إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الاحتلال الإسرائيلي "يقونن" نفسه

السبت 15/11/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

يسعى الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة بشكل خاص، إلى إظهار نوع من الشرعية الوهمية له، استمرارا لمحاولاته الدائمة لإظهار إسرائيل على أنها دولة قانون وهو ما يتعارض كليا مع كونها دولة تمارس الاحتلال.
ونشهد بشكل دائم سلسلة من التشريعات والقوانين التي يقرها البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، أو سلطات الاحتلال بنفسها، في حين تعرض كثير من القضايا المتعلقة بجرائم الاحتلال على جهاز القضاء الإسرائيلي، خاصة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، ولكن الغالبية الساحقة والجوهرية لقرارات هذه المحاكم تخدم سياسة الاحتلال بشكل مباشر وتقدم التبريرات لجرائمه.
وما استدعى طرح هذه القضية الآن، هو الكشف عن مؤامرة جديدة تحاك ضد الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، تتلخص في "موافقة" سلطات الاحتلال على تسجيل آلاف الدونمات في سجل الطابو على اسم عصابات مستوطنين، وشطب كلي لأسماء أصحابها الفلسطينيين الشرعيين، الذين انتزعت سلطات الاحتلال أراضيهم منهم بالقوة في سنوات مضت، وتبين أن سلطات الاحتلال تستند بقرارها الجديد إلى قانون عثماني أقرته السلطنة العثمانية منذ 150 عاما، يمنح ملكية أرض لشخص لا يملكها ولكنه سيطر عليها لمدة عشر سنوات وأكثر، وخلال هذه الفترة لم يدخلها صاحبها الأصلي، وفي حال الفلسطينيين تم حرمانهم من الدخول إليها واستخدامها.
ويعترف محلل إسرائيلي بأن خطورة هذا القرار تكمن في أنه سيكون سابقة، وفاتحة لتسجيل أراضي المستوطنات والبؤر الاستيطانية في سجلات الطابو على أسماء المستوطنين، في حين أن هذه الأراضي صادرها جيش الاحتلال بزعم استغلالها "لشؤون أمنية"، ثم نقلها للمستوطنين لبناء مستوطناتهم.
ومن باب تقسيم الأدوار، تحسبا لردود فعل دولية، فقد رأينا المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، "يلتمس" إلى المحكمة العليا ضد قرار الهيئة قضائية في جيش الاحتلال التي أصدرت هذا القرار، وما هذا إلا إجراء وقائي، لامتصاص النقمة في حال ظهورها.
فقد علمت التجربة أن كل ما يبادر له المستوطنون، حتى وإن بدى وكأنه ضد إرادة حكومة الاحتلال فإنه يتحول إلى الثابت على الأرض، وأبرز مثال على هذا هو البؤر الاستيطانية التي سنأتي على ذكرها هنا.
وأخطر خطوة في مجال قوننة الاحتلال الإسرائيلي، بمعنى تشريع قوانين له، هو قرار ضم القدس المحتلة وهضبة الجولان السورية المحتلة إلى "السيادة الإسرائيلية" حسب النص القانوني، ليتبع هذا سلسلة من القوانين التي تقيد أي حكومة إسرائيلية في أي مفاوضات قد تؤدي إلى انسحاب جزئي من هاتين المنطقتين، بزعم أنهما جزءا من "ارض إسرائيل".
ومنذ سنوات بتنا نقرأ قاموسا احتلاليا في مجال القوننة هذا، فمثلا في الضفة الغربية هناك "مستوطنات شرعية"، على الأرض الفلسطينية المسلوبة، وتستمد هذه المستوطنات "شرعيتها" الموهومة من كونها نشأت بقرار من حكومة الاحتلال، بينما هذه الحكومة تطلق مصطلحا آخر وهو "مستوطنات غير شرعية"، ويُنسب للبؤر الاستيطانية التي اقامها المستوطنون، ويبلغ عددها أكثر من 110 بؤر، وهي تسمية أيضا لامتصاص النقمة، فعلى الرغم من كل تعهدات إسرائيل بازالتها، إلا أنها ما تزال قائمة، وتحظى بدعم مادي ومعنوي من حكومة الاحتلال.
كذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي وخلال بنائه جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية وفي داخل القدس المحتلة، استند في كثير من قراراته إلى قرارات صادرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية، التي قامت بدور أساسي في محاولة لتببيض صورة هذا الجدار، إذ استصدرت بعض القرارات التي تلزم سلطات الاحتلال باجراء تعديلات محدودة في مسار الجدار في بعض النقاط، ولكنها في نفس الوقت حاولت فرض "شرعية" على بنائه من حيث المبدأ، برفضها قرار المحكمة الدولية التي رفضت بناء الجدار العنصري.
ولا يتوقف الأمر عند الاستيطان، فشراسة التشريعات الإسرائيلية تستفحل أكثر في كل ما يتعلق بتفاصيل حياة الفلسطيني اليومية في المناطق المحتلة، فمثلا أقر الكنيست في الأشهر الأخيرة بالقراءة النهائية قانونا يمنع أي فلسطيني من مقاضاة الاحتلال أمام المحاكم الإسرائيلية، بسبب أضرار تكبدها من جرائم الاحتلال، حتى وإن اعترف الاحتلال بأنه ارتكب جريمته "عن طريق الخطأ" كما جاء في القانون.
وفي المقابل فإن المحاكم الإسرائيلية تنظر في عشرات الالتماسات والدعاوى التي قدمها يهود ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، بزعم أن أصحابها تضرروا من عمليات المقاومة الفلسطينية، وبدأت المحاكم باستصدار أحكام، تغرم السلطة الفلسطينية بملايين وحتى عشرات ملايين الدولارات، لتحتجز سلطات الاحتلال هذه المبالغ لاحقا من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية عند الموانئ والمعابر الدولية.
وفي المقابل هناك خطأ يُرتكب من دون قصد، حينما يتجه فلسطينيون أو جهات حقوقية لجهاز القضاء الإسرائيلي لاستصدار أوامر ضد الاحتلال، فهذا إجراء كسيف ذو حدين، وقد يتحول إلى ضربة مرتدة، فالتوجه إلى قضاء الاحتلال يعني الاعتراف بقراره مسبقا، وفي حال كان قراره مساندا لقرار الإجراءات الإحتلالية، وهو الطابع الأغلب لقرارات المحاكم الإسرائيلية، فيعني ان المتوجه ساهم من دون قصد في محاولة قوننة الاحتلال، وإظهار إسرائيل كـ "دولة قانون".
ولهذا فمن الضروري إعادة النظر في مجرد فكرة التوجه للقضاء الإسرائيلي، الغارق أصلا في مظاهر العنصرية، وهذا ما تثبته حتى دراسات جامعية إسرائيلية، كشفت عن مدى التمييز العنصري في قرارات المحاكم بين اليهود وبين فلسطينيي 48، لنعرف أن الأحكام والغرامات التي تفرض على العرب هي أضعاف تلك التي تفرض على اليهود، إذن كانوا يواجهون نفس التهم.
إن المنطق الإنساني، وحتى القانون الدولي، يؤكد عدم الانسجام بين الاحتلال ودولة القانون في آن واحد، إلا أن إسرائيل تستغل الصمت العالمي واختلال موازين القوى لصالحها، أيضا في هذه الناحية، كما في نواحي أخرى عديدة.
قد يرى البعض أن الاحتلال زائل لا محالة، وهذا صحيح، ولكن هذا النهج الإسرائيلي، وفي ظل اختلال موازين القوى، يعطي إسرائيل ذرائع جديدة للمماطلة وللتفسيرات والتبريرات، ولهذا هناك ضرورة أيضا لتسليط الأضواء على هذا الجانب، وهناك هيئات وحركات دولية، خاصة أوروبية، بدأت تتنبه لهذا، وظهرت قبل فترة مبادرة لمقاطعة القضاء الإسرائيلي، وابراز تشوهاته وعدم الاعتراف بقراراته، وهو نوع من محاصرة إسرائيل في الأسرة الدولية في حال بدأ تطبيق هذه المبادرة في بعض الدول.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر