إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إرهابيو الخليل صنيعة الاحتلال

السبت 6/12/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

ظهرت إسرائيل الرسمية في الأيام الماضية كمن تقف صفا واحدا ضد إرهاب مستوطني مدينة الخليل المحتلة، والاعتداءات المكثفة التي نفذوها على أهالي المدينة الفلسطينيين، التي طالت حتى قوات الاحتلال، ولكن في حقيقة الأمر فإننا أمام مشهد إسرائيلي زائف، مزور للحقيقة الواضحة، وهي أن من يرعى عصابات المستوطنين الإرهابية ويدعمهم على مدار الساعة، هي المؤسسة الحاكمة بشقيها السياسي والعسكري.
فقبل أيام أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا يقضي بإخلاء المستوطنين من بيت فلسطيني استولوا عليه بالقوة بعد أن زوروا وثائق بيع وشراء، وادعوا أنهم اشتروه من صاحبه الفلسطيني، الذي نفى هذا بشدة ورفع دعوى إخلاء، وبدلا من تباشر قوات الاحتلال بتنفيذ الأمر راحت تفاوض المستوطنين، ليخلوا المبنى بمحض إرادتهم، إلا أنهم رفضوا وحولوا الموقع إلى بؤرة إرهابية جديدة، للانطلاق بجرائم إرهابية ضد أهالي الخليل الفلسطينيين، ووصلت إلى حد الاعتداء على المساجد وكتابة شعارات مهينة للرسول الكريم، وفقط بعد مرور أيام من الاعتداءات والعربدة في شوارع الخليل، تم اخلاء البيت.
ففي مدينة الخليل المحتلة، حيث الحرم الإبراهيمي الشريف، بؤرة استيطانية يقيم فيها نحو 400 مستوطن، من أخطر العصابات الاستيطانية، وأشدها إرهابا، في غالبيتهم الساحقة جدا، إذا لم يكونوا كلهم من حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة حتى في الولايات المتحدة، كما أن إسرائيل نفسها أصدرت قرارا خجولا في العام 1994 يحظر هذه الحركة، ولكنها ناشطة برعاية السلطة الإسرائيلية دون أي عائق.
وشكلت هذه البؤرة على مر عشرات السنوات دفيئة لعناصر الارهاب، الذين يتلقون تعاليمهم في ما يسمى بـ "معهد ديني"، ومن هناك انطلقت أخطر العمليات الإرهابية التي نفذها المستوطنون على مر السنين ضد الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، إن كان في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، أو في مناطق 1948، وسجلت هذه الجرائم ذروة في مجزرة الخليل في شهر فبراير (شباط) من العام 1994، التي راح ضحيتها أكثر من 50 فلسطينيا.
وقد وقعت تلك المجزرة في قلب الحرم الإبراهيمي الشريف، حين كان المصلون يؤدون الصلاة، وهذا بعد أشهر قليلة من انطلاق مسار أوسلو التفاوضي، وبدت إسرائيل مُحرجة أمام هذه المجزرة، فأصدرت قرارا يحظر حركة "كاخ" التي كان يتزعمها الإرهابي مئير كهانا، الذي تمت تصفيته في نيويورك في العام 1990.
ولكن هذا القانون لم يكن له أي أثر على أرض الواقع، بل إن نشيطي الحركة استمروا في تحركهم بشكل حر دون أي عائق، وأقاموا حركات متعددة منبثقة عن هذه الحركة، وأقاموا نصبا تذكاريا للسفاح باروخ غولدشتاين، منفذ المجزرة، ليمجدونه بعد أن جعلوه "قديسا يهوديا".
واستمرت حكومات الاحتلال على مر السنين بتقديم كل الدعم والحماية للحي الاستيطاني في الخليل، دون أن تستجيب إسرائيل لدعوات كثيرة لإخلاء المستوطنين من المدينة، الذين وجودهم يقيد حركة أكثر من 200 ألف فلسطيني في الخليل والقرى المجاورة لها، إذ تستمر سلطات الاحتلال بالتنكيل بأهالي المدينة بشتى الطرق مثل إغلاق السوق في البلدة القديمة التاريخية من أجل راحة المستوطنين، وغضت النظر عن استيلاء هذه العصابات على بيوت الفلسطينيين وغيرها من الجرائم.
في الأيام الأخيرة تسابق ساسة إسرائيل، على مختلف مستوياتهم، إلى المنابر الإعلامية لينددوا بجرائم المستوطنين، ولكن لم يذكر أي منهم جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين، بل اقتصر تنديدهم على الاعتداءات على جنود الاحتلال.
ولعل من ابرز تعليقات المحللين والكتاب السياسيين الذين انتقدوا تصرف حكومات إسرائيل، كان الكاتب السياسي في صحيفة "معاريف"، عوفر شيلح، الذي وجه أصابع الاتهام مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية، وقد افتتح مقاله كاتبا، "قولوا، هل هناك حقا من هو متفاجئ مما يجري في الخليل؟"، ويضيف، "كلهم متهمون، رئيس الحكومة ووزير الأمن (الحرب)، اللذين كسابقيهم، يمضون الوقت في مفاوضات عقيمة مع أشخاص يضللونهم (المستوطنون)، على أمل أن تحل أعجوبة ويوافق هؤلاء على أن يخلوا (البيت) فجأة وبمحض رغبتهم، كذلك فإن المتهمين أيضا هم قادة الجيش الإسرائيلي، الذين ما يزاولون يواجهون المنفلتين بشكل جبان".
ويصيب شيلح كبد الحقيقة في هذه الزاوية، ولكن مطلب اخلاء المستوطنين كليا من مدينة الخليل تراجع كليا، حتى لدى أوساط إسرائيلية موقفها متقدم نسبيا من العملية التفاوضية، وكما يظهر فإن إسرائيل تصر على أن تكون الخليل نقطة انفجار ونسف لأي حل قد يتم التوصل له مستقبلا.
وهذا ما تجلى بشكل واضح في خطاب رئيس الحكومة المستقيل إيهود أولمرت، الذي قال "إن الجدل حول أرض إسرائيل (فلسطين التاريخية) شرعي، كما أن الرغبة في الحفاظ على تواجد يهودي في أقدس وأهم مدننا هو أنر مفروغ منه"، ويضيف قائلا، "إنني أحب (مدينة) الخليل اليهودية، واحترم من دون حدود محبي وسكان وحراس المدينة (يقصد مستوطني الخليل)"، قبل ان يدعوهم إلى إخلاء البيت المذكور، وفي هذا إشارة واضحة إلى تأييده إبقاء البؤرة الاستيطانية في مدينة الخليل المحتلة، حتى في إطار الحل الدائم مع الفلسطينيين.
وهذا كلام صادر عن إيهود أولمرت، الذي بعد شهرين سيخلي منصبه، ليكون مجرد بضعة أسطر في الأرشيف الإسرائيلي، ولكن أولمرت هذا، أثار قبل نحو ثلاثة أشهر "ضجة" إسرائيلية وعالمية، حين راح يتحدث عن شكل الحل مع الفلسطينيين، وقال "على إسرائيل أن تقبل بالانسحاب من الضفة شبه كامل، على أساس حدود يونيو 1967، ولكن مع بعض التعديلات"، وهنا يوضح أولمرت عن أي تعديلات يتحدث، فهي ليست مجرد "بعض التعديلات"، بل ترسيخ واضح لاحتلال أهم مناطق الضفة الغربية المحتلة.
إن الرسالة الصادرة عن إسرائيل في الأيام الأخيرة، والمتمثلة بالاعتداءات الإرهابية التي نفذها مستوطنو الخليل وبتواطوء واضح من قوات الاحتلال، إنما يؤكد وجهة إسرائيل في المرحلة المقبلة، فهي تبحث عن انفجار أوسع، على أمل أن يعيد مثل هذا الانفجار ترتيب الأوراق من جديد في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر