إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



سورية و"مملكة إسرائيل الكبرى"

السبت 31/1/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

أعلنت سورية في الأسابيع الأخيرة عن وقف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، إثر المجازر الإرهابية التي ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة، وجاء هذا القرار الذي فرضه واقع الجريمة ضد الشعب الفلسطيني، في خضم مرحلة تغيير في الحكم في إسرائيل من خلال الانتخابات البرلمانية التي ستجري في العاشر من فبراير المقبل.
وكما في كل انتخابات، فإننا أمام مرحلة تكشف فيها الأحزاب المتنافسة عن برامجها السياسية والاقتصادية الاجتماعية، وقد بادرت الحركة الإسرائيلية من أجل السلام مع سورية إلى حصر مواقف الأحزاب الكبرى من المفاوضات مع سورية، إن كانت مرشحة لتشكيل الحكومة أو المشاركة فيها، أو في المعارضة.
ويتضح من الاستعراض، الذي سنأتي عليه هنا، أنه لا يوجد حزب واحد في إسرائيل، من الأحزاب التي تدور في فلك السلطة، بمعنى من أقصى اليسار الصهيوني وحتى اليمين المتطرف، يتعامل مع الجولان كمنطقة محتلة، وأن على إسرائيل أن تنسحب منها من حيث المبدأ، بل إن المصطلح الشائع في أحسن الأحوال هو "التنازل" وليس الانسحاب.
ونبدأ بحزب "الليكود"، وزعيمه بنيامين نتنياهو، الذي حسب وثيقة الحركة المذكورة لم يتضمن برنامجه أي ذكر لهضبة الجولان السورية المحتلة، وهذا يعني أن مسألة المفاوضات مع سورية غير ورادة من حيث المبدأ، إذ يعتبر الليكود، أن هضبة الجولان باتت جزءا من إسرائيل، بفعل قانون الضم الإحتلالي الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في العام 1981، وعليه فإن نتنياهو، وكما أعلن طيلة الفترة الماضية، ليس لديه ما يعرضه على سورية سوى "سلام مقابل سلام".
أما حزب "كديما" بزعامة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، فإنه يلقي بالكرة في الملعب السوري، ويطالب سورية بأن "تثبت لإسرائيل أولا نيتها بالسلام مع إسرائيل، واثبات كهذا بإمكانه أن يكون فقط من خلال أن تخرج سورية نفسها من محور الشر، وأن تلغي تحالفها مع إيران، وتتوقف عن تسليح حزب الله وتطرد حركة حماس"، حسب ما جاء في برنامج "كديما".
بمعنى آخر أن ليفني وحزبها يعودان على الاسطوانة المشروخة، في محاولة بائسة لفرض إملاءات على سورية لعرقلة إجراء أية مفاوضات جدية، لأن إسرائيل تعرف أنها تفرض شروطا مهينة لدولة سيادية لها الحق في استعادة أرضها المحتلة.
وهذه الصياغة، التي تفتتح بند سورية في البرنامج السياسي لحزب "كديما"، تقلل أهمية ما ورد لاحقا في نفس البرنامج، بأن ليفني ستكون مستعدة "لإجراء مفاوضات مع سورية"، أو عبارة: "من الواضح للجميع أن للسلام مع سورية ثمن، ولكن لا نعتقد انه علينا استعراضه هنا ومنذ الآن، لئلا يكون نقطة بداية لمفاوضات مستقبلية".
أما حزب "العمل" بزعامة وزير الحرب إيهود باراك، الذي حسب المقاييس الإسرائيلية يتم زج هذا الحزب في خانة اليسار الصهيوني، فإنه لا يتعامل مع هضبة الجولان السورية كأرض محتلة، حينما يورد عبارة: "إن السلام مع سورية يرتكز على تنازل جغرافي وترتيبات أمنية"، لينهي الحزب هذا البند من برنامجه باسطوانة "محور الشر".
وحتى إذا رحنا إلى أقصى اليسار الصهيوني، المتمثل بحزب "ميرتس"، الذي كما يبدو سيبقى خارج أي تشكيلة حكومية قادمة، فإنه "يتشرط" انسحاب إسرائيل من الهضبة المحتلة، "بترتيبات أمنية مشددة"، وهو ما يعني تدخل فظ في الشؤون الداخلية لسورية.
بمعنى آخر، فإنه شهدنا في الفترة الأخيرة حكومة في إسرائيل على استعداد للتحاور مع سورية، وكما ثبت، التحاور وفقط التحاور، فإن سورية لن تجد في إسرائيل بعد الانتخابات حتى حكومة كهذه، لأن من سيتولى الحكم هذه المرّة بالذات، هي الأحزاب التي بادرت إلى وضع قوانين تعرقل بشكل كبير أي انسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة، كما القدس المحتلة، بزعم أن هاتين المنطقتين ضمن ما يسمى بـ "السيادة الإسرائيلية"، وأي "تنازل" عن أي جزء من "دولة إسرائيل"، يحتاج إلى تأييد 80 نائبا من أصل 120 نائبا في الكنيست (البرلمان) أو التوجه إلى استفتاء عام من أجل الانسحاب من أرض محتلة.
والتركيبة السياسية الحالية والمستقبلية لن تكون فيها أغلبية تقبل باتفاق مع سورية على أساس الانسحاب، وفي حال التوجه إلى استفتاء فإن الوضع لن يكون أفضل حال، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي تباعا، إذ أن الغالبية الساحقة من الجمهور اليهودي في إسرائيل ترفض الانسحاب من الجولان.
وهذا الملف وحده، باعتبار أن الملف الفلسطيني أكثر تعقيدا، يثبت وجهة إسرائيل في المرحلة المقبلة، فمثلا في بدايات سنوات التسعين كان نقاش في إسرائيل حول مكانة هضبة الجولان الدينية اليهودية، وما إذا هي جزء مما يسمى "ارض إسرائيل" (فلسطين التاريخية)، وقد ظهرت وجهات نظر دينية في حينه، تقول إن هذه المنطقة كقطاع غزة، ليستا ضمن ما يسمى بـ "ارض إسرائيل".
ولكن حتى مثل هذا النقاش تلاشى الآن، ورويدا رويدا بدأنا نسمع عن "مملكة إسرائيل الكبرى" التي تتحدث عنها التوراة: "من النيل إلى الفرات تقام مملكة إسرائيل"، بمعنى أن الحديث الآن لا يتوقف عن "أجزاء أرض إسرائيل"، وإنما عن أجزاء "مملكة إسرائيل الكبرى".
ومن يتابع تطور الخطاب السياسي في إسرائيل ليس بإمكانه الاستخفاف بسهولة بهذا النقاش، فحتى قبل 28 عاما كانت الحلبة السياسية الإسرائيلية ترفض دعوات الطرد الجماعي لفلسطينيي 48 من وطنهم، ولكن اليوم فإن استطلاعات الرأي تتحدث عن 51% يؤيدون هذه الدعوة بأشكال مختلفة.
واليوم ينتشر الحديث عن "مملكة إسرائيل الكبرى" بين المستوطنين المتطرفين، الذين انطلقت من بينهم دعوات الطرد الجماعي يصبح الخطاب السائد، ولكن ليس هم وحدهم، فيكفي التأمل بشعار بنك إسرائيل المركزي، الذي يتشكل من شمعدان على خارطة قديمة "لمملكة إسرائيل من النيل إلى الفرات"، فهل هناك حاجة لإثبات آخر من كون تبني واحدة من أرفع مؤسسات الدولة الإسرائيلية لشعار "مملكة إسرائيل الكبرى".

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر