إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إسرائيل تنتخب سياسة الرفض

الخميس 12/2/2009
برهوم جرايسي- العرب القطرية

العنوان الأبرز لقراءة النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية، التي جرت أمس الأول الثلاثاء، أن إسرائيل أجمعت تقريبا على سياسة الرفض لأي من آفاق الحل، فيما اختار أكثر من 35% من اليهود أحزابا على أساس توجهاتها العنصرية المباشرة وغير المباشرة ضد فلسطينيي 48: هذه هي إسرائيل 2009، هذه هي إسرائيل تعلن بكل وضوح أنها تتراجع حتى عن اليسير اليسير مما تحقق في السنوات الأخيرة.
وهذا استنتاج تدفعه النتائج شبه النهائية، وكل نتيجة إضافية ستعزز هذا الاستنتاج وليس العكس، فقد رأينا أنه من أصل 120 مقعدا، هناك 11 مقعدا فلسطينيي 48، ومن باب الافتراض لا أكثر، أن 16 مقعدا، لحزب ميرتس اليساري الصهيوني (3 مقاعد) و13 مقعدا لحزب "العمل" بزعامة وزير الحرب إيهود باراك، جاءت من جمهور لا يرفض المفاوضات، ويؤيد دفع العملية السياسية بشكل أفضل نسبيا من توجهات اليمين، على الرغم من توجهات ونهج باراك اليميني، فإن كل ما عدا ذلك هي أحزاب ترفض المفاوضات من حيث المبدأ، وفي أفضل الأحوال فإنها قد تؤيد مفاوضات من أجل المفاوضات لا أكثر.
وهذا يعني أن 85% من الجمهور اليهودي في إسرائيل صوتوا لسياسة الرفض الكلية، ولكن ليس هذا فحسب، بل إن 35% من اليهود في إسرائيل صوتوا لأحزاب عنصرية بشكل مباشر بالأساس، ولكن أيضا لأحزاب متواطئة مع البرامج العنصرية وتؤيدها بصياغات مختلفة، والجوهر واحد.
إسرائيل 2009، تقول للعالم إنها على أبواب مرحلة جديدة، تسجل فيها عنصريتها ذروة غير مسبوقة، ولكن لا يوجد أي ضمان بأن تكون هذه العنصرية قد وصلت إلى ذروتها الأخيرة، فمئات آلاف اليهود صوتوا لأحزاب لم يكن على أجندتها وفي خطابها الانتخابي سوى العداء والتحريض الخطير على فلسطينيي 48 والدعوة لاقتلاعهم من وطنهم، وهذا بات أكثر من أي وقت مضى مزاجا شعبيا واسع الانتشار.
قد يحافظ حزب "كديما" الحاكم حاليا، بزعامة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، على تفوقه الطفيف عن حزب "الليكود"، بزعامة بنيامين نتنياهو، ولكن حسب توزيع المقاعد البرلمانية، فإنه سيكون من الصعب على ليفني تشكيل حكومة ثابتة، إذ أنها تواجه تكتلا يمينيا متشددا يضم أحزاب اليمين والمتدينين المتشددين، ويشكل غالبية 64 نائبا من أصل 120 نائبا.
وحتى وإن نجحت ليفني في تشكيل حكومة كهذه، فإنها ستكون مضطرة لضم أحزاب يمينية متطرفة، وخاصة حزب "يسرائيل بيتينو"، وهي حكومة لن تدوم كثيرا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل حزب "كديما" بزعامة ليفني، هو خارج معسكر اليمين، والجواب على هذا قطعا لا، لأن ليفني اعتمدت خلال حملتها الانتخابية خطابا متشددا، لا أقل تشددا من حيث الجوهر، عن حزب "الليكود".
وأمام وضع كهذا، فإن الاحتمال الأقوى هو تشكيل حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، ليضم في المرحلة الأولى جميع الأحزاب اليمينية المتطرفة والأصولية المتشددة، وهذه حكومة لن تدفع في أي اتجاه، بل ستعمق أكثر سياسة الرفض، وهنا سيكون علينا متابعة كيفية تعامل الأسرة الدولية مع حكومة كهذه.
ولكن هذه الاحتمال القوي، لنجاح نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة، لا ينفي وجود احتمالات أخرى لشكل الحكومة القادمة، مثل تشكيل ما يسمى بـ "حكومة وحدة وطنية"، تضم حزبي "الليكود" و"العمل"، و"كديما"، ومن يرغب من أحزاب أخرى في معسكر اليمين، على أساس برنامج توافقي، ولكن من المستبعد أن يكون هذا برنامجا يقود نحو انفراج في المنطقة، لأن أيا من هذه الأحزاب لم يدرج مسألة الحل والانفراج في برامجه السياسية الانتخابية.
وحالة التوافق السياسي الداخلي في إسرائيل، كما تبدو حتى الآن، لا تعني سكونا وهدوءا سياسيا داخليا في إسرائيل، فقد علمت التجربة أنه في ظل توافق سياسي نحو الخارج، تستفحل الأزمات الداخلية متعددة الاتجاهات، ومن أبرزها الصراع بين القوى الدينية والعلمانية، الذي كما جاء في معالجة سابقة هنا، سينتقل إلى داخل معسكر اليمين المتطرف، وصراع القوى الدينية الأصولية مع المؤسسة ذاتها، نظرا لمطالبها المالية التي لا تتوقف.
كذلك فإنه في درجة متأخرة هناك الصراع الضعيف، من أجل تحسبن أوضاع الشرائح الفقيرة والضعيفة، الذي سيكون وزنه اقل مقارنة مع باقي هذه الصراعات.
ستحتاج إسرائيل لعدة أسابيع إلى حين تستقر أوضاعها الحزبية، وتشكيل حكومة جديدة، خاصة إذا قرر رئيس الدولة، إسناد مهمة تشكيل الحكومة إلى تسيبي ليفني، في حال استمرت في الحفاظ على تفوق حزبها بعد النتائج النهائية، ولكن حتى وإن أسند هذه المهمة مباشرة إلى صاحب الاحتمالات الواقعية لتشكيل حكومة، بنيامين نتنياهو، فإن الأخير لن ينجح في تشكيل حكومة خلال وقت قصير، لأنه هو أيضا سيواجه مطالب كبيرة من الأحزاب المرشحة لتشكيل الحكومة، وخاصة في مجال توزيع الحقائب الوزارية.

إلى جانب كل هذا، فإن هناك تلخيصا من جانب آخر لهذه الانتخابات، وهو ما يتعلق بفلسطينيي 48، الذين حققوا انجازا هاما في هذه الانتخابات، بأن زادوا قوتهم كمجموع، بأكثر من 21% من الأصوات، مقارنة مع الانتخابات السابقة، وحققوا زيادة في قوتهم البرلمانية بمقعد واحد، رغم الرهانات بتراجع قوتهم.
وحسب النتائج المرحلية، فقد حافظت كتلة "القائمة العربية الموحدة- العربية للتغيير" على قوتها من 4 مقاعد، فيما حصلت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على مقعد اضافي، لتصبح قوتها من 4 مقاعد، وحافظت كتلة التجمع الوطني الديمقراطي على قوتها من 3 مقاعد، ولكن هذه الكتل الثلاث ستواجه مجتمعة من جديد برلمانا أشد عنصرية وتطرفا، من البرلمان السابق الذي هو أيضا سجل ذروة في عنصريته.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر