إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إسرائيل بين يمين ويمين

السبت 22/11/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

لم تسجل استطلاعات الرأي الإسرائيلية في السنوات الأخيرة نجاحات واضحة، بعد أن مني الكثير منها بفشل ذريع في توقع نتائج مستقبلية، خاصة في مجال الانتخابات، وهذا أمر مستمر منذ سنوات، ومن بين أسبابه العديدة، أن هذه الاستطلاعات تجري في أوج أحداث متسارعة، مما يجعلها تنعكس على رد الفعل الآني والسريع في الشارع الإسرائيلي.
فمثلا في شهر واحد رأينا تقلبات كثيرة في هذه الاستطلاعات، فمع انتخاب وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني رئيسة لحزب "كديما"، وما رافق هذا من زخم في نشر التقارير والأنباء، والتغطية الإعلامية، جاءت استطلاعات الرأي بعد أيام قليلة لتقول إن "كديما" استعاد عافيته، لا بل إنه سيتفوق أيضا على حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو، في ما لو جرت الانتخابات في تلك الأيام.
وفي الأيام الأخيرة انشغلت وسائل الإعلام في مسألة تدفق شخصيات يمينية متشددة، وبينها قلة "يمينية معتدلة" نوعا ما، إلى حزب "الليكود" بصفته المرشح الأقوى لتولي السلطة بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من شباط/ فبراير المقبل، وهذا الأسبوع رأينا استطلاعات الرأي تتحدث بشكل مختلف، إذ بدأت تتحدث عن تفوق كبير لليكود، وبفارق واضح لحزب "كديما"، وهذه الاستطلاعات كسابقاتها مرشحة للتغير في حال حدوث تطورات أخرى.
ولكن هناك عامل واحد لا تختلف عليه استطلاعات الرأي، وجدير بالتوقف عنده، وهو أن كتلة أحزاب اليمين واليمين المتشدد تحظى بأغلبية برلمانية واضحة في جميع استطلاعات الرأي، وآخرها كان يتحدث عن أغلبية 65 نائبا من أصل 120 نائبا، مقابل 45 لأحزاب "كديما" و"العمل" و"ميرتس".
أما المقاعد العشرة أو الإحدى عشر الباقية فهي المقاعد المتوقعة للكتل الوطنية الناشطة بين فلسطينيي 48، التي هي خارج اللعبة والحسابات الائتلافية، ولكن قد تكون في مرحلة ما، عاملا يمنع تشكيل حكومة برئاسة اليمين المتشدد، وهذا أيضا لا يسري على المعادلة الماثلة أمامنا.
من يرى المشهد الإسرائيلي عن بعد لن يجد اختلافا جوهريا بين الأحزاب المتناوبة على الحكم في إسرائيل، وهذا صحيح، ولكن تبقى هناك فوارق تتحرك في مجال المناورة، ولهذا نقرأ مصطلحات مثل "يمين معتدل"، و"يمين متشدد"، كما نقرأ في المقابل "يسار صهيوني"، وهو أيضا متنوع ومتفاوت، علما ان هناك يسارا مناهضا للصهيونية، ولكن قوته محدودة وكذا الأمر بالنسبة لتأثيره على الشارع الإسرائيلي.
فالمرشحون لتولي السلطة بالشراكة مع حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو، بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، هم زعماء اليمين المتشدد، ومن بينهم قادة عصابات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، الذين سيقفون حاجزا أمام أية إمكانية لإجراء مفاوضات مع أي جانب عربي، فلسطيني أو غيره، ومثل هذا الائتلاف رأيناه في حكومة أريئيل شارون الأولى، شتاء العام 2001، ثم في حكومة شارون الثانية، في مطلع العام 2003، إذ تبوأت رموز العنصرية الصهيونية الشرسة مناصب رفيعة في حكومة أريئيل شارون، ثم غادروا الحكومة على خلفية خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة.
ومثل هذه الرموز في دول أخرى في العالم تجعل حكوماتها منبوذة، كما جرى في الماضي القريب في النمسا، حين وصل إلى الحكومة الزعيم اليمين المتشدد هايدر، الذي توفي في حادث طرق قبل نحو شهر، أو مثل الفرنسي العنصري "لا بن".
ورغم ان هذه الرموز الصهيونية أشد خطورة من تلك الأوروبية، كونها تمارس يوميا جرائم حرب ضد الإنسانية متمثلة بالاحتلال والاستيطان، وخطابها العنصري يدعو لطرد العرب أبناء الوطن من وطنهم، ويطلقون دعوات واضحة لقتل العرب، ويبررون جرائم المستوطنين، إلا أن وجودهم في حكومات إسرائيل لا يسبب لها الحرج، ولا يتسبب بأي مقاطعة دولية لها.
والخطورة المتصاعدة في إسرائيل، تكمن في أن هذا الخطاب كان هامشيا حتى قبل 27 عاما، حين وصل في العام 1981 الزعيم الروحي للحركات اليهودية الإرهابية، مئير كهانا إلى عضوية الكنيست، ثم تم حظر مشاركته في الانتخابات البرلمانية في العام 1984، ولكنه تحول في هذه المرحلة إلى خطاب سائد ويحظى بنسب تأييد رهيبة جدا، تصل في مراحل معينة إلى 50% من الشارع اليهودي، حسب ما اشارت اليه استطلاعات رأي إسرائيلية.
ففي نفس العام الذي حظر فيه هذا الحزب، وأيضا في جميع الانتخابات التي جرت في السنوات السابقة، ظهرت نفس الأفكار العنصرية على الساحة السياسية بألف لابوس ولابوس، حتى أنه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في ربيع العام 2006، صوت 33% من اليهود لأحزاب إسرائيلية تدعو عمليا إلى طرد العرب من وطنهم.
وكل المؤشرات تشير إلى أنه في الانتخابات المقبلة سترتفع هذه النسبة، وستتعزز قوى اليمين أكثر، إذ لهذه المجموعات الإرهابية مندوبين في أحزاب كبرى، مثل الليكود، وحتى "كديما"، وإن تبدلت ألوانهم ولهجاتهم.
لشديد السخرية أن إسرائيل أعلنت قبل أيام قليلة، رسميا، عن مقاطعتها لمؤتمر ديربن لحقوق الإنسان، الذي سيعقد في الربيع المقبل في مقر الأمم المتحدة في العاصمة السويسرية "جنيف"، بزعم أن المؤتمر سيتحول كسابقه الذي عقد في جنوب أفريقيا، إلى مؤتمر "معادي للسامية"، حسب تصريح وزيرة الخارجية تسيبي ليفني.
فمن ناحية إسرائيل كل من ينتقد سياستها الإجرامية وعنصريتها تجاه العرب الموثقة بعشرات القوانين الإسرائيلية الرسمية، وما تزال تسن قوانين أشد شراسة في عنصريتها، فهو معادي للسامية، و"لشعب الله المختار"!!.
وتعترف إسرائيل على لسان وزيرتها ليفني أنها مارست ضغوطا على مسؤولين كبار في الأمم المتحدة من أجل الحصول على ضمانات بعدم التعرض للسياسة الإسرائيلية في مؤتمر حقوق الإنسان، كشرط لمشاركتها.
ولكن على أرض الواقع فإن إسرائيل تقاطع مؤتمرا كهذا لأنها تعرف الحقيقة في قرارة نفسها، وهي أن المؤسسة التي تحكمها والعقلية التي توجه سياستها هي أبعد كل البعد من أن تكون إنسانية، وتحترم حقوق الإنسان.
وهذه حقيقة ستتعزز أكثر برموز العنصرية التي ستعود إلى طاولة الحكومة، ويزداد وزنها في جهاز حسم القرارات السياسية في إسرائيل على المستويين الداخلي والخارجي.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر