إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



التضخيم الإسرائيلي للأسلحة الفلسطينية

الخميس 25/12/2008
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

من تابع الصحافة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، يجد نفسه أمام سيناريو يكرر نفسه، في كل مرّة تستعد فيها إسرائيل لشن حرب جديدة على الشعب الفلسطيني، أو على الدولة اللبنانية، تقارير مكثفة تتحدث بعدة ألسن، فيها سلسلة من التناقضات وتضارب التقديرات: "هل ستكون حرب أم لا؟"، أو "إسرائيل ليست معنية ولكنها ما العمل فإنها أمام واقع اللا مفر"، وهكذا.
وهذا ليس صدفة، فمرّة أخرى تثبت الصحافة الإسرائيلية، وعلى الرغم من حيز حرية الإعلام لديها، أنها بوق للسلطة الإسرائيلية وتلعب لعبتها، وهي مجندة لها كليا حين يجري الحديث عن "البقرة المقدسة": الأمن.
ولكن أحد أبرز هذه السيناريوهات التي تكرر نفسها، هي مناورة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي تسوقها عبر الصحافة الإسرائيلية، وهو تضخيم "قوة العدو"، وشاهدنا في الصحف الإسرائيلية وعبر شاشات التلفزة الكثير من البيانات والرسومات التعبيرية، التي تتحدث عن قدرة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، في مجال "الصواريخ والقذائف"، وتلك التي بات من شأنها أن تقطع مسافة 40 كيلومترا جوا، لتصل إلى بئر السبع ومطار عسكري شرقا، أو حتى لتضرب أحد المختبرات النووية شمالا.
ثم تتبع ذلك تقارير من نوع آخر مثل: "25% من مدارس الجنوب (الإسرائيلية) معرضة للقصف الفلسطيني" و"أكثر من 120 ألف إسرائيلي عرضة للقصف وقد يرتفع العدد إلى 200 ألف".
وما تريد إسرائيل بثه من خلال هذه الرسالة هو أن "كيانها معرض للخطر، وليس أمامها أي مفر سوى أن تحمي مواطنيها"، وهذا موجه بالأساس إلى المجتمع الدولي، تهميدا لما هو آت، ولأجل هذا فقد شرعت إسرائيل مسبقا بحملة دولية واسعة النطاق، في محاولة لترويج روايتها، وهي تعرف بالضبط إلى أين تتوجه، إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لتستبق الجريمة التي تخطط لها في قطاع غزة، وتحسبا لقرار دولي ينتقدها، حتى وإن كان قرارا خجولا كما درجت العادة.
ومقابل حديثها المكثف والمضخم عن أسلحة الطرف الآخر، إلا أنها لا تكشف للعالم أبدا ما هي مخططاتها العسكرية، وأي نوع من الأسلحة ستستخدمها في حربها المخططة مسبقا على قطاع غزة، وحتى على مناطق فلسطينية أخرى ودول عربية.
فحين تبدأ إسرائيل باستخدام أسلحة فتاكة فإن ردها جاهز على انتقادات في العالم في حال ظهورها، وحين ستقصف مباني ومؤسسات مدنية وأحياء سكنية، سيكون ردها أنها رصدت هناك "إرهابيين من حملة السلاح الذي يهدد الكيان الإسرائيلي".
وهذا ما رأيناه مرارا في قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا ما رأيناه على مدى سنوات طوال في لبنان، وخاصة خلال الحرب الأخيرة في العام 2006، فحقا إسرائيل تلقت ضربات، وقصف ببضعة آلاف من القذائف والصواريخ، ولكن لنرى ميزان الدمار الذي حصل في كل واحد من الجانبين، ولننتبه إلى نوعية الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل، إذ لم تكن تلك الحرب الأولى التي يجري فيها الحديث عن استخدام إسرائيل أسلحة "غريبة وملوثة"، وهذا عدا آلاف القنابل العنقودية، التي ما تزال تحصد الضحايا والأرواح على الأرض اللبنانية.
ولكن المشكلة لا تنحصر في الخطاب الإسرائيلي، بل للأسف فإن الخطاب في الطرف الآخر الصادر من الميدان الفلسطيني، يتناغم بشكل مباشر مع رواية الأسلحة الفلسطينية، ولنستمع إلى بيانات رنانة، حتى يخيل في بعض الأحيان أن بعض الأخوة في غزة يتحدثون عن "أسلحة دمار شامل" بحوزتهم.
بطبيعة الحال هناك ضرورة لخطاب يرفع المعنويات في الشارع الفلسطيني في إطار الحرب النفسية، ولكن يجب اتباع الحذر الشديد في خطاب كهذا، فمن ناحية يجب لفت نظر العالم إلى الجريمة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، جريمة "الموت البطيء" التي نراها من خلال حصار تجويعي لا يمكن أن يتصوره العقل البشري وأن قطاع غزة هو المهدد بأسلحة إسرائيل الفتاكة، ومن ناحية أخرى يجب وضع الأمور في نصابها من حيث مقومات المقاومة، ولا أن نجد أنفسنا من دون قصد، نردد اللازمة الإسرائيلية وكأنها بالفعل مهددة.
إسرائيل بدأت ركضها لتدفع بالتهمة عن نفسها، وتريد حصر العالم في مسألة إطلاق القذائف، وكأن الجريمة من هنا بدأت ومن هنا تنتهي، وإذا ما تتبعنا ما تنشره وسائل الإعلام المختلفة في العالم، وحتى العربية منها، فإن قسط القذائف من حصة التقارير الصادرة عن غزة، أكبر بكثير من حجمها، وهذا بحد ذاته يبلور وعيا مغلوطا في الرأي العام العالمي، وهذا مكسب صاف لإسرائيل.
إن العالم يجب ان يفهم من خلالنا حقيقة واحدة لا تقبل التأويل: إن الجريمة بدأت بالاحتلال وتنتهي بنهايته.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر