إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



فلسطينيو 48 يكسّرون رهانات إسرائيل

الثلاثاء 6/1/2009
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

كما هي مذابح إسرائيل "مشهدا عاديا" يلازمها منذ قيامها، فإن نضال فلسطينيي 48 من أجل بقائهم في وطنهم وصمودهم والتصدي لسياسات إسرائيل وجرائمها هو "مشهد عادي" لم يتوقف على مدى السنوات الستين الماضية وأكثر، إلا أن تفاعل مئات ألوف أبناء هذا الجزء الحي من الشعب الفلسطيني له ميزة خاصة في هذه المرحلة بالذات.
فمنذ الساعات الأولى لبدء المجزرة في قطاع غزة انطلقت النشاطات الاحتجاجية في شتى المدن والقرى العربية، وما كان يحتاج لتنظيمه خلال أيام، ولو قليلة، فقد جرت خلال ساعات قليلة جدا، حين انطلقت أولى مظاهرات الألوف في مدينة الناصرة في مساء نفس اليوم، ومن ثم انطلقت المظاهرات اليومية المثيلة من أصغر التجمعات السكانية وحتى أكبرها.
وحوّلت شرطة إسرائيل وأجهزتها الأمنية بعض هذه المظاهرات إلى دامية، بالاعتداء عليها بوحشية، في محاول لردع ألوف الناس التي هرعت تنتفض ضد الجريمة، وتضامنا مع الدم الواحد المسفوك في غزة، لتأتي ذروة جديدة في هذا النضال، يوم السبت الأخير حين شارك ما بين 80 ألفا إلى 100 ألف شخص في المظاهرة القطرية (من جميع البلدات) وبدعوة من جميع القوى السياسية الوطنية في مدينة سخنين، وهذا العدد الواقعي للمشاركين، تبرز ضخامته إذا تنبهنا إلى أن عدد أبناء فلسطينيي 48 اليوم هو 1,2 مليون نسمة، موزعين على المناطق الثلاث، الشمال، حيث أكثر من نصفهم، والوسط، والجنوب.
لم يكن فلسطينيو 48 في أي مرحلة من مراحل القضية الفلسطينية على هامش النضال، بل خاضوه وفق خصوصياتهم ووفق جدولة أهدافهم من حيث أهميتها القصوى، حسب كل مرحلة، فكانت معركة البقاء التي استمرت لسنوات طوال، فهم البقية الباقية في وطنها (مناطق 48) بعد النكبة، وواجهوا العديد من مخططات الترهيب والترحيل، ولهذا فإن البقاء في الوطن هو القيمة الأسمى والأعلى للنضال.
وسوية مع هذا النضال وبشكل ملازم له، كانت قضية الأرض، والتصدي قدر الإمكان لمصادرتها وانتزاع ملكيتها، وخاض فلسطينيو 48 نضالات مريرة، كانت ذروتها في العام 1976 في يوم الأرض الخالد، الذي بات يحيه كل أبناء الشعب الفلسطيني ومعهم مناصريهم، وأيضا بتلازم لهذا كانت وما زالت معركة التصدي للسياسة العنصرية.
وكل هذه النضالات مستمرة، لأن السياسة بقيت واحدة، ولكن تغيرت تسمياتها وأشكالها، إلا أن هذه الخصوصية في النضال لم تؤجل النضال من أجل الحقوق القومية، بإقامة الدولة الفلسطينية، والتفاعل بين فلسطينيي 48 وفلسطينيي مناطق 1967 مستمر طوال الوقت، وما يبدأ "هنا" يتواصل "هناك"، وهنا وهناك هو جسد واحد ودم واحد، وهذا ما أثبت على مر السنين.
أما ميزة هذه المرحلة، فهو أن معركة فلسطيني 48 تأتي اليوم لتكسر رهانات السلطة وأبواقها الإعلامية والجوقات المرددة لها، التي رأت أنه بقتلها 13 شابا فلسطينيا شهيدا في مظاهرات تشرين الأول 2000، التي هبت لتتصدى للعدوان الواسع على الضفة الغربية وقطاع غزة، وباتت كل مظاهرة وكل معركة تقاس بعدد المشاركين فيها، وكأن هذا هو المقياس.
وعلى الرغم من حجم المشاركة ليس مقياسا، إلا أن الأعداد المشاركة في مظاهرات الأيام الأخيرة، جاءت ردا حتى على أولئك الذين راهنوا على تراجع وهج جمرة النضال لفلسطينيي 48، وقالوا كلمتهم، ويواصلوا معركتهم كما كان دائما، وأكثر.
وهذه حقيقة أدركتها أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية، التي تشن في هذه الأيام حملة جنونية، فهي لا تكتفي باعتقال المئات من أجل الترهيب، بل راحت تكثف استدعاءاتها لعدد من المسؤولين والناشطين في بعض الأحزاب، وكان الرسالة واضحة في كل هذه الاستدعاءات، "تهديد ووعيد"، وكما تأكد فإن الجواب كان واحدا: تصدينا ونتصدى ونتحدى، ومن يخاف منا، فليوقف الجريمة أولا".
فلسطينيو 48 يكسرون الرهان اليوم، ولكن هكذا هم منذ أكثر من ستين عاما، وهكذا هم اليوم، وهكذا سيبقون، جمرة النضال في حلق إسرائيل وساستها.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر