إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



مجازر غزة تهمد لذروة عنصرية جديدة

السبت 17/1/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

علّمت تجارب التاريخ أن الأنظمة الفاشية والعنصرية وصلت إلى الحكم في القرن الماضي من خلال العملية الديمقراطية، ثم انفردت في الحكم وأجهزت على معالم الديمقراطية، أما إسرائيل، فإن الأيديولوجية التي قامت عليها، الصهيونية، هي نموذج لأنظمة عنصرية، ولهذا لست من دعاة تشبيهها بأي نظام عنصري في التاريخ القريب، لأنه لو كانت تلك الأنظمة ما تزال قائمة، لاتخذت الصهيونية ونظام حكمها نموذجا لها.
والنموذج الإسرائيلي يقول إن العنصرية الصهيونية التي بدأت كنموذج موجه ضد فلسطينيي 48، لم تتوقف في أي مرحلة من المراحل التي عايشتها إسرائيل، لا بل إنها تستفحل في السنوات الأخيرة، لتصل إلى ذروة غير مسبوقة، وإذا كان الخطاب الرسمي حاول حتى الماضي القريب تغليف عنصريته بديباجات وأشكال مختلفة للتستر عليها، فإنه اليوم لم يعد يجد أي حرج في التستر على شيء.
هذه الأجواء التي أصبحت الجو السائد في إسرائيل في السنوات الأخيرة، سجلت في ذروة جديدة في الأيام الأخيرة، مع بدء الحرب الإرهابية الإسرائيلية على قطاع غزة، مع انتشار أجواء الغطرسة والعربدة، وهذا ما يمكن أن نلمسه في كل زاوية وفي كل جانب من جوانب الحياة في الداخل.
وهذا لم يقتصر على الخطاب السياسي والشعبي في إسرائيل، أو ووسائل الإعلام فحسب، بل انعكس أيضا على الحريات العامة، إذ أن إسرائيل تركت على مر السنين حيزا بسيطا لحرية التعبير، رغم أنها تجبي ثمنه بوسائل مختلفة، وهو ليس موضوع هذه المعالجة.
أما في الأيام الأخيرة فإن الأجهزة الإسرائيلية أرادت قمع التحرك الشعبي، بالأساس لدى فلسطينيي 48، ومعهم مجموعات صغيرة من قوى اليسار المناهضة للصهيونية، وهذا ما انعكس بحالة الاستنفار الدائمة لأجهزة الشرطة في جميع مناطق فلسطينيي 48، وحاولت قمع عدد من المظاهرات التي انطلقت في كل المدن والقرى العربية، ونفذت حملة اعتقالات، لم نذكرها منذ سنوات من حيث العدد والمدة الزمنية القصيرة التي جرت فيها هذه الاعتقالات.
فحتى نهاية هذا الأسبوع بلغ عدد الذين تم اعتقالهم من بين فلسطينيي 48 أكثر من 500 شخص، أكثر من 220 معتقلا من بينهم من القاصرين، أي من تقل أعمارهم عن 18 عاما، وأصغرهم ابن 12 عاما، جرى اعتقاله مرتين، ويضاف اليهم نحو 20 إلى 30 ناشطا من قوى اليسار الإسرائيلي المناهض للصهيونية.
يضاف إلى هذا حملة ملاحقات استخباراتية إسرائيلية، لقادة وناشطين في أحزاب فاعلة بين فلسطينيي 48، وكانت الرسالة في تلك التحقيقات واضحة، وهي التهديد من توسيع حلقة الاحتجاج لفلسطينيي 48، التي سجلت في الأسابيع الأخيرة ذروة جديدة، بمشاركة حوالي 100 ألف متظاهر في أول مظاهرة وحدوية لكل الأحزاب، إضافة إلى مئات التظاهرات والمظاهرات في جميع المدن والقرى العربية.
وهذه القضية تبقى أبعد بكثير من الموضوع الآني، وهناك سلسلة من المؤشرات التي تؤكد على استفحال استراتيجية القمع واتساع حلقة الاجماع الصهيوني في الموقف العنصري من فلسطينيي 48، وهذا ما رأيناه، كنموذج، في جلسة لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، التي تتشكل من مندوبي الأحزاب الممثلة في الدورة البرلمانية المنتهية، والتي نظرت في طلب شطب لائحتي "التجمع الوطني الديمقراطي"، و"القائمة العربية الموحدة- العربية للتغيير"، فالنتيجة كانت واضحة منذ بدء الجلسة، بأن هذه اللجنة ستقر طلب منع المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وأن الأمر سينتقل تلقائيا إلى المحكمة العليا التي على الأغلب ستلغي القرار الذي لا يستند إلى أي اثبات قانوني.
ولكن الأهم في هذه الجلسة على المستوى الاستراتيجي، هو أن هذه الطلبات التي تم تقديمها من أحزاب يمينية متطرفة عنصرية، حصلت على تأييد قوى سياسية صهيونية، كانت تمتنع حتى وقت قريب عن تأييد طلبات كهذه، ولكننا شهدناها اليوم تنخرط ضمن الخطاب العنصري المتطرف ضد فلسطينيي 48، لتتحول الجلسة الصاخبة إلى أشبه بمحاكمة ميدانية ضد فلسطينيي 48 وقادتهم، وما أجج النقاش هو النشاط الدائم لفلسطينيي 48 المناهض للحرب الإجرامية ضد ابناء شعبهم في قطاع غزة.
ما يمكن استيعابه من مجريات الأمور في إسرائيل في هذه الأيام، وفي أوج "الرقص الجماعي" حول مواقد النار المشتعلة في قطاع غزة، أن إسرائيل مقبلة على ذروة خطيرة من عنصريتها المُمَأسسة، والاستراتيجية الأساسية التي يجري العمل بموجبها في المؤسسة الرسمية وأذرعها المختلفة، هي إظهار فلسطينيي 48 أعداء، وليسوا مواطنين في وطنهم، وهذا سيفسح المجال امام مفهوم أنه كل شيء مباح في التعامل مع الأعداء، وعلى جميع المستويات.
فإذا كان الخطاب الداعي مباشرة لطرد الفلسطينيين من وطنهم سمعناه، حتى الآن، من قادة المستوطنين وعصاباتهم، فإننا سنسمعه قريبا من شخصيات عسكرية وأمنية قيادية من الدرجة الأولى، بات دخولها إلى الكنيست بعد الانتخابات المقبلة مضمونا جدا، ولهذه الشخصيات رصيد كبير في الشارع الإسرائيلي مما يجعل تأثيرها على الأجواء العامة في إسرائيل أضعاف من سبقوهم في هذه الدعوة.
وهذا بطبيعة الحال ليس مجرد توقعات، بل تستند إلى سلسلة من استطلاعات الرأي التي جرت في السنوات الأخيرة وحتى قبل أشهر قليلة، فجميعها أشار إلى أن ما بين 48% وحتى 55% من اليهود في إسرائيل (نتائج متباينة) تؤيد "تحفيز" العرب على مغادرة وطنهم، وكلمة تحفيز هنا، مدخل لعدة وسائل، إما من خلال الطرد بالقوة، أو فرض سياسة ضاغطة وتضييق خناق، وغيرها من الوسائل.
كل هذا يقود إلى أن فلسطينيي 48، وبوصفهم "الخطر الاستراتيجي الأكبر على كيان إسرائيل"، كما قال زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو ذات مرة، أمام مرحلة تحدي جديدة، في صلبها ستكون معركة بقاء جديدة، كتلك التي فرضت عليهم بعد النكبة في العام 1948، وإن من الممكن أن تكون بأشكال مختلفة، تلائم جرائم العصر الحالي.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر