إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



النووي الإسرائيلي والقلق المزعوم

السبت 29/11/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

ظهر اللقاء الأخير بين رئيس الحكومة الإسرائيلية المستقيل، إيهود أولمرت، والرئيس الأميركي المنتهية ولايته جورج بوش قبل أيام في واشنطن، وكأنه يطابق المثل القائل: "التقى المتعوس بخائب الرجاء"، ولم يحظى اللقاء بتلك الأهمية السياسية، ولكن مع عودة أولمرت تبين أن اللقاء تركز بالأساس حول ضمان نقل رسائل من إدارة بوش إلى إدارة أوباما، تتعلق بالعلاقات الاستراتيجية المميزة بين البلدين.
فقد قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن أولمرت طلب من بوش أن يوصي الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما بالحفاظ على، واستمرار التعهد الأميركي بضمان عدم المس بقوة الردع الإستراتيجية الإسرائيلية، ولكن الأهم في هذا، هو استمرارية الاتفاق القائم بين البلدين منذ العام 1969، الذي يمنح ضمنا، حماية أميركية لسرية المشروع النووي الإسرائيلي.
وتزعم الجهات الإسرائيلية بأن لديها تخوف من أن "تدفع إسرائيل ثمن" تغييرات في السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، إحدى مقوماتها نزع السلاح النووي في المنطقة، بما في ذلك الأسلحة النووية الإسرائيلية التي لا تعترف بها إسرائيل إطلاقا.
ومن السخافة أن نصدق رواية "المخاوف" الإسرائيلية، لأن العلاقات الإسرائيلية الأميركية الاستراتيجية، لم تكن محكومة، من حيث الجوهر، بهذه الشخصية المنتخبة أو تلك من الجانبين، وإنما بالأساس من الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلدين، مع حفظ مجال مناورة محدود جدا، يسمح في إظهار بعض التنوعات والتلون في الخطاب السياسي، ولكن المشروع النووي الإسرائيلي لم يكن يوما في إطار مجال المناورة.
ويعرف قادة إسرائيل، وبالأساس المؤسسة الأمنية، أن لا أوباما ولا غيره سيكون بإمكانه ان يطلب تغيير الوضع القائم في المشروع النووي الإسرائيلي، ولن يطلب من إسرائيل أن تبيد أكثر من 200 رأس نووي، حسب معطيات كشفتها جهات دولية في سنوات التسعين من القرن الماضي، ولم تصدر بعدها تقارير أخرى حول زيادة في هذه القوة النووية الرهيبة أصلا.
فإسرائيل وضعت نفسها خارج كل المعاهدات والمواثيق الدولية، المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، مستفيدة من الدول العظمى بدءا من بريطانيا وفرنسا بالذات في سنوات الخمسين والولايات المتحدة بطبيعة الحال، وهذا تحت ذريعة هشة وهي أن إسرائيل "مهددة"، وليس أنها في موضع تهديد للمنطقة كلها، وبموجب هذا المنطق المشوه، فإنه "من حقها" الاحتفاظ بقوة ردع وتفوق عسكري، يجعلها بمساعدة الولايات المتحدة، تتدخل لدى جميع الدول الكبرى في أدنى صفقة تسلح لأي من دول المنطقة.
كذلك فإن إسرائيل فرضت من جانبها سياسة تعتيم مطبقة على كل ما يتعلق بمشروعها النووي، إذ أقامت مفاعلها النووي بمساعدة فرنسية، بموجب اتفاق تم التوقيع عليه في العام 1956، "مقابل" مشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر، ولم تكن إسرائيل في حينه بحاجة إلى "مقابل" لتشارك في تلك الحرب العدوانية، إلا أن كل الوثائق والاعترافات تؤكد ان المدير العام لوزارة الحرب في حينه، الرئيس الحالي لإسرائيل، شمعون بيرس، كان صاحب الفكرة والمنفذ لها، بابتزاز فرنسا والحصول على موافقتها لإقامة هذا المفاعل.
وقد رفضت إسرائيل على مدى سنوات الاعتراف بوجود مفاعل نووي، وبعد أن تكشف وجوده، اتبعت "السياسة الضبابية" في كل ما يتعلق به، وتحظر على أي جهة أجنبية، حتى أميركية، الاقتراب منه.
ولهذا فإن القلق الإسرائيلي المزعوم، من احتمال تبدل في موقف السياسة الأميركية من هذه الملف، يبقى بالأساس للاستهلاك الإعلامي، والعلاقات العامة، لخدمة أهداف ليس بالضرورة نعرفها كلها في هذه المرحلة، كما أن إسرائيل قادرة وفق موازين القوى القائمة عالميا أن تواجه أي ضغط عليها للتخلي عن مشروعها وتسلحها النووي.
ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل تواصل على مر السنين ابتكار أسلحة فتاكة، لم يعرفها العالم بعد، فبالإضافة إلى الأسلحة البيولوجية والجرثومية، التي أنتجتها في معهد "نس تسيونا" وغيره، فقد بدأت في السنوات القليلة الأخيرة بالاتجاه نحو ابتكار أسلحة تعتمد التقنية "النانوية"، لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وقد تم تعريفها في موسوعة "ويكيبيديا" بما يلي: "مصطلح نانو الجزء من المليار، فالنانومتر هو واحد على البليون من المتر. ولكي نتخيل صغر النانو متر نذكر ما يلي، تبلغ سماكة الشعرة الواحدة للإنسان 50 ميكرومترا أي 50 ألف نانو متر، وأصغر الأشياء التي يمكن للإنسان رؤيتها بالعين المجردة يبلغ عرضها حوالي 10 آلاف نانو متر، وعندما تصطف عشر ذرات من الهيدروجين فإن طولها يبلغ نانو مترا واحدا".
ويتم استخدام هذه التقنية في العالم في الشؤون المدنية، إلا أن الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، الذي أعلن رعايته الخاصة لهذا المشروع منذ عامين وأكثر، فقد تحدث بوضوح عن أن الصناعات الحربية الإسرائيلية تعمل على ابتكار أسلحة "مذهلة" حسب قوله، تعتمد هذه التقنية، وانه قرر جمع الدعم المالي من كافة أنحاء العالم، من أجل دعم هذه الصناعة الحربية، التي لا يبدو أنها اقل فتكا مما اخترعته إسرائيل وغيرها حتى الآن.
بغض النظر عن الموقف من المشروع النووي الإيراني التسلحي، في حال وجوده أصلا، فإن إسرائيل لا يحق لها إطلاقا أن تكون شريكة في الحوار العالمي حول هذا المشروع واشكالياته، لأنها هي أصلا مصدر خطر إقليمي من الدرجة الأولى، وليس فقط بسبب تخزينها لأسلحة نووية خطيرة أنتجتها، بل لأن مفاعلها النووي الذي بدأت ببنائه في العام 1956، وبدأ العمل بعد ذلك بثلاث أو أربع سنوات، بات يشكل تهديدا نظرا لقدمه، ويؤكد خبراء إسرائيليون أن هذا المفاعل كان يجب إغلاقه منذ سنوات طويلة، قبل أن يتسبب بكارثة إقليمية في حال خلل فيه، خاصة وأن المفاعلات النووية "من جيله" في العالم، قد تم إغلاقها منذ زمن طويل.
إذا كانت حقا هناك وكالة دولية للطاقة النووية، وإذا كان بالفعل اهتمام عالمي بحماية العالم من الأسلحة النووية، فعليه أن يصب ضغطه على إسرائيل بالأساس حيث الترسانة الأخطر في المنطقة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر