إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



أي وقف للنار بعد هستيريا الدم؟!

الاثنين 19/1/2009
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

تجربة الإجرام الإسرائيلي لا تشجع إطلاقا على توقع ثبات وقف إطلاق النار الذي أعلنته إسرائيل، لأنها أبقت على الفتيل الذي ستتذرع به من أجل أن تضرب ضربة أخرى بزعم "الرد" مطمئنة إلى "تفهم" دول القرار في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة، وعلى الأغلب فإن القرار الإسرائيلي هو قرار ثعلبي متحايل، لتبرير المذبحة القادمة.
والى حين مرور أيام للتأكد من حقيقة الموقف الإسرائيلي، من الجدير إلقاء نظرة على رد فعل القوى السياسية الإسرائيلية المرشحة لتولي إدارة الحكومة الإسرائيلية بعد الانتخابات المقبلة في العاشر من شباط (فبراير) المقبل، فقد سارع حزب "الليكود"، وأحزاب المستوطنين من حوله، تنتقد قرار الطاقم الوزاري المصغر، حتى قبل أن يصدر، وراحت تطالب باستمرار المجزرة "إلى أن يتم القضاء كليا"، على كل ما تسميه إسرائيل بـ "القدرات العسكرية" في القطاع.
وهذا رد لم يأت من فراغ، بل هو انعكاس للجو العام الذي رافق الحرب الإرهابية التي شنتها إسرائيل، منذ اللحظات الأولى لبدئها واستمر طيلة أيام العدوان والمجازر، وكما يبدو ستستمر طالما استمرت الحرب.
فحقا أنه لم تكن حرب شنتها إسرائيل، وهي تشن كل الحروب، إلا وحظيت بتأييد ساحق في الشارع اليهودي، ولكن لا أحد بإمكانه أن يتذكر حجم تأييد كهذا، على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة، إذ أجمعت استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي رافقت المجزرة، على أن نسبة التأييد بين اليهود في إسرائيل تتجاوز نسبة 91%، ونسبة المعارضين بالكاد تجاوزت نسبة 3%، والباقي كانوا يرفضون الإفصاح عن موقفهم.
فعلى الرغم من التحفظ من استطلاعات الرأي، التي تجري في إسرائيل بكثافة، كونها توجه الرأي العام في قضية معينة، نحو ما تريد وسيلة الإعلام هذه أو تلك، إلا أن الوضع اليوم مختلف، كون أن ليس فقط استطلاعات الرأي التي صدرت في وسائل الإعلام بل أيضا تلك التي صدرت عن معاهد ومؤسسات مختلفة، وأجمعت كلها على المشهد العام في إسرائيل خلال الحرب.
ولم يتوقف الأمر عند تأييد شن الحرب، بل إنه على الرغم من المجازر الوحشية التي ارتكبها الجيش في قطاع غزة، فإن نسبة "المعجين بأداء" جيش الاحتلال لم تكن أقل، وكانت في أدنى حد لها بنسبة 89%، ولكنها على الغالب تجاوزت نسبة 91%، وقد يكون من بين الذين لم يعجبهم الأداء، من يطالب بدم أكثر وإرهاب أكثر، كذلك الإرهابي أفيغدور ليبرمان، الذي في دولة طبيعية فيها متجمع إنساني طبيعي، كان منذ زمن في السجون وأكثر، ويحظر عليه التماس مع المجتمع، إذ لم يُشبع بحر الدماء عقليته الإرهابية، وبات يطالب بإسقاط قنابل نووية على غزة، ومثل هذا تبشره استطلاعات الرأي بأن قوته ستزداد في الانتخابات البرلمانية المقبلة بشكل ملحوظ.
في حروب سابقة، وحتى تلك التي شنتها إسرائيل على شعب لبنان في العام 2006، كنا نسمع أصواتا من داخل حلقة الكتاب المركزيين وصنّاع الرأي، يرفضون الحرب، ولكن في هذه الحرب اختفى هؤلاء، فإما أخفوا أنفسهم، أو أيدوا الحرب، باستثناء كاتبين وحيدين في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أحدهما، غدعون ليفي، الصوت النشاز، ولكنه الصادق دون تأتأة، والثاني عقيبا إلدار.
ومن المصادفة أنني حين كنت أكتب الفقرة السابقة، جاءتني مكالمة هاتفية، لناشطة يسارية يهودية مناهضة للصهيونية هي من قلائل، قد يكونوا بضعة آلاف أو أكثر بقليل، ولكنهم لم يصمتوا، وواجهوا بطشا من الأجهزة الأمنية في مظاهراتهم، لا أقل من ذلك الذي واجهه فلسطينيو 48، اتصلت لتسأل عن نهاية، ثم قالت: "إنهم (إسرائيل) يفعلون ما يفعلون في غزة، وبعد أيام سيبدأون بالتباكي عن اتساع مظاهر اللا سامية في العالم، قل لي بربك، ما هو أشد خطورة، اللا سامية أم اللا إنسانية التي يرتكبونها في غزة؟".
وهذا يذكرني بعدة أيام قبل هذه المحادثة، ففي أحد اللقاءات السياسية اقترب نحوي رجل يهودي في السبعينيات من عمره، كما يبدو، ليقول لي، إنني حزين وغاضب وخجل، فهؤلاء يقتلون الأطفال باسمي أنا (يقصد الأطفال)، هم جعلوني قاتل أطفال، وأنا أجلس في بيتي وأرفض جرائمهم.
ولكن هؤلاء قلة قليلة، والمشهد العام هو أن إسرائيل عن بكرة أبيها تتدفأ حول موقدة غزة، في أوج شتاء جاء قحطا، إسرائيل ترقص فرحا اليوم عن بكرة أبيها، تعد ضحايانا كجمهور يعد أهداف مباراة كرة سلة، (أهداف أكثر وأسرع)، هم وهم وحدهم، الذين ثبّتوا مقولة إنهم لا يرتدعون إلا إذا خافوا.
إسرائيل عن بكرة أبيها تجلس في قاع حضيض لم تعرفه البشرية، فإسرائيل لم ترتكب "محرقة"، وكفى استقدام مصطلحات وتسميات لأنظمة عنصرية وإرهابية في التاريخ لدمغها بإسرائيل، لأن إسرائيل هي نموذج قائم بحد ذاته ليست بحاجة لأي تشبيه، لا بل ولو كانت تلك الأنظمة ما تزال قائمة، لتعلمت من إسرائيل الكثير.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر