إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



انتخابات لا مصيرية في إسرائيل

السبت 7/2/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

تتجه إسرائيل يوم الثلاثاء المقبل إلى انتخابات برلمانية مبكرة، بعد 35 شهرا على الانتخابات السابقة، التي أوصلت حزب "كديما" المتبلور حديثا في حينه إلى الحكم، بعد انشقاق مجموعة كبيرة عن حزب "الليكود"، بقيادة رئيس الحكومة في حينه أريئيل شارون، الذي سقط على فراش المرض في غيبوبة، ما زال غارقا فيها، بعد 40 يوما على تأسيس الحزب.
العنوان الأبرز لهذه الانتخابات هو غياب التميز الجوهري في الخطاب السياسي بين كبرى الأحزاب المتنافسة على سدة الحكم، فرغم تبدل الصياغات من حزب إلى آخر، إلا أن الجوهر واحد، وجميع الصياغات تدور حول الإجماع الصهيوني في الموقف من الحل الدائم، وهو ما رأيناه على مر السنين، وعكس نفس على سير العملية التفاوضية.
وقد ساهمت الحرب الإجرامية على قطاع غزة، التي اندلعت مع افتتاح الحملة الانتخابية، في توضيح هذا التقارب الكبير في الخطاب السياسي، بين من كان من المفترض أن يكونوا أقطابا متنافرة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، إذ التقت هذه الأحزاب حول الموقدة التي أشعلتها إسرائيل في غزة، وبحر الدماء النازفة من مجزرة إيهود باراك، ولتكون الحرب والمجازر الخيمة المظللة لهذه الانتخابات.
فحزب "الليكود" وزعيمه بنيامين نتنياهو، المرشح الأقوى لتشكيل الحكومة القادمة، يعلن جهارة أنه يرفض التوجه إلى مفاوضات سياسية مع الجانب الفلسطيني، فيما يغيب كليا أي ذكر لسورية ولبنان وأراضيهما المحتلة، وأقصى ما يدعو له، هو إجراء مفاوضات اقتصادية مع الجانب الفلسطيني، بزعم انه يريد أولا ضمان "ازدهار اقتصادي"، والى حين يتحقق هذا، فإنه سيفكر في إمكانية التوجه إلى مفاوضات سياسية.
ولكن هل يختلف هذا من حيث الجوهر مع استعداد حزب "كديما" للتوجه إلى مفاوضات سياسية مع الجانبين الفلسطيني والسوري؟ والجواب هو نفي قاطع، لأن "لاءات" الإجماع الصهيوني لأسس الحل، ستجعل من هذه المفاوضات، مفاوضات من أجل المفاوضات وليس من أجل الحل، كما شهدنا هذا على مدار عام ونصف العام من المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في ظل حكومة "كديما".
والسؤال ذاته نطرحه أيضا على حزب "العمل"، الذي تزجه مقاييس السياسة الإسرائيلية في خانة "اليسار"، بزعم انه مؤيد للمفاوضات، ولكن هذا الحزب، الذي غيّب أجندته السياسية منذ سنوات طوال، يحمله زعيمه وزير الحرب إيهود باراك في هذه الأيام، بعد مجازره في غزة، إلى مسار المنافسة مع أكثر أحزاب اليمين تشددا، إذ طالب باراك رئيس حكومته إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني بأن لا يتفوها بأمور عسكرية لأنهما لم يحملا بندقية في حياتهما ولا يفهمان بشؤون الحرب، لا بل وراح يستخف بأشد العنصريين أفيغدور ليبرمان، بزعم أنه لم يحمل في أي وقت بندقية ولم يقتل أحدا، إذ يرى باراك، وكما يبدو بحق، أن لا أحد يستطيع منافسته برصيده الدموي.
وحينما يتحدث باراك وحزبه عن المفاوضات "وأفق الحل"، فإنه لا ينحاز إطلاقا عن مواقف الإجماع الصهيوني: لا لعودة اللاجئين، ولا للانسحاب من
القدس المحتلة، ولا لإخلاء الغالبية الساحقة من المستوطنات والمستوطنين، فإذا هو أيضا يسعى لمفاوضات من أجل المفاوضات، دون أي تغيير في الوضع القائم في الحلبة السياسية.
وأمام استعراض كهذا، لا حاجة لاستعراض مواقف الأحزاب اليمينية المتشددة، وهذا كله يقود إلى استنتاج أن إسرائيل لا تقف من الناحية السياسية الأساسية على مفترق طرق بين تيارين أو برنامجين، وأن على الجمهور أن يختار، وهذا أحد أسباب تراجع نسبة التصويت المستمر في إسرائيل.
ولكن رغم ذلك فإن إسرائيل على أبواب مرحلة جديدة من حضيض العنصرية، التي إن اصطلح على تسميتها في العالم بـ "الفاشية"، فإن إسرائيل لا تحتاج إلى تسميات مستوردة، وبالإمكان تسميتها منذ الآن: "الصهيونية الليبرمانية"، نسبة إلى الإرهابي بامتياز أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، الذي يجاهر بمواقف دموية ضد فلسطينيي 48 والفلسطينيين عامة، من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه متورط في شبهات بعلاقة وثيقة مع عصابات المافيا الروسية وغيرها.
على مدى السنين انتهجت إسرائيل سياسة عنصرية واضحة المعالم، ساندتها قوانين عنصرية رسمية يعج بها كتاب القوانين الإسرائيلي، وما كان من سياسة كهذه إلا أن تنتج عنصرية أكثر حدة، ظهرت على مستوى الأحزاب في نهاية سنوات السبعين، كقوة هامشية جدا، تدعو إلى طرد العرب من وطنهم، لنصل في الانتخابات الماضية، عام 2006، إلى مستوى أن ثلث اليهود في إسرائيل منحوا أصواتهم لأحزاب تدعو إلى طرد العرب من وطنهم، وتشير كل استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات القريبة ستسجل ذروة جديدة في هذا المجال، وما من شك أن هذه نتيجة سيكون من المجدي أن نتوقف عندها بعد أن تظهر.
وأكثر من هذا، فهناك من يختار وصف الإرهابي ليبرمان على أنه "مجنون" أو "غريب الأطوار"، ولكنه ليس هذا ولا ذاك، بل هو إرهابي بكل المواصفات التي عرفتها البشرية، والأخطر من هذا، أن خطابه العنصري الإرهابي الذي يقوده ليبرمان وآخرون في أحزاب أخرى، يحظى بشرعية في جهاز القضاء الإسرائيلي، فمثلا حين يهدد ليبرمان بقتل أعضاء كنيست عرب أكثر من مرة، فإن أعلى هيئة في النيابة الإسرائيلية المتمثلة بالمستشار القضائي للحكومة، ترى أن "هذا يندرج ضمن حرية التعبير".
وهذا هو العنوان الأبرز للمرحلة الجديدة في إسرائيل: من نهج سياسة التمييز العنصري، إلى مأسسة وشرعنة الخطاب العنصري الإرهابي، ليكون في رأس هرم الحكم في إسرائيل.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر