إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



مجازر غزة بين الاستراتيجية والانتخابات

السبت 3/1/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

لا يمكن التعامل مع المجازر التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، على أنها وليدة "ردة فعل إسرائيلية" على إطلاق القذائف التي يطلقها الفلسطينيون باتجاه مواقع إسرائيلية، بل نحن أمام حرب إرهابية تندرج ضمن مخطط استراتيجي صهيوني قائم منذ سنوات طوال، وكان يتم تعديله وفق ظروف المرحلة.
وهذا ما اعترف به وزير الحرب إيهود باراك، في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد ساعات قليلة من بدء المجازر، إذ تباهى بأن جيشه خطط لهذا العدوان منذ أشهر طويلة، من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية، ووضع الخطط التي تهدف إلى توجيه ضربة مفاجئة ولتكون مؤلمة.
وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في اليوم التالي للحرب، أن إسرائيل مارست أسلوب الخداع، لبث أوهام وكأن العدوان سيتأجل لأيام، عن اليوم الذي بدأ فيه، ولكن المؤشرات كانت واضحة جدا، من خلال أساليب تقليدية مارستها إسرائيل في الأيام الأخيرة لبدء المجازر.
ففي مقالة لكاتب السطور، نشرت هنا قبل أسبوع واحد من بدء المجازر، جاء ما يلي: في حال تم شن العدوان فإنه "سيظهر بشراسة لم نعهدها حتى الآن، ومن مؤشرات هذا، هو التضخيم الدائم للقدرات العسكرية التي بحوزة الفصائل الفلسطينية، وهو أسلوب إسرائيلي معروف، لتبرر إسرائيل لنفسها ومسبقا شراستها في الحرب المتوقعة".
وتعتمد الاستراتيجية الإسرائيلية التي تفرضها المؤسسة العسكرية الأمنية- الوصية على المشروع الصهيوني الأكبر- على القضاء على كل مقومات الحياة الفلسطينية، ليكون المجتمع الفلسطيني "عاجزا" عن المقاومة، أو عن إدارة شؤونه وسعيه لإقامة دولة مستقلة قادرة على الحياة.
وهذه الاستراتيجية تطبقت على مر عشرات السنين بوسائل مختلفة، على رأسها الحروب الدموية والمجازر، ولكن أيضا من خلال أساليب "الموت البطيء"، مثل الحصار المفروض على قطاع غزة، وبأشكال مختلفة على مناطق الضفة الغربية، وضرب مصادر الرزق والحياة الاقتصادية.
ولكن هذه الحرب تجري في أوج حملة انتخابية برلمانية بدأت في إسرائيل، ولكن من الخطورة الاعتقاد وكأن هذه الحرب الشرسة اندلعت فقط لأسباب سياسية داخلية، وخاصة الانتخابات، لأن هذا سيقلل من شأن الاستراتيجية الإسرائيلية الأخطر، التي هي الموجه الأساسي لكل سياسات الحكومات المتعاقبة، ودور العامل الحزبي في آلية اتخاذ القرار الحاسم يبقى محدودا إلى أقصى الحدود، وبالإمكان القول انه هامشي جدا.
ولكن من الطبيعي أن تنعكس هذه الحرب على الأجواء الانتخابية، وأن يسعى قادة الحكومة، وعلى رأسهم وزير الحرب، إيهود باراك، ومنافسته الأقوى منه، وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وحتى رئيس الحكومة المتهاوي إيهود أولمرت، لجني المكاسب الحزبية، على حساب الدم الفلسطيني الذي يسفك في غزة.
وهذا ما بدأت استطلاعات الرأي تتحدث عنه في الأيام التي تلت الحرب، وكان آخرها في نهاية الأسبوع الأول للحرب، إذ رأينا أن باراك بدأ ينهض من حضيض انتخابي وشعبية يرتع فيه منذ أشهر طويلة، إلى درجة أن استطلاعات الرأي في مرحلة ما توقعت هبوط قوة حزبه البرلمانية، حزب "العمل"، من 19 مقعدا اليوم إلى 8 مقاعد، من أصل 120 مقعدا في البرلمان.
وفقط في الأسبوعين الأخيرين "ارتقى" إلى مستوى 11- 12 مقعدا في هذه الاستطلاعات، أما بعد المجازر، فقد قفزت قوة حزبه إلى مستوى 16 مقعدا، بمعنى أن الحديث يجري عن زيادة بنسبة 35% خلال ثلاثة إلى أربعة أيام، وهذا يعكس جنون العظمة الذي يغرق فيه المجتمع الإسرائيلي، الذي تسيطر عليه عقلية العسكرة.
ولكن المؤشر الأهم في هذه المعطيات التي تنبعث منها رائحة الدم الفلسطيني، هو أن مجرم الحرب باراك، الذي كانت شعبيته بين الجمهور في حدود 7% كمرشح لرئاسة الحكومة، و24% كقادر على حفظ الأمن، باتت نسبة الرضى عن عمله في الشارع الإسرائيلي 53%، وهي أعلى نسبة يحصل عليها من بين السياسيين الآخرين: أولمرت 33%، ليفني 47%، وزعيم المعارضة اليمينية بنيامين نتنياهو 48%.
وبطبيعة الحال فنحن لسنا أمام نتائج نهائية، وحتى يوم الانتخابات في العاشر من فبراير المقبل، ستكون سلسلة من التطورات والأحداث التي قد تقود إلى تغيير كافة المعطيات إلى كافة الاتجاهات، هبوطا وصعودا.
وهذا ما يؤكد صحة المعلومات التي ترد في الإعلام الإسرائيلي من يوم إلى آخر، حول صراع داخلي من وراء الكواليس، بين الثلاثة باراك وأولمرت وليفني، في السعي لتجيير الحرب وإنجازاتها الدموية لنفسه أكثر من غيره من أجل جني المكاسب السياسية الحزبية، في هذه الحملة الدائرة، حتى وإن أولمرت نفسه لا يخوض الانتخابات، بل هو يسعى إلى تجميل صورته أمام الشارع الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة لحكمه.
وقالت صحف إسرائيلية، إن أولمرت وباراك يتصارعان حول من منهما صاحب قرار الحرب، فحسب مقربي أولمرت فإنه توصل منذ 14 نوفمبر إلى استنتاج بأنه لن يكون مفر من شن عدوان على قطاع غزة، بينما باراك استنتج ذلك في 17 ديسمبر الماضي.
أما رواية مقربي باراك فتقول، إن باراك كان مشغولا منذ عدة أشهر في التحضير لهذا العدوان، من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية، وأن التأخير في تنفيذها لم يكن بسبب تعزيز قوة حماس بل بسبب فحص شكل بدء العدوان وكيفية انتهائه.
وبين هذا وذاك، يظهر مقربو ليفني لينقلوا تذمرها من أن باراك لا يشركها بما فيه الكفاية في اتخاذ القرارات، واطلاعها على كافة التطورات، وهذا من منطلقات حزبية، لأن "باراك يريد أن يجني من الحرب مكاسب سياسية لوحده".
الارهاب الإسرائيلي يصل اليوم إلى ذروة جديدة، وما من شك في أنه سيستمر وستكون له ذروات أخرى، وكما كان طوال الوقت، فإنه في هذه المرحلة أيضا، يتكشف لنا مدى شراسة الاجرام الذي يتملك العقلية الإسرائيلية وساستها وعسكرها، الذي يجدون منطقا طبيعيا حسب مفاهيمهم، لبناء مجدهم السياسي على حساب الدم الفلسطيني.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر