة جورج بوش الأب دور كبير في إسقاط حكومة الليكود، برئاسة يتسحاق شمير، بعد أن حجبت عنها ضمانات مالية بقيمة 10 مليارات دولار، طلبتها إسرائيل بإلحاح في ظل أزمة اقتصادية حادة عصفت بها، إثر انتفاضة الحجر الفلسطينية، وغيرها من التطورات الإقليمية، ومن بينها حرب الخليج الأولى.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل سنرى في هذه المرحلة تدخلا كهذا من قبل الإدارة الأميركية؟.
ما من شك أن حكومة برئاسة حزب الليكود، وزعيمه بنيامين نتنياهو ستكون عائقا جديا أمام أي محاولة للإدارة الأميركية الجديدة لتغيير نهجها في الشرق الأوسط، ولو ضمن مجال المناورة الضيق، فإن اتبعت سياسة متشددة نسبيا، تجاه بناء المستوطنات، كتلك التي اتبعتها إدارة كلينتون، ومن قبلها إدارة بوش الأب، ستجد أن قادة المستوطنات في داخل الحكومة ويحكمون مصيرها، وإن طلبت تقدما ما في العملية التفاوضية ستجد معارضة شديدة من نفس القوى.
لذلك فإن الإدارة الأميركية بحاجة إلى حكومة إسرائيلية مرنة نسبيا، تتحرك معها في مجال المناورة الذي يخلق انطباع الانفراج السياسي في المنطقة، حتى وإن لم يكن تقدما جوهريا في هذا المجال.
ولكن هنا أيضا يُطرح سؤال آخر، هل ستنجح الإدارة الأميركية في تدخلها المفترض، هذا إذا رغبت أصلا، خلال مدة شهر واحد ما بين تسلمها زمام الأمور وبين موعد الانتخابات الإسرائيلية؟.
على الأغلب فإن العامل الزمني سيلعب دورا ضد هذه الرغبة، ويبقى المجال مفتوحا أمام أن يفهم الشارع الإسرائيلي تلقائيا "رياح التغيير" المحدودة، ويقلب الموازين بنفسه، وقد يساعد في هذا، أن تستثمر وزيرة الخارجية، زعيمة حزب "كديما"، تسيبي ليفني، التحولات الأميركية في حملتها الانتخابية، كما يرى المحلل في هآرتس، ألوف بن.
ولكن هذا يبقى في إطار الفرضيات، التي يؤثر عليها بريق الحدث، انتخاب أوباما، وما تبعه من عاصفة إعلامية عالمية، ولهذا فإن الصورة ستتضح لاحقا، بعد أن تهدأ "العاصفة"، ويتأقلم العالم مع ذلك "الأسود" حفيد العبيد المضطهدين، لنرى ما إذا كان حقا يجلب معه التغيير، أم أنه مجرد ختم مطاطي للسياسة الأميركية العليا، التي تتم بلورتها في أروقة أبعد قليلا من مكتبه الدائري في البيت الأبيض.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر