إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إسرائيل تنتظر برلمانا من أربع رؤوس أوجه صراعات داخلية جديدة

الثلاثاء 10/2/2009
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*في حال صدقت استطلاعات الرأي فإننا أمام برلمان في مركزه أربع كتلة كبيرة، لكل واحدة منها أكثر من 15 مقعدا، ولكنها متقاربة *الجدل السياسي في حال وجوده بات بين اليمين واليمين *الصراع ضد قوانين الإكراه الديني لم يعد بين اليسار الصهيوني والأحزاب الدينية، بل انتقل هو الآخر إلى معسكر اليمين *قضية نسبة التصويت ما تزال قائمة، خاصة وأن لاعب الطقس قد يكون له دور في هذه النسبة*


تتجه إسرائيل اليوم الثلاثاء، وللمرة الثامنة عشر، منذ قيامها في العام 1948 لانتخاب برلمان جديد (الكنيست)، وهي كالغالبية الساحقة من الانتخابات السابقة تجري قبل موعدها، إذ لم تجر سوى خمسة انتخابات برلمانية في موعدها القانوني، بمعنى إنهاء مدة ولاية لا تقل عن أربع سنوات، على أن تجري الانتخابات في يوم ثلاثاء بين نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، ومطلع تشرين الثاني/ نوفمبر.
وتتجه الأنظار في هذه الانتخابات إضافة إلى نتائجها، أيضا نسبة المشاركة في التصويت، التي عالجناها في "المشهد الإسرائيلي" في العدد الماضي، وهي نسبة التصويت التي شهدنا في السنوات الثماني الأخيرة انهيارا كبيرا فيها، وتقول مؤشرات إن النسبة التي كانت حتى العام 1999 تتراوح ما بين 78% وحتى 81%، فإنها قد تكون في هذا العام كما كانت في العام 2006 في حدود 64%.

نسبة التصويت وحالة الطقس

لم ينقص حالة التوتر التي تشهدها الحلبة السياسية في ترقبها لنسبة التصويت، إلا وجود عامل الطقس، إذ من المتوقع ان يكون اليوم ماطرا وعاصفا، ليلعب هذا دورا إضافيا في تخفيض نسبة التصويت، ولهذا فإن تحقيق نتائج استطلاعات الرأي ستكون مرهونة أيضا بعامل الطقس، إذ مما لا شك فيه انه سيساهم هو ايضا في تخفيض نسبة التصويت.
وللتذكير، فإنه منذ العام 1949 وحتى العام 1999 تراوحت نسبة التصويت في إسرائيل من 78% كأدنى حد وحتى 82% بالمعدل، أما في الانتخابات لرئاسة الحكومة التي جرت في العام 2001 فقد هبطت نسبة التصويت إلى 62% واعتقد البعض أن هذا الانخفاض الحاد والمفاجئ بسبب أن الانتخابات لرئاسة الحكومة، إلا أن انتخابات العام 2003 العامة أثبتت وجود توجه، إذ انخفضت نسبة التصويت إلى مستوى 69%، وفي العام 2006 هبطت إلى 63,5%.
وخلافا لما أشارت إليه استطلاعات الرأي قبل أسبوعين، فإن آخر استطلاعات للرأي بدأت تتحدث عن نسبة تصويت تبلغ 76% بين اليهود، ولكن هذه النسبة، وكما أشرنا في العدد السابق هي من بين المتواجدين في البلاد، إذ حسب إحصائيات رسمية فإنه ما بين 10% إلى 12% من الذين يشملهم سجل الناخبين متواجدون خارج البلاد، أو بعيدين عن أماكن سكناهم، وهذا يعني أن نسبة التصويت الفعلية بين اليهود قد تكون وفق آخر التقديرات حوالي 68%.
وفي المقابل فإن نسبة التصويت بين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يشكلون حوالي 13% من مجمل الناخبين حوالي 55%، رغم أن هناك تقديرات تتحدث عن نسبة اقل، ولا نعرف كيف سيكون تأثير حالة الطقس أيضا على عملية التصويت بين العرب.
ولكن نسبة التصويت متباينة في قطاعات مختلفة لدى جمهور اليهودي، فقد دلت معطيات السنوات الأخير على أن نسبة التصويت بين جمهور المستوطنين والمتدينين المتشددين، واليمين المتشدد بشكل عام أعلى مما هي عليه بين جمهور اليسار والوسط الأقرب لليسار، وهذا مرده إلى غياب برامج سياسية تتجاوب مع تطلعات جمهور اليسار، وبالتالي فإن تراجع نسبة التصويت تتراوح ما بين خيبة الأمل وحالة الإحباط لدى هذا الجمهور، وهذا ما يدفع نحو استنتاج بأن قسما من تزايد قوة اليمين البرلمانية يعود أيضا إلى نسب المشاركة في التصويت.
إلى ذلك فإنه في السنوات الأخيرة شهدنا موجات من بث أجواء التيئيس من المؤسسة وفرص التأثير عليها، وتقف من وراء هذه الأجواء جهات على الأغلب اقتصادية ولكن أيضا يمينية سياسية، معنية بتقليص دائرة التأثير الشعبي من أجل الانفراد في دائرة اتخاذ القرار.

تركيبة معقدة تنعكس على كل حكومة

تجري هذه الانتخابات بعد 35 شهرا عن الانتخابات السابقة، التي جرت في نهاية آذار/ مارس من العام 2006، وكانت ميزة تلك الانتخابات أنها لأول مرة توصل حزبا ليس من الحزبين الكبيرين التقليديين "العمل" و"الليكود"، وإنما حزبا مزيجا، عجينته الأساسية، ولنقل عموده الفقري، هو حزب "الليكود" مع إضافات من أحزاب أخرى، أبرزها حزب "العمل".
وكما كان جديد في الانتخابات الماضية، فإن جديد هذه الانتخابات، وحسب توقع جميع استطلاعات الرأي التي ظهرت في الأيام الأخيرة التي سبقت الانتخابات، فإن الكنيست المنتخب سيكون من أربع رؤوس، وإن كان حزب الليكود أكبرها، ولربما بفارق ضئيل عن الحزب الذي يأتي بعده، حزب "الليكود" هذا إذا لم تحدث مفاجأة جديدة.
وحسب هذه الاستطلاعات فإن حزب "الليكود" مرشح للحصول على ما بين 26 مقعدا وحتى 28 مقعدا، مقابل ما بين 24 وحتى 27 مقعدا لحزب "كديما، في حين من المتوقع أن يحصل حزب "يسرائيل بيتينو" ما بين 16 مقعدا وحتى 20 مقعدا، أما حزب "العمل" فتتوقع استطلاعات الرأي حصوله على ما بين 14 مقعدا وحتى 17 مقعدا.
وهذا بحد ذاته سيكون مشهدا جديدا من حالة التشرذم التي تعيشها الحلبة السياسية الإسرائيلية منذ ما لا يقل عن 13 عاما، إلا أن هذا المشهد قد يكون أكثر تعقيدا، بمعنى أنه ستكون هناك سلسلة من السيناريوهات لتشكيل الحكومة المقبلة، إلى جانب احتمالات لحدوث انقلابات في الحكم، خلال الولاية البرلمانية، لأنه نظريا فإنه بالإمكان تشكيل حكومة برئاسة الليكود، بالأساس، ولكن أيضا برئاسة حزب "كديما" لاحقا، وهذا رهن بالتطورات ليس فقط السياسية، وإنما أيضا على صعيد الأزمات الداخلية التي قد نأتي على بعضها هنا.
ونقرأ من استطلاعات الرأي، كاستنتاج أساسي، أنه حتى لو تقدم حزب "كديما" بمقعد أو أكثر عن حزب "الليكود"، وكان من حقه أن يعمل على تشكيل الحكومة كأفضلية أولى، بموجب تعديل القانون، فإنه سيجد أمامه تكتلا يمينيا ودينيا مكون من 63 إلى 66 مقعدا، وهذه أحزاب اليمين بقيادة الليكود و"يسرائيل بيتينو" وباقي أحزاب المستوطنين والمتدينين الأصوليين، ولهذا فإنه حسب هذه التوقعات فإن الأفضلية الأولى لتشكيل الحكومة ستكون بيد الليكود وبنيامين نتنياهو.
في الدورة البرلمانية المنتهية شهدنا كتلتين كبيرتين، وأربعة كتل وسطية، وخمسة كتل صغيرة، إلا أنه في الدورة المقبلة فإننا سنشهد أربع كتل كبيرة نسبيا، وكتلة وسطية واحدة هي كتلة شاس، وحوالي سبع كتل صغيرة، يتراوح عدد مقاعدها ما بين 3 إلى 7 مقاعد لكل كتلة، وهذه الوضعية تعطي وزنا لكل حزب كبير، تجعله يتحكم في مصير كل واحدة من الحكومات التي قد تنشأ خلال الولاية البرلمانية، وهذا يعني أن وتيرة التهديدات بالانسحاب من الحكومة ستزداد في هذه الدورة البرلمانية في حال لم يتم تحقيق مطالب هذا الحزب أو ذاك، أو أن عمل وقرارات الحكومة تعارضت مع طموحاته، وهذا المشهد الذي نشهده في كل دورة برلمانية.
بالمحصلة فإنه على ضوء ما سنشهده من صراعات على المستوى الداخلي أكثر منه السياسي، فليس من المستبعد أن نرى خلال الدورة الجديدة أكثر من رئيس حكومة، وهذا ما علينا مراقبته.

المنافسة على برامج اليمين

من التطورات التي شهدناها في السنوات الأخيرة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، ولكنها برزت بوضوح في الحملة الانتخابية المنتهية، هو غياب التمايز في الخطاب السياسي، بمعنى أننا لم نعد نسمع تباينات في الخطاب والبرامج بين يمين ويسار صهيوني، إذ أن الفروقات التي كنا نجدها بين المعسكرات، وعلى الرغم من محدوديتها فقد زالت، لتأتي حرب غزة الأخيرة وتثبت هذا الاستنتاج على أرض الواقع، من خلال التأييد الجارف للحرب، ابتداء من أحزاب المعارضة اليمينية وصولا إلى حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني، الذي لم ينبس ببنت شفة اعتراضا على الحرب، لا بل إنه أيدها.
ولعل كلمة هيئة التحرير اليومية في صحيفة "هآرتس"، التي صدرت يوم الأربعاء الماضي، وهي كلمة غير مألوفة لصحيفة محسوبة على اليسار والوسط القريب منه، فقد عكست واقع الحال، إذ أن الصحيفة دعت الجمهور إلى عدم التصويت لحركة "ميرتس".، على خلفية موقفها المؤيد فورا للحرب، وعدم تميزها برفضها كونها حزب يساري مفترض.
ولكن ليس "ميرتس" فقط، بل إن حزب "العمل" الذي يتم زجه في خانة اليسار الصهيوني وكأنه مؤيد للعملية التفاوضية، غيّب في هذه الحملة أيضا أية ميزة لبرنامجه الانتخابي، وكان لخطاب رئيسه وزير الأمن (الدفاع) إيهود باراك الوزن الأكبر، فقد خاض باراك الأسابيع الثلاثة الأخيرة للحملة الانتخابية على وقع ما يصفه وكأنه "انجازات" لحربه على غزة، تضاف إلى رصيده العسكري.
وراح باراك في الأيام الأخيرة يطالب وزراء وقادة في معسكر اليمين بعدم "الثرثرة" بشؤون الجيش والحرب، لأنهم يفتقرون إلى أي خبرة، أو كما قال عن ليبرمان، "لا أعرف إذا بحياته أمسك ببندقية وقتل أحدا".
أمام خطاب وتوجهات كهذه، فإن تصورات الحل الدائم والخطوات المستقبلية في كل ما يتعلق بالعملية التفاوضية غابت عن الخطاب السياسي، وهذا أيضا تدهور جديد في الخطاب والنهج الإسرائيلي، فالانتخابات السابقة جرت وفي خلفيتها إخلاء مستوطنات قطاع غزة، ونية حزب "كديما" تنفيذ خطة مشابهة وبتسميات أخرى في أجزاء كبيرة في الضفة الغربية، إلا أن هذه الانتخابات جرت في ظل حرب دموية، ألقت بظلالها على سير الحملة الانتخابية حتى اليوم الأخير للحملة الانتخابية.
وهذا يقودنا إلى استنتاج، بأن الحكومة المقبلة لن تشهد خلافا سياسيا داخليا جوهريا حول الموقف من العملية السياسية في المنطقة في أي من مساراتها المتعددة، وعلى رأسها المسار الفلسطيني، إلا إذا حققت إدارة باراك أوباما، ما وعدت به، وهو توظيف جهود مكثفة لإخراج المنطقة من حالة الجمود إلى حالة الانفراج، ولكن هذا سيتطلب وقتا إلى حين إثباته.
وفي ظل توافق سياسي في الحكومة، واي حكومة إسرائيلية، فإن هذا يفتح باب صراعات القضايا الداخلية على مصراعيه، وعلى رأسها المطالب المالية، وبشكل خاص من الأحزاب الدينية، التي ستسعى للحصول على ميزانيات جديدة لمؤسساتها الدينية والاجتماعية، اضافة إلى مطلبها بزيادة ميزانيات المخصصات الاجتماعية، وهذه المطالب ستصطدم مع الأزمة الاقتصادية التي بدأت تغرق بها إسرائيل طيلة العام الجاري 2009.
وإذا كان هذا محور صدام، فهناك محور صدام ثاني بين الأحزاب الدينية، و"حزب يسرائيل بيتينو" بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان، في حال اجتمعت هذه الأحزاب في حكومة واحدة، إذ أن ليبرمان بزعم انه يمثل المهاجرين الروس فإنه يحمل معه مطالب تصطدم مباشرة مع قوانين الإكراه الديني، وعلى رأسها قانون الزواج المدني، ومسألة من هو يهودي.

تبدلت "شياطين شاس" من ألوني إلى ليبرمان

في الأيام الأخيرة صعدت حركة "شاس" الدينية الأصولية لليهود الشرقيين لهجتها ضد حزب "يسرائيل بيتينو" على ضوء تنامي قوته، إلى درجة أن استطلاعات رأي تتوقع حصوله على 19 وحتى 20 مقعدا، في حين من المتوقع أن يخسر "شاس" مقعدا أو مقعدين ليتراجع إلى مستوى 12 مقعدا.
ولأن "يسرائيل بيتينو" يحمل كما ذكر مطالب للمهاجرين الروس، مثل مسألتي الزواج ومن هو يهودي، إضافة إلى تسهيل مسألة فتح متاجر لبيع مأكولات تحرمها الشريعة اليهودية، مثل لحم الخنزير، وغيرها من المطالب المشابهة، فإن حزب "شاس" بات يتخوف من أن تؤثر قوة هذا الحزب على أي ائتلاف وتجعله قادرا على سن قوانين تعارض مع الشريعة اليهودية.
وهذا أمر جديد لأن هذا الصراع كان تقليديا بين قوى اليساري الصهيوني والأحزاب الدينية، وما ستفرزه الانتخابات البرلمانية المقبلة، هو انتقال الصراع مع هذه القوانين إلى داخل معسكر اليمين المتشدد، على الرغم من التقاء هذه الأحزاب حول برنامج سياسي متشابه في ما يتعلق بالصراع التاريخي مع الشعب الفلسطيني.
فمنذ قيام إسرائيل، بدأت تدخل إلى كتاب القوانين سلسلة من القوانين التي تتناغم مع الشرائع اليهودية المتشددة، بمبادرة من الأحزاب الدينية رغم صغر حجمها في تلك الفترة، وهذا نابع من أمرين: الأول، وهو الأبرز، مسايرة هذه الأحزاب لتبقى ضمن الائتلافات الحكومية، والأمر الثاني، وهو الغلاف للأول، أن "الدولة اليهودية بحاجة إلى هوية يهودية أيضا".
وبهذا بدأت تفرض على المجموعات المهاجرة من دول العالم قوانين تتحكم في تفاصيل حياتهم اليومية وحركتهم، ورغم رفض الأغلبية الساحقة من الجمهور لهذه القوانين، إلا أن سيطرة المؤسسة الحاكمة بتقلبات تسمياتها وأحزابها منعت أي تغيير جذري، ولهذا فإن الحديث عن "قوانين أكراه" يعكس واقع الحال في إسرائيل.
وجرت على مر السنين محاولات شعبية وبرلمانية كثيرة لتخفيف حدة هذه القوانين وإلغاء بعضها، ولكن الأغلبية العلمانية الائتلافية في كل واحدة من الدورات البرلمانية كانت تمنع هذه المحاولات، من أجل مسايرة الأحزاب الدينية ومنع خروجها من أي ائتلاف حاكم يؤدي إلى انهيار تلك الحكومات.
ودائما كانت الأحزاب اليسارية رأس الحربة في محاولات التغيير هذه، ولكن في السنوات الـ 18 الأخيرة، ومع وصول موجات الهجرة الضخمة، خاصة من دول الاتحاد السوفييتي السابق، تغير طابع هذا الصراع، إذ أنه نشأ جمهور جديد يفوق عدده مليون نسمة، في حالة اصطدام مباشر مع هذه القوانين التي تفرض عليه نمط حياة لم يعهدها من قبل ويصعب عليه التأقلم معها.
وأمام وضع كهذا، كان لزاما على كل حزب ناشئ يمثل المهاجرين الجدد، أن يطرح في برنامجه بنودا تتعلق بمحاربة جزء من هذه القوانين والعمل على تغييرها، وبشكل خاص في ما يتعلق بمسألة "من هو يهودي"، ومسألة الزواج المدني، واليوم لم يبق على الساحة البرلمانية أي حزب يمثل المهاجرين الروس الجدد، سوى "يسرائيل بيتينو"، الذي على ضوء تنامي قوته سيكون مطالبا أكثر من أي وقت مضى بإجراء تغييرات وتعديلات في هذه القوانين، وخاصة قانون الزواج، الأكثر إلحاحا لدى المهاجرين الجدد، إذ أن المؤسسة الدينية اليهودية ما تزال ترفض الاعتراف بيهودية مئات الآلاف منهم.
وهذا يعني أن "يسرائيل بيتينو" من المفترض أن يكون رأس حربة في الصراع مع القوانين الدينية، لينتقل الصراع بهذا إلى داخل المعسكر اليميني المتشدد، الذي يستند في معركته السياسية إلى الأحزاب الدينية المتشددة، وليس من المستبعد، أنه في حال التقت جميع هذه الأحزاب في ائتلاف حكومي واحد وهذا وارد جدا، فإن الصراع المفترض بينها سينتقل إلى داخل الائتلاف، مما سيتسبب في شرخ واضح فيه، إذ أن على "يسرائيل بيتينو" بعد 10 سنوات من تواجده في الحلبة السياسية، ومضاعفة قوته بأكثر من ثلاثة أضعاف، وبعد أن يصبح القوة الثالثة أو الرابعة في الكنيست، أن يسدد فاتورة التأييد الشعبي في هذا المجال بالذات.
وهذا المشهد المفترض، أشعل ضوء الإنذار أمام الزعماء الروحيين لحزب "شاس"، ليظهر الزعيم الروحي الأول لهذه الحركة، عوفاديا يوسيف، قبل أربعة أيام من الانتخابات، ويصف ليبرمان بأنه شيطان، وأن من يصوت لحزبه فإنه سيقوم بعمل شيطاني.
ومثل هذه المصطلحات أطلقها الحاخام يوسيف حتى ماضي قريب ضد القادة التاريخيين لحزب "ميرتس" وعلى رأسهم الوزيرة السابقة شولميت الوني، والوزير السابق يوسي سريد وغيرهما، واليوم حين تنتقل هذه الألقاب إلى زعامة يمينيين متشددين، فإن ينذر بتطورات جديدة لم نكن نشهدها على صعيد الحلبة السياسية الإسرائيلية.
ونحن أمام فرضيات متعددة في هذا المجال، ومنها أن يقرر "يسرائيل بيتينو" التنازل والتراجع، أو التكتم على مواقفه، ولكن في هذه الحالة سيخسر كليا ورقة تمثيل المهاجرين، أو أنه سيقرر الصدام المباشر، حينها سيتسبب في إحداث قلاقل جدية في كل حكومة يشارك فيها، في حال التقى مع أحزاب دينية في ائتلاف كهذا، مثل "شاس" و"يهدوت هتوراة"، أو حتى حزبي المستوطنين "هئيحود هليئومي" و"هبايت هيهودي".

التشريعات العنصرية

سجلت الدورة البرلمانية المنتهية ذروة جديدة على صعيد التشريعات والقوانين العنصرية الموجهة مباشرة ضد المواطنين العرب في البلاد، والغالبية الساحقة جدا، إن لم تكن كل هذه القوانين طرحت على جدول أعمال الكنيست بمبادرات شخصية من أحزاب اليمين المعارض، وبمساندة أعضاء عنصريين في الائتلاف الحكومي، وسط تواطؤ واضح جدا من حكومة إيهود أولمرت وإدارة الائتلاف الحاكم.
والجديد في الدورة المقبلة أن هذه الأحزاب التي بادرت إلى هذه القوانين ستشكل على الأغلب الحكومة المقبلة، بمعنى أن هذا النهج وفي حال استمراره سيكون نهج الحكومة المقبلة، ومن الجدير أن نشير إلى بعض ما يمكن توقعه من هذه القوانين.
أول القوانين الذي سيبادر إليه العنصري ليبرمان، اشتراط منح الجنسية الإسرائيلية بالتوقيع على تعهد ولاء لإسرائيل، وإلا سيفقد المواطن جنسيته أو حقوقه، ولا نعرف ماذا أيضا، والى أي درك قد يهبط إليه مثل هذا القانون.
أما القانون الثاني فهو محاولة فرض ما يسمى بـ "الخدمة المدنية" كبديل للخدمة العسكرية على المواطنين العرب، وهو كسابقه سيكون قانونا صداميا من الدرجة الأولى، خاصة إذا اقترنت الحقوق بقانون كهذا.
ومثل هذه القوانين جرت محاولات لسنها في الدورة المنتهية، ولكنها لم تنجح، إلا أن المؤشرات لتركيبة الكنيست المتوقعة تشير إلى احتمال مرورها.
ولكن ليس هذا وحده، بل سنجد أيضا تشريعات جديدة ضد عضوية الكنيست من الأحزاب الوطنية الناشطة في الشارع الفلسطيني، وهذا بحد ذاته محاولة واضحة لتضييق الخناق، في محاولة واضحة إلى عزل الجمهور الفلسطيني الواسع عن دائرة القرار، وهذا ما تسعى قوى اليميني، وبتواطؤ وتأييد صامت من أوساط تحاول الظهور بمظاهر الاعتدال.
إننا مقبلين على دورة برلمانية عاصفة، تضع إسرائيل على مسار سريع لاستفحال العنصرية وتسجيل ذروة جديدة وخطيرة جديدة لها، تهدد ما تبقى من حيز ديمقراطي محدود في اللعبة السياسية الإسرائيلية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر