إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



صدق أولمرت وسيصدق باراك

السبت 24/1/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

ما أن هدأت أصوات المدافع والطائرات والسفن الحربية الإسرائيلية في المجزرة الإرهابية التي ارتكبتها في قطاع غزة، حتى اندلع نقاش صاخب داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية، وما يؤجج هذا النقاش في هذه الأيام، الحملة الانتخابية البرلمانية المتصاعدة، تمهيدا للانتخابات التي ستجري في العاشر من فبراير المقبل.
المشهد العام في إسرائيل بعد الحرب بالإمكان إيجازه ببضع كلمات، لأن ساسة إسرائيل من حكومة ومعارضة حالية، يعتبرون أن بحر الدماء والدمار الذي خلفته المجزرة الإسرائيلية في غزة هي غنائم سياسية يتسارعون لنسبها إلى أنفسهم، بمن فيهم رئيس الحكومة المستقيل إيهود أولمرت الذي لا يتنافس في هذه الانتخابات، وهو في الطريق لمعركة قضائية ضده حول تهم فساد، ولكنه يسعى إلى أن ينسب لنفسه ما تصفه إسرائيل "انتصارا" علّ وعسى يزيد هذا قليلا من شعبيته المتهالكة.
ويجري التنافس بين ساسة إسرائيل في محورين أساسيين، الأول يدور بين ثلاثية أولمرت ووزير الحرب إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، حول من هو صاحب قرار الحرب، ومن كان أكثر تطرفا، ومن الذي نجح في تجنيد تأييد الدول الأوروبية لإسرائيل، ومن الذين كان صاحب فكرة إنهاء الحرب بهذا الشكل، وغيرها.
أما المحور الثاني، فهو يضم أحزاب اليمين العنصري المتطرف بزعامة حزب الليكود الذي يرأسه بنيامين نتنياهو، و"يسرائيل بيتينو" بزعامة الإرهابي أفيغدور ليبرمان، وغيرهما، وهؤلاء يتنافسون في ما بينهم على صياغات انتقاد إنهاء الحرب "قبل التدمير الكلي" أو "قبل إلقاء قنابل نووية على غزة"، أو "قبل الإبادة الكاملة لحركة حماس"، وهكذا، وهؤلاء يعبرون أولا عما يؤمنون به من أفكار إرهابية من الدرجة الأولى، ندر مثيلها في العالم، ولكنهم أيضا يتنافسون في ما بينهم على كسب المزيد من أصوات اليمين، وهو جمهور الصوت الأعلى في إسرائيل.
ولكن الملفت للنظر في هذه "الشجار العمومي" في الحلبة الإسرائيلية هو ما يصدر عن المحور الأول، فنحن ما نزال في بدايات ما ستنشره الصحف الإسرائيلية في هذا المجال، والصحف والصحافيون ليسوا بحاجة إلى جهد زائد للوصول إلى ما كان يدور في الاجتماعات المغلقة، بل ستصلهم المعلومات من المصادر الأولى وبمبادراتها الذاتية دون جهد، طالما أن المعركة على كسب الرصيد السياسي الأكبر.
ففي الأيام الأخيرة قرأنا معلومات مخالفة لما كنا نسمعه في أوج المجزرة، فقد كانت مزاعم سابقة تزعم ان باراك أراد إنهاء الحرب في وقت مبكر، أو أنه دعا إلى وقف إطلاق نار لمدة أسبوع "لأغراض إنسانية"، ولكن صحيفة "هآرتس" ذكرت قبل أيام قليلة أن باراك كان يطالب بتوسيع الاجتياح البري قبل أسبوع كامل من انتهاء الحرب.
وبالإمكان أن نستنتج أن أولمرت لم يكن معارضا من حيث الجوهر لهذا المطلب، إلا أنه عارض باراك لأسباب إدارية واعتبارية، مثل أن باراك ابلغ أولمرت وغيره من المسؤولين العسكريين بموقفه من خلال مدير مكتبه، وليس منه مباشرة، ولربما هذا نموذج بسيط يثبت أنه لم يكن خلافا حول مبدأ سفك الدماء الفلسطينية، والخلاف بينهم كان في الصياغات والديباجات المختلفة لا أكثر.
وكما يبدو فإننا سنستفيد كثيرا من هذه الخلافات، لأن كل طرف بدأ يكشف أكثر عن خبايا الطرف الآخر، وقد بدأ هذا أولمرت نفسه، في مقابلة صحفية نشرت في اليومين الأخيرين في صحيفة "معاريف"، "ونتعلم" من هذه المقابلة أن باراك، الذي يرأس حزب "العمل"، والذي يتم زجه في خانة المؤيدين للعملية التفاوضية، كان يلح على أولمرت لبناء مئات البيوت الاستيطانية في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة.
ويقول أولمرت في هذه المقابلة، "كنت أجلس وأتحادث مع باراك من أجل إخلاء بؤرة استيطانية غير قانونية (حسب تعريفه)، وفي كل مرة كان يعرض عليّ اقتراحا بأنه مقابل إخلاء برميل أو خيمة (من هذه البؤرة)، عليّ أن ابني مئات الوحدات السكنية في المستوطنات، فهذه هذه خطته للسلام".
وتابع أولمرت قائلا، إن باراك أظهر صعوبة في التعامل مع المفاوضات التي أجراها أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني مع الجانب الفلسطيني، "ولكن مواقفه ليست بعيدة فقط عني بل أيضا عن أعضاء كنيست في حزبه"، كما يقول أولمرت.
ويستهزئ أولمرت بما يعلنه باراك بأنه يعد ما يسمى بـ "خطة سلام شاملة ستثير ضجة أكبر من المبادرة العربية"، ويقول أولمرت أن ما يعرضه هو أفضل بكثير مما يعرضه باراك في اتجاه السلام.
حقيقة أنه من الصعب طرح تفسير سياسي لقرار أولمرت كشف باراك وضربه من هذه الزاوية بالذات، لأن أولمرت لا يتنافس في الانتخابات، ولا يبدي قلقا لنجاح خليفته في رئاسة الحزب الحاكم "كديما" تسيبي ليفني، ولهذا فهناك تفسير واحد، وهو أنه يريد القضاء على ما تبقى لدى باراك من إمكانيات لكسب أصوات اليسار الوسط في الحلبة الإسرائيلية، وكما يبدو فإن هذا الهجوم على أساس شخصي.
ولكن من ناحيتنا، وأي تكن دوافع أولمرت فإنه صادق في ما يقول ضد باراك، لأنه في الأشهر الأخيرة كشف النقاب أن لدى باراك خطط لتوسيع الاستيطان حتى في المستوطنات التي تدعي إسرائيل أنها ستنسحب منها في إطار الحل الدائم.
ولكن هذا لا يعني أن أولمرت أفضل، ومن المؤكد أن الاثنين تنافسا على الأسوأ، وحين يقرر باراك "رد الصاع صاعين" كما يقول المثل الشعبي، ويقرر كشف توجهات أولمرت العدائية لأفق الحل، فإننا سنصدقه هو أيضا.
تشتد العاصفة السياسية في إسرائيل، ولا مؤشر لهدوئها، فالحملة الانتخابية تجري وفي خلفيتها المجازر والحرب "ونشوة الانتصار" المزعوم، ولهذا فإن الخطاب السياسي السائد سيتناغم مع دعوات "اقتلوا أكثر... أبيدوهم"، ولهذا فإن الحكومة المتوقعة بعد الانتخابات المقبلة ستكون أشد شراسة من الحالية.
أولمرت سيغيب عن الساحة السياسية وانجازه الوحيد، هو أنه بدأ حكومته بحربي غزة ولبنان، وأنهاها بجولة أخرى من المجازر في غزة، وبلغة الأرقام نجد أن حكومة أولمرت قتلت حوالي 3 آلاف فلسطيني ولبناني في غضون 31 شهرا، بمعدل ثلاثة في اليوم الواحد، وهذا هو ميزان الدم الذي يروق للعقلية الإسرائيلية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر