إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



عنصرية القضاء الإسرائيلي تسجل ذروة

السبت 13/12/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

لا تكف إسرائيل عن الادعاء بأن جهازها القضائي "نزيه وعادل"، إلا أن المعطيات المتتالية والقرارات الصادرة عن المحاكم الإسرائيلية، تؤكد الطابع العنصري لهذا الجهاز، وفي الآونة الأخيرة سجل ذروة جديدة في كمية القرارات الصادرة عنه، وتبرئة عدد من أخطر المجرمين الإرهابيين من بين مستوطني الضفة الغربية المحتلة.
وكانت الاعتداءات الإرهابية التي شنها المستوطنون اليهود على الأهالي الفلسطينيين في مدينة الخليل قبل أكثر من أسبوع، فرصة جديدة لكشف الطابع العنصري لهذا الجهاز العنصري، إلى درجة أنه حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية ومن بينهم كتاب وصحفيين لم يتحملوا هذا المستوى من القرارات.
فقد وثقت كاميرات عديدة وشهود عيان كيف أن أحد المستوطنين أطلق النار الحي على الأهالي الفلسطينيين، واضطرت شرطة الاحتلال لاعتقاله، إلا أن القاضية في المحكمة الإسرائيلية، التي هي بحد ذاتها من مستوطني الضفة الغربية، أمرت بإطلاق سراحه، ثم وجهت انتقادات حادة للشرطة الإسرائيلية بزعم أنها "تميز ضد المستوطنين" ولم تبادر لاعتقال الفلسطينيين الذين كانوا ضحية إطلاق النار.
وقبل أيام من هذا القرار رفضت المحكمة أكثر من مرّة قرارا إسرائيلية بابعاد واحد من أخطر الإرهابيين اليهود في الخليل عن منطقة مجاورة لبيوت فلسطينيين، ورغم انه استولى على الأرض عنوة إلا أن المحكمة اعتبرت تواجده على قطعة الأرض "حق له".
وقد عرفنا على مر السنين كيف تعامل القضاء الإسرائيلي حتى مع جرائم القتل التي ارتكبها المستوطنون والإرهابيون اليهود وكان ضحاياها من العرب، فقد كان يبدأ الأمر في ظروف الاعتقال، وغالبا جدا ما يتم إطلاق سراح القتلة، وعدم استمرار اعتقالهم إلى حين المحاكمة، كما هي الأنظمة والقوانين في ما يتعلق بجرائم كهذه، ثم تقدم النيابة العامة لوائح اتهام مخففة، لنرى لاحقا أحكاما أقل حتى من مستوى لائحة الاتهام المخففة.
وحتى وإن رأينا في بعض الأحيان أحكاما بالمؤبد (مدى الحياة) على مجرمين كهؤلاء، يسارع رئيس الدولة، أي كان وفي جميع المراحل، إلى منح عفو رئاسي يقضي بتخفيض حاد في محكوميته، وهنا قد نورد نموذجا واحدا لعدد كبير من الحالات، فقد فرضت محكمة في العام 1991 على الإرهابي عامي بوبر بالسجن 7 مؤبدات، إضافة إلى 20 سنة أخرى، بعد أن ارتكب مجزرة راح ضحيتها سبعة عمال فلسطينيين، إضافة إلى عدد آخر من المصابين.
وبعد عام أو اثنين، جعل الرئيس الإسرائيلي حكمه بالكامل 40 عاما، كتمهيد لتخفيض إضافي، ولكن هذا لا يكفي، فالإرهابي بوبر يقيم في سجن مفتوح، يقيم فيه خمس ليالي فقط في الأسبوع، ويغادره يوميا إلى معهد ديني، في حين يمضي عطلة نهاية الأسبوع لدى عائلته، وقد سمح له بالزواج، وقبل عام كان السبب في حادث اصطدام سيارته، فقتلت زوجته وطفله عندما كان يمضي فترة نقاهة على بعد مئات الكيلومترات من بيته، والآن يطالب الزواج ثانية، وهو المفروض ان يكون في السجن.
ونعرف عددا كبيرا من القتلة اليهود الذين باتوا خارج أسوار السجن يتجولون بشكل حر، ومن بينهم من ينافس على مقاعد برلمانية، بعد أن أمضوا عامين أو ثلاثة على الأكثر، بدلا من عشرات السنوات التي فرضت عليهم بداية.
وما يجري في المحاكم الإسرائيلية ليس ظاهرة جديدة، والجديد فيها أنها استفحلت، ولكن دون أن إجراء إسرائيلي يمنع استفحالها، مما يعني تماشي وموافقة المؤسسة الإسرائيلية على هذا النهج العنصري الذي يبرر الجريمة طالما أن ضحاياها من العرب.
قبل أقل من ثلاث سنوات، صدرت دراستان في إسرائيل، الأولى جامعية، والثانية عبارة عن تقرير حقوقي، تثبتان بالمعطيات الموثقة مدى العنصرية المتفشية في جهاز القضاء الإسرائيلي، وتبين أن الأحكام التي تفرضها المحاكم الإسرائيلية على فلسطينيي 48، الذين بموجب القانون هم "مواطني إسرائيل"، أكثر بأضعاف من تلك التي تفرض على المواطنين اليهودي، في نفس المخالفات والجرم بتفاصيله الدقيقة، وعلى الرغم من مرور فترة طويلة جدا على صدور هذه الدراسات المثبتة بالأرقام والمعطيات، إلا أنه لم تكن أية مبادرة لتغيير الوضع القائم، لا بل إن المؤسسة الإسرائيلية تسعى إلى وسائل جديدة لتعميق هذا النهج.
فعلى الرغم مما ذكر، إلا أنه ما تزال، حتى الآن، في القضاء الإسرائيلي بعض نقاط الضوء القليلة، وهو الحيز المحدود الذي بالإمكان المناورة فيه، في إطار مقارعة المؤسسة الإسرائيلية بأدواتها، هذا في ما يخص بشكل خاص فلسطينيي 48، وقد صدرت في فترات متباعدة بعض القرارات التي منها ما نقض بعض القوانين العنصرية، أو قرارات كانت موجهة ضد شخصيات سياسية عربية وغيرها.
وحتى ندرة هذه القرارات أقلقت مضاجع ساسة إسرائيل، الذين جاهدوا في السنوات الأخيرة لسن قوانين من شأنها أن تحد من صلاحيات المحكمة العليا، وخاصة في ما يتعلق بصلاحيات تدخلها في إلغاء قوانين أقرها البرلمان الإسرائيلي، خاصة وأنه لا يوجد في إسرائيل دستور دولة، يكون مرجعية للقوانين الأساسية التي يتم سنها.
وحاولت حكومات إسرائيل في السنوات الأخيرة، وخاصة حكومة إيهود أولمرت، التي باتت حكومة انتقالية، كثيرا تغيير آلية تعيين القضاة، وإعطاء وزن أكبر للمستوى السياسي (الحكومة والبرلمان) في تعيينهم، وبالإمكان فهم القصد من وراء هذا، إذا تنبهنا إلى حقيقة ان إسرائيل تجنح أكثر نحو اليمين المتطرف من عام إلى آخر.
إن العنصرية المستفحلة في جهاز القضاء الإسرائيلي ليس حالة شاذة، بل هذا هو المشهد العام في إسرائيل، إذ لم تعد زاوية كبيرة كانت أم صغيرة في سدة الحكم الإسرائيلي، وبكافة أذرعه، إلا ويطغى عليها الطابع العنصري الشرس، ليس فقط ضد المواطنين العرب، وإنما حتى ضد أي فرصة للانفراج والحل الاقليمي، ومهما صغر حجم هذه الفرص.
إذا كان البعض يركض نحو جنوب أفريقيا لفحص مدى ملاءمة عنصرية إسرائيل بنظام الأبرتهايد الذي كان قائما هناك، فإن الحقيقة تقول، إنه لو كان الأبرتهايد ما زال قائما، لتعلم الكثير الكثير من عنصرية إسرائيل.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر