إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



التهدئة والانتخابات الإسرائيلية

السبت 20/12/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

انتهت أمس الجمعة فترة "التهدئة" بين الاحتلال الإسرائيلي وقطاع غزة، التي أعلن عن بدئها رسميا قبل ستة أشهر، ولكنها لم تصمد طيلة هذه الفترة، وقد انهارت عمليا قبل أكثر من شهر، بعد أن هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجموعة فلسطينيين وقتلت عددا منهم، ومنذ ذلك الحين جرى استئناف إطلاق القذائف من قطاع غزة باتجاه بلدات ومواقع إسرائيلية.
من الصعب توقع كيف ستتطور الأمور في الأيام القريبة، ولكن الاتجاه الغالب هو تدهور الأوضاع الأمنية، بشكل قد نعرف فيه كيف بدأ، ولكن من الصعب معرفة كيف سينتهي هذا التدهور.
إلا أن ما هو واضح منذ الآن، أن إسرائيل مهدت لهذه الأجواء منذ أشهر، وكان همّها خلق رأي عام لدى دول القرار بأن انهيار التهدئة لم يكن بسببها، بل بسبب إطلاق القذائف من قطاع غزة، "وهو الأمر الذي لا يمكن لإسرائيل أن تستمر في تحمله"، كالعبارة التي يرددها وزير الحرب إيهود باراك.
وكان واضحا طيلة الأشهر الماضية أن إسرائيل لم تتخلى عن مخططها الاستراتيجي في ما يتعلق بقطاع غزة، الذي أفرغت مستوطناتها منه، لتحوله إلى سجن كبير، وهو حرمان هذه البقعة الفلسطينية من حياة طبيعية وعدم فسح المجال أمام أي سلطة قائمة في قطاع غزة لإثبات نفسها في إدارة المجتمع، تكون نموذجا مصغرا لدولة فلسطينية، إذ تعتقد إسرائيل أنه في حالة كهذه ستتعرض لضغوط دولية لتستمر في إخلاء مستوطنات الضفة الغربية، وبهذا فإن رسالتها أمام دول القرار تزعم "أن الفلسطينيين ليسوا قادرين على إدارة أنفسهم".
بسبب الأوضاع السياسية الجارية في إسرائيل، وخاصة أنها على أبواب حملة انتخابية برلمانية، فإنه ليس من الممكن عدم إدراج التهدئة ضمن الجدل الانتخابي، وهذا على الرغم من أن المقرر الأساسي في قضية كهذه تبقى المؤسسة العسكرية والأمنية، التي تترك حيزا ضيقا للمناورة السياسية الداخلية.
ولهذا فإن هناك من المحللين الاسرائيليين، ومن بينهم أليكس فيشمان في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، يتوقعون أن إسرائيل لن تشن اجتياحا واسع النطاق على قطاع غزة، بسبب الأوضاع السياسية الداخلية، ولكن فيشمان وغيره لا يتوغلون في حقيقة ما يجري في هذه الزاوية بالذات.
في هذه الأيام نحن أمام خطابين مركزيين في إسرائيل، الأول يقوده وزير الحرب، إيهود باراك، الذي يستند إلى أحد ألقابه أمام الشارع الإسرائيلي: "السيد الأمني"، والى جانبه كبار جنرالات الجيش، وينجر نحوهم رئيس الحكومة المستقيل إيهود أولمرت، الذي يفقد يوميا قيمته شيئا فشيئا، لكونه لا يتنافس في الانتخابات القادمة.
ويختار باراك وجنرالاته عبارات تطغى عليها "الدبلوماسية الرسمية والشعور بالمسؤولية"، إذ يزعم أن إسرائيل معنية باستمرار التهدئة، "ولكنها لن تتحمل طويلا استمرار إطلاق التهدئة، لقد أصدرت تعليماتي للجيش للتخطيط لعملية ضد قطاع غزة، ونحن لن نرتدع عن شنها، ولكننا لن نسرع إلى عملية كهذه، كل شيء محسوب ومدروس".
وهو خطاب بالإمكان القول إنه يحمل الشيء ونقضيه، موجه بالأساس إلى الأسرة الدولية، ولكن أيضا إلى جمهور معين داخل الشارع الإسرائيلي، أما على أرض الواقع فإن باراك يكثف كل الإجراءات التي من شأنها أن تزيد الضغط على قطاع غزة وتقوده إلى الانفجار نحو إسرائيل، وعلى رأس هذه الإجراءات استمرار الحصار التجويعي، ثم تنفيذ عمليات قصيرة وسريعة، واغتيال مقاتلين، تحت شعار: "قمنا بتصفيتهم خلال أعدادهم لعملية ضد إسرائيل، أو حين كانوا يطلقون القذائف"، وهي كليشيهات جاهزة، تصدر بعد كل عملية إسرائيلية.
وبعد انفجار كهذه سيظهر باراك أمام الأسرة الدولية المنحازة لإسرائيل أصلا، كمن "اضطر لشن عملية على غزة، وهو لم يكن يريد الإسراع نحوها".
من جهة أخرى، فإن أبواق وقارعي طبول الحرب التقليديين لم يكفوا عن الدعوة لشن عدوان واسع النطاق على قطاع غزة، والجديد في الأمر هو انضمام شخصيات سياسية أخرى، كانت تتقنع، حتى وقت قريب، بمظهر "الدبلوماسية المعتدلة"، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، ومعها النائب الأول لرئيس الحكومة الإسرائيلية حاييم رامون، وغيرهما، في حين أن لا جديد في أن هذه الدعوة صادرة أيضا عن زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو وزمرته.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي يدفع ليفني، التي حسب المنطق الداخلي في إسرائيل، من الأفضل لها أن تجري الانتخابات في ظل أجواء أمنية هادئة، وليس على صوت المدافع، لأن في أجواء كهذه، كما علمت التجربة، فإن الشارع الرئيسي يتجه أكثر إلى "رمز القوة"، أي لليمين المتشدد.
والتفسير الأقرب إلى الواقع، هو اعتقاد ليفني بأن تدهور الأوضاع الأمنية أمام قطاع غزة لا يمكن أن يستمر من دون عدوان إسرائيلي واسع النطاق على قطاع غزة، وفي حل شنه، فإن العدوان سيظهر بشراسة لم نعهدها حتى الآن، ومن مؤشرات هذا، هو التضخيم الدائم للقدرات العسكرية التي بحوزة الفصائل الفلسطينية، وهو أسلوب إسرائيلي معروف، لتبرر إسرائيل لنفسها ومسبقا شراستها في الحرب المتوقعة.
وهنا تتخوف ليفني ومن معها في قيادة حزب "كديما" من تجيير هذا العدوان لصالح وزير الحرب باراك، الأمر الذي يزيد من قوته الانتخابية كجنرال كبير، في حين أنه ليس لدي ليفني أية خلفية عسكرية، سوى العمل أربع سنوات في صفوف جهاز الاستخبارات الخارجية، الموساد.
وما يثبت على هذا، هو أن ليفني وفي آخر ثلاث جلسات أسبوعية للحكومة، وخلال اجتماعات الطاقم الوزاري المقلص للشؤون الأمنية والسياسية التي جرت في الأسابيع الأخيرة، كانت توجه انتقادات لاذعة إلى باراك، وتطالبه بالتحرك عسكريا ضد قطاع غزة، حتى قبل انتهاء فترة التهدئة.
ما يمكن قوله في هذه المرحلة، أن الحسابات الاستراتيجية تبقى هي المقرر لشن عدوان قريب على قطاع غزة، ولكن في هذه المرحلة بالذات، سيكون لحسابات الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية دور معين لدى اتخاذ القرار النهائي، وأي نتيجة حاصلة في الحالتين، شن عدوان أو عدمه، سيتم تفسيرها انتخابيا أيضا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر