إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



أرجوحة المفاوضات الاقتصادية

الثلاثاء 18/2008
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

أعلن زعيم حزب "الليكود" اليميني، بنيامين نتنياهو، المرشح الأقوى لتولي رئاسة الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في العاشر من شباط (فبراير) القريب، إنه سيبادر إلى مفاوضات اقتصادية مع الفلسطينيين، كبديل للمفاوضات السياسية، على الرغم من زعمه بأن هذه المفاوضات ستكون بتزامن مع المفاوضات السياسية.
فنتنياهو الذي تظهر في خطابه السياسي البلبلة ولهجة متلعثمة، قال بشكل واضح إنه يرى أن "نموا اقتصاديا فلسطينيا سيقرب القلوب نحو حل سياسي"، وهذه عبارة تتناقض كليا مع مزاعمه بأن المفاوضات ستكون بتزامن مع المفاوضات السياسية، لأنه يريد أن يرى النتائج الاقتصادية أولا، قبل أن يتوجه للمسار السياسي، هذا إذا كان معني به أصلا نتنياهو، وهو حقيقة ليس معنيا بأي من المسارين.
ولكن نتنياهو لم يأت هنا بأي جديد، كما أنه لم يبتكر أي مبادرة جديدة في هذا المجال، بل استورد هذا الخطاب من الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، الذي يعزف على المسار الاقتصادي في السنوات الأخيرة، في كل مرّة كان يلمس فيها بيرس أن تقدما ما، ولو وهميا، تحقق في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فهذا ما قاله بيرس في أوج مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000، وهذا ما كان يكرره خلال المفاوضات التي جرت في العام ونصف العام الأخيرين.
وهذه حقيقة لا تلغيها تصريحات بيرس الأخيرة التي يدعي فيها تأييده الشكلي للمبادرة العربية للسلام، بينما على أرض الواقع فإنه يرفضها كليا.
ما هو واضح أن إسرائيل ومدبري السياسة فيها، يبحثون طيلة الوقت عن مهارب من العملية السياسية التي تبحث في القضايا الجوهرية، من باب المماطلة، ولكسب الوقت وفرض حقائق على الأرض الفلسطينية المحتلة، تتمثل بتكثيف المشاريع الاستيطانية، لعرقلة ومنع كلي لأي حل يقود إلى إقامة دولة فلسطينية على كامل الأرضي المحتلة منذ العام 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، قادرة على الحياة.
فنتنياهو لا يعرض نظرته للحل الدائم، ويرفض إطلاقا الحديث عن رؤيته، لأنه في واقع الحال يرفض حلا كهذا، ولهذا فإنه يبحث عن صياغات كهذه أو تلك تبعده عن الجوهر، وعن تقديم جواب واضح بشأن موقفه من استمرار العملية التفاوضية في ظل حكومة يرأسها.
ولكن من باب الجدل، فإن من يخنق الاقتصاد الفلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي، وهذا جزء من سياسة ثابتة، في جوهرها تجويع الشعب ليكون غير قادر على النضال ومواجهة الاحتلال، وأن يبقى متعلقا "بكرم" الاحتلال، الذي قد يفرج له عن شاحنة مواد غذائية هنا وهناك، وهذا ليس فقط أمام قطاع غزة، بل أيضا في السجن المفتوح المسمى الضفة الغربية المحتلة، إذ تفرض تقييدات ضخمة جدا على الحركة التجارية وتنقل البضائع.
لذلك فإن إسرائيل أصلا ترفض رؤية ازدهار اقتصادي كهذا، وحتى أنها تقضي بشكل منهجي على كل المقومات الاقتصادية التي من شأنها أن تحقق تقدما اقتصاديا، مثل خنق الحركة العاملة، ومنع عشرات آلاف العمال الفلسطينيين من التوجه إلى سوق العمل في داخل إسرائيل، ومحاصرة المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية لمنع تطورها وتوسعها والاتصال في ما بينها، وغيرها من الإجراءات التي يصعب حصرها هنا.
إلا أن نتنياهو في هذه الحالة يثبت حالة الفراغ السياسي في إسرائيل، وغياب الخطاب السياسي الواضح، في اتجاه العملية التفاوضية، التي تغيب شيئا فشيئا عن الحوار السياسي في إسرائيل، ولم تعد هناك منافسة حول طروحات الحل، بل إن المنافسة تجري اليوم على من يكسب ود اليمين الإسرائيلي، لينضم في الأشهر الأخير "لاعب جديد" في حلبة اليمين، وهو وزير الحرب إيهود باراك، زعيم حزب "العمل"، الذي كان محسوبا طيلة الوقت على جناح مؤيدي "العملية السلمية"
فقد كشف النقاب في الأيام الأخيرة عن أن باراك صادق في الآونة الأخيرة على عشرات المخططات الاستيطانية بأشكال مختلفة، من بينها المصادقة على بناء 400 بيت استيطاني في مستوطنات صغيرة ونائية، تدعي إسرائيل أنها ستخليها في إطار الحل الدائم، إضافة إلى توزيع آلاف الدونمات على المستوطنين لإقامة مشاريع استيطانية جديدة.
إن الأجندة السياسية الإسرائيلية الواضحة تجاه العملية السياسية غائبة، ولا يظهر ان الانتخابات البرلمانية المقبلة ستدفع قوى سياسية إلى سدة الحكم بحوزتها أجندتها كهذه، ولا توجد أي مخاطرة في أن نراهن منذ الآن على أن الانتخابات المقبلة لن تأتي بأي انفراج على المستوى السياسي والسلام الاقليمي.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر