إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



اليسار الإسرائيلي والنهوض المرتبك

السبت 27/12/2008
برهوم جرايسي- العرب القطرية

مع اكتمال المشهد الانتخابي الأولي للانتخابات البرلمانية، التي ستجري في العاشر من فبراير المقبل، من حيث طبيعة الأحزاب واللوائح التي ستتنافس في هذه الانتخابات، فإن ما سيقرر لاحقا النتائج النهائية هو سير الحملة الانتخابية، ولكن أيضا سلسلة من المؤثرات الخارجية والإقليمية، التي قد تؤثر على الأكثر على ما بين 4% إلى 5% من المصوتين، ولكن أي انقلاب في أصوات هؤلاء من شأنه أن يؤدي إلى تغييرات في تسمية الحزب الأول في هذه الانتخابات، الذي سيكون مرشحا لتشكيل الحكومة الجديدة.
منذ الآن فإنه بالإمكان القول إن المنافسة تتركز بين معسكري يمين، وحسب المقاييس الإسرائيلية فهي المنافسة بين اليمين المتشدد وعلى رأسه حزبه "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو، واليمين "المعتدل" وعلى رأسه حزب "كديما" بزعامة تسيبي ليفني، التي إن تصدرت نتائج الانتخابات وشكلت الحكومة القادمة، فمجال تحالفها الأولي سيكون حزب "العمل" بزعامة إيهود باراك، وحزب "ميرتس" اليساري الصهيوني، وهذه قضية تم تناولها في مقال سابق هنا.
تتجه الأنظار في هذه المعركة الانتخابية في إسرائيل إلى الجمهور الإسرائيلي الذي منح أصواته على مر السنوات إلى اليسار الصهيوني، وحتى حزب "العمل"، الذي رغم جنوحه إلى المركز ومغازلة اليمين وفقدان أجندة سياسية واضحة، إلا أنه يتم وضعه في خانة اليسار الصهيوني.
فهذا الجمهور وبعد العام 2000، ومع التغيرات السياسية الداخلية التي بدأت بالعدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة في خريف ذلك العام، بدأ يفقد الأمل في الانفراج السياسي، وحتى وصل إلى درجة الإحباط، وقد انعكس هذا الإحباط في إحجام قسم واسع من هذا الجمهور عن المشاركة في عملية التصويت، التي شهدت هبوطا حادا في آخر عمليتي انتخابات برلمانية، وهذا ما ساهم في تعزيز قوة اليمين في داخل الحلبة البرلمانية.
فحتى العام 1999 تراوحت نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية ما بين 79% إلى 81%، إلا أنها تراجعت بشكل كبير في انتخابات العام 2003 إلى 73%، وثم جرى انخفاض حاد وغير مسبوق في انتخابات العام 2006 لتهبط نسبة التصويت إلى مستوى 64%.
وكان بالإمكان ملاحظة تراجع المشاركة في التصويت في المناطق التي تمنح غالبية أصواتها لمعسكر اليسار الصهيوني، وخاصة منطقتي تل أبيب وحيفا، بينما نسبة التصويت في المناطق التي تمنح غالبية كبيرة لأحزاب اليمين المتشدد، وأيضا لأحزاب المتدينين الأصوليين (الحريديم حسب التسمية العبرية لهؤلاء)، حافظت على نسبة تصويت عالية تراوحت ما بين 75% وحتى 90%، وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية ومنطقة القدس المحتلة والمستوطنات التي من حولها.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة، هو قرار هذا الجمهور ذو التوجهات اليسارية الصهيونية هل سيستمر في إحجامه عن المشاركة في التصويت، أم العكس، وحسب المؤشرات الظاهرة حتى الآن، فلا يبدو أننا أمام تحول جذري في هذا الأمر.
في الأسابيع الأخيرة شهدنا تحركات سياسية، إذ شكلت مجموعة من الشخصيات السياسية القيادية السابقة في حزب "العمل" إطارا يساريا جديدا، وأعلن مسبقا أن الهدف هو الانضمام لاحقة لحزب ميرتس، وخوض الانتخابات بلائحة مشتركة، وهذا ما تم في الأيام الأخيرة.
إلا أن هذا التحرك بقي محصورا على مستوى شريحة "فوقية"، ليست متغلغلة في الشارع الإسرائيلي، ولا يبدو في استطلاعات الأيام الأخيرة أن هذا التحرك زاد كثيرا من القوة المتوقعة لحزب "ميرتس" في الانتخابات المقبلة، وهي تتوقع لها من 7 إلى 8 مقاعد، بينما لميرتس اليوم 5 مقاعد.
ولكن هذه الزيادة تبقى في داخل المعسكر ذاته، الذي كما يبدو سيشهد تراجعا كبيرا في الانتخابات المقبلة، من خلال الخسارة الكبيرة المتوقعة لحزب "العمل" بزعامة باراك، الذي من المتوقع أن تتراجع قوته البرلمانية، الهشة أصلا، من 19 مقعدا اليوم إلى ما بين 10 إلى 12 مقعدا، حتى الآن، وذلك من اصل 120 مقعدا، وحين نقول قوة هشة، فهذا لأن هذا الحزب كان يسيطر ما بين 40 وحتى 49 مقعدا في الكنيست في سنوات مضت، وانفرد في حكم إسرائيل في السنوات التسع والعشرين الأولى لها.
بمعنى أنه إذا كان لحزب "العمل" و"ميرتس" مجتمعين، 24 مقعدا في الكنيست الحالي (البرلمان)، فإن أقصى ما تتوقع لهما استطلاعات الرأي حتى الآن 20 مقعدا، ولكن ليس هذا فحسب، فإذا اعتبرنا أن قسما من مصوتي اليسار، أو الوسط الأقرب لليسار، قرروا التصويت لحزب "كديما" بزعامة تسيبي ليفني، فهذا يعني أن خسارة المقاعد ستكون اكبر، لأنه من المتوقع أن يخسر "كديما" بعضا من مقاعده، ما بين 4 إلى 3 مقاعد، من أصل 29 مقعدا له اليوم.
ولكن حتى يوم الانتخابات قد نشهد بعض التأثيرات، التي قد تؤثر على النتيجة التي تتوقعها استطلاعات الرأي، فعلى المستوى الاقليمي سنرى كيف ستتطور الأمور مع قطاع غزة، وفي حال تدهورت الأوضاع الأمنية، كيف سينعكس على هذا الجمهور، والعكس أيضا صحيح.
أما على المستوى الأبعد، فإنه قبل ثلاثة أسابيع من يوم الانتخابات في إسرائيل ستدخل إلى البيت الأبيض في واشنطن إدارة جديدة برئاسة باراك أوباما، وحسب التوقعات فإن الخطاب السياسي الصادر من هناك في ما يتعلق بالشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية سيكون مختلفا نوعا ما عن إدارة بوش، حتى وإن من حيث الجوهر كان حجم الاختلاف أقل.
فخطاب كهذا من شأنه أن يشجع أوساطا في إسرائيل على الخروج من حالة الإحباط، التي تحولت أيضا إلى لا مبالاة، والمشاركة من جديد في العملية الانتخابية، على أمل أن تغيرا كهذا بالإمكان تحقيقه، خاصة وأن الخطاب الأميركي الذي قادته إدارة بوش، وتناغم بشكل كلي مع خطاب اليمين المتشدد في إسرائيل، كان له هو أيضا دور في حالة إحجام جمهور اليسار الصهيوني عن المشاركة في الانتخابات.
أمام مشهد كهذا، فإنه بالإمكان القول انه من السابق لأوانه القول إن الانتخابات في إسرائيل قد حسمت، فما يزال هناك احتمال ولو محدود لتغيير المشهد العام، ولكن الأهم هو أنه حين نتحدث عن اختلافات، فهذه محدودة، وكلا الاتجاهين يبقيان بعيدين عن مستحقات الحل الدائم، وما يتطلع له الفلسطينيون كحد أدنى في حل كهذا.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر