إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



العامل الأمني يحسم كل انتخابات إسرائيلية

السبت 10/1/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

أحد الأسئلة التي تطرح نفسها في الحرب الإسرائيلية الإرهابية على شبعنا في قطاع غزة، يدور حول كيفية انعكاس هذه الحرب على الحلبة السياسية الإسرائيلية الداخلية، وبالذات على نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي من المفترض أن تجري في العاشر من فبراير القريب، إلا إذا جرى تأجيلها لستة أسابيع بسبب الحرب، رغم أن هذا الاحتمال كان ما يزال ضئيلا حتى كتابة السطور.
ولكن هذا السؤال الذي جاءت الإجابة عليه سريعة، وهي تحسن الوضعية الانتخابية لوزير الحرب إيهود باراك، وحزبه "العمل"، ليرتفع قليلا من الحضيض الذي وصل إليه، يفتح موضوعا أكثر عمقا، وهو دور العامل الأمني في حسم مصير الحكم والانتخابات في إسرائيل على مر السنين.
وقد أثبتت معطيات الانتخابات البرلمانية السبعة عشر السابقة، أن العامل الأمني هو العامل الأهم، وحتى الأساسي دون منافس، الذي يحسم الانتخابات، وهذا أمر قائم أيضا في الحملة الانتخابية الجارية.
فقبل بدء الحرب على غزة، ظهر استطلاع للرأي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أشار إلى أن 43% من الذين شملهم الاستطلاع يرون أن ما يحكم قرارهم في التصويت لهذا الفريق السياسي أو ذاك، هو بقدر ما يستطيع الحفاظ على يسمى بـ "الأمن" حسب القاموس الإسرائيلي، وحسب قاموسنا يعني الاستمرار بسياسة الحرب والبطش والاحتلال والاستيطان، ومن المؤكد أنه لو طرح نفس السؤال في استطلاع آخر في أوج الحرب، لرأينا أن نسبة اللجوء إلى العامل الأمني ستتجاوز 70%، وهي الأقرب إلى الواقع.
وأشار نفس الاستطلاع إلى أن 21% فقط، من الجمهور يرى أن ما يحكم قراره هو الجانب الاقتصادي ومستوى المعيشة، في الوقت الذي تغرق فيه إسرائيل بأزمة اقتصادية، وبدء اتساع البطالة، وارتفاع نسب الفقر.
وتعرف الأحزاب الكبرى، التي تتناوب على السلطة منذ عشرات السنين، طبيعة المجتمع الذي تسعى إلى حكمه، خاصة وأنها كانت على رأس جميع الحكومات الإسرائيلية ومعها الحركة الصهيونية،
التي دأبت على تنمية مجتمع قائم على عقلية العسكرة، وأغرقته في وهم أن القوة العسكرية هي "الخلاص الوحيد لشعب إسرائيل"، بعد أن غرست فيه عقدة "الخوف من الغير"، مثل: "العالم كله ضدنا".
وهذه العقلية جعلت المجتمع في إسرائيل يتجاهل كل الأزمات الاقتصادية الاجتماعية وباقي الصراعات الداخلية المتنوعة التي يواجهها، أمام "أخطار العدو التي تداهمنا".
ولهذا فلا غرابة حين نقرأ في استطلاع جديد صدر أمس الجمعة، يشير إلى أن أكثر من 91% من الجمهور الإسرائيلي يؤيد شن الحرب، ويعارضها 3,8% فقط، فالرقص فرحا حول نيران الحرب هو مشهد قائم على مر عشرات السنين في المجتمع الإسرائيلي، الذي فقط حين يتكبد الخسائر يبدأ بطرح الأسئلة.
المسألة ليست تجريم جمهور بأكمله، فمن رؤية موضوعية نرى أن هذا الجمهور أسير دعاية أيديولوجية صهيونية مؤسساتية مبرمجة، يتم بثها على مدار الساعة، وبجميع الوسائل، بدءا من جهاز التعليم والمنهاج الدراسي، وصولا إلى صاحب الدور الأكبر، الإعلام الإسرائيلي، الذي يتوهم البعض بأنه "إعلام حر"، ولكنه على أرض الواقع هو إعلام مُجنّد كالقطيع وراء "البقرة المقدسة" التي اسمها "جيش وحرب".
وبالإمكان معرفة مستوى جنون العظمة والغطرسة في الأجواء العامة في إسرائيل، من خلال مشاهد الارتياح والانفراج على وقع المجازر الدائرة في قطاع غزة، التي نشعرها بقوة في استوديوهات الأخبار التلفزيونية والإذاعية الإسرائيلية، وأيضا في الصحف والانترنت.
ففي الماضي كنا نسمع "أصوات نشاز" من الصحفيين وصنّاع الرأي في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تعترض على الحرب منذ ساعاتها الأولى، ولكن هذه الأصوات تلاشت شيئا فشيئا، وبات عددها لا يكمل عدد أصابع اليد الواحدة، محصورة في صحيفة واحدة، لا أكثر، بينما هي مغيبة كليا عن الإعلام الالكتروني.
أمام واقع كهذا، نجد أن الأحزاب الكبرى تحافظ على تقليدها القديم الجديد، بحفظ مكانة خاصة للجنرالات، ليكونوا عنوانا للناخب، الذي يبحث عن رموز القوة ليحسم قراره الانتخابي، ويحتل هؤلاء الجنرالات مكان الصدارة في الحملات الانتخابية لهذه الأحزاب.
ففي حزب "العمل" نجد أن في الأماكن العشرة الأولى في لائحة ترشيحات الحزب للكنيست ثلاثة جنرالات، أولهم وزير الحرب الحالي، وقائد أركان جيش الاحتلال الأسبق، إيهود باراك، الذي أول ما يتباهى به، هو أنه في سنوات السبعين تخفى بزي امرأة في بيروت لينفذ جرائم اغتيال ضد شخصيات فلسطينية، ومعه على اللائحة الجنرال احتياط متان فلنائي، الذي يتولى حاليا منصب نائب وزير الحرب، كما نجد الحاكم العسكري الأسبق في الضفة الغربية المحتلة بنيامين بن أليعيزر.
والحال ذاته نجده في حزب "كديما" الذي تتزعمه وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي تترك "للمصادر" تتحدث عن ماضيها في جهاز المخابرات الخارجية "الموساد"، الذي عملت فيه أربع سنوات فقط، ولكنها كانت كافية لأن تشارك في تخطيط عملية اغتيال جرت في فرنسا، حسب مصادر غربية.
ولكن في لائحة "كديما"، نجد أيضا، رئيس الأركان الأسبق لجيش الاحتلال شاؤول موفاز، الذي يتباهى بسياسة الاغتيالات التي تبناها بقوة حين كان وزيرا للحرب في حكومة أريئيل شارون السابقة، وأيضا حين كان في منصبه العسكري، وفي اللائحة أيضا الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة "الشاباك" آفي ديختر، المعروف بمواقفه الشرسة، ليأتي من بعده في مواقع متأخرة، ولكنها مضمونة، نائبين سابقين لرئيس الشاباك، غدعون عيزرا ويسرائيل حسون، وكلاهما معروفين بمشاركتهما في تعذيب المعتقلين في المعتقلات الإسرائيلية.
ثم نأتي لحزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي كما يبدو ليس بحاجة للكثير من الجنرالات ليثبت مدى تشبثه بعقلية الحرب والاحتلال، ورغم ذلك ففي الأماكن المتقدمة لديه رئيس أركان أسبق لجيش الاحتلال، موشيه يعلون، الذي اغتال بيديه القائد الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) في بيته في تونس في أبريل العام 1988، عدا عن جرائم وحروب قادها ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.
في الدورة المنتهية للكنيست الإسرائيلي رأينا ارتفاعا حادا في مستوى العنصرية الشرسة والعداء لآفاق الحل، ولكن طبيعة اللوائح المرشحة في الانتخابات المقبلة تعلن أننا مقبلين على ذروة جديدة لعقلية الحرب التي سيتبناها الفريق السياسي الفائز، وأي كانت جهته.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر