إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



أزمات لا تنهيها الانتخابات ولكل انتخابات أزماتها


الأحد 15/2/2009
برهوم جرايسي- "الغد"- الاردنية

في أي دولة طبيعية في العالم، فإن أي انتخابات برلمانية عامة من المفترض أن تنهي الأزمات السابقة، ولو مرحليا، ولكن هذا لا يسري على إسرائيل، لأنها بالذات دولة أزمات، لا بل أن الانتخابات تولد هي أيضا أزمات من نوع جديد، وتعمق ما كان.
وهناك من "يحسد" أو "يتغنى" بزعم أن إسرائيل دولة ديمقراطية، إلا أن هؤلاء لا يتنبهون إلى حقيقة أنه لا يمكن أن تتماشى الديمقراطية مع سياسة الحرب والاحتلال وسياسة التمييز العنصري، التي تنعكس أكثر فأكثر في كتاب القوانين العنصري أصلا.
كما أن الدولة الديمقراطية الحقيقية تحتكم للانتخابات، التي من المفترض أن يتم احترام نتائجها، ولكن هذا أمر غير قائم في إسرائيل منذ أكثر من 60 عاما، فالقانون يتحدث عن ولاية برلمانية من أربع سنوات، إلا أن معدل الولاية البرلمانية في إسرائيل، بالكاد ثلاث سنوات، أو أكثر بقليل، إذ إنه من أصل 18 انتخابات برلمانية لم تجرِ سوى خمس انتخابات في موعدها الرسمي، بعد أن تكون الولاية البرلمانية قد عانت من أزمات امتدت على نصف الولاية البرلمانية كأدنى حد.
وهذا حال يستفحل من عام إلى عام، وما أفرزته الانتخابات الأخيرة، التي جرت قبل أيام، لهو أفضل إثبات على ما تقدم، فالعنوان الرئيسي الذي أفرزته هذه الانتخابات، هو أن إسرائيل أمام برلمان فيه تكتل يميني متشدد من 65 نائبا، فيه توافق سياسي تجاه الخارج، ونظريا فإن هذا يُسهل مهمة زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو في تشكيل الحكومة.
ولكن من قال إن إسرائيل بهذا القدر من القلق تجاه الخارج، أو أنها تسعى إلى حل صراعها الإقليمي؟ فالصراع مع الخارج في إسرائيل يبقى مهما، ولكنه يتهمّش إلى أقصى الحدود أمام الأزمات الداخلية، لأن الصراع الأساسي في إسرائيل منذ نشأتها هو أن تبني مجتمعا متكاملا متجانسا بين اليهود الذين استقطبتهم من كافة أنحاء المعمورة، وما نراه بعد 60 عاما، أنه بعد كل وهم بأن إسرائيل تخطت أزماتها الداخلية، تأتي انتخابات لتكشف زيف هذا الوهم، ولهذا فإن استنتاج أن إسرائيل هي مجتمع متفكك، هو صحيح، وهذا ما أثبت مرّة أخرى بعد الانتخابات الأخيرة.
بعد صدور النتائج النهائية للانتخابات، يظهر ما كان متوقعا، وهو أن الحلبة السياسية الإسرائيلية ما تزال تعاني حالة تفكك وتشرذم ستعرقل، لا محالة، عمل أية حكومة ستتشكل في الأسابيع القليلة القادمة، إذ لا توجد كتلتان برلمانيتان بإمكانهما تحقيق أغلبية، والقاعدة تقول: إنه كلما ازداد عدد الكتل البرلمانية في أي ائتلاف حكومي، ازدادت الأزمات الداخلية لهذه الحكومة منذ يومها الأول.
وبناء على نتائج الانتخابات الجديدة فإنه نظريا بالإمكان تشكيل حكومة أغلبية من ثلاث كتل برلمانية، ولكن السياق الطبيعي للتوزيعة البرلمانية فإن حكومة أغلبية في إسرائيل في هذه المرحلة تحتاج إلى خمس أو ست كتل برلمانية على الأقل، علما أن التكتل اليميني المتشدد الذي يضم 65 نائبا من أصل 120 نائبا، يضم ست كتل برلمانية، تتوافق سياسيا تجاه الصراع الإقليمي، ولكنها في حالة تناحر على الصعيد الداخلي من عدة جوانب، نستعرضها هنا باختصار للضرورة:
أولا: وهو الصراع الذي بات يتبلور منذ الآن، وحتى قبل تشكيل الحكومة، ولكنه كان متوقعا، وعرض في "الغد" قبل الانتخابات، وهو الصراع بين العلمانيين والمتدينين اليهود، الذي ينتقل كليا، ولأول مرة في تاريخ إسرائيل، إلى داخل حلبة اليمين المتشدد، وحالة التصادم بالأساس هي بين كتلتي اليهود الأصوليين البرلمانيتين، "شاس" و"يهدوت هتوراة" من جهة، وبين حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني العنصري، بزعامة الإرهابي افيغدور ليبرمان، الذي يمنحه المهاجرون الجدد الفرصة الأخيرة، ليحررهم من ثقل القوانين التي ترتكز على الشرائع اليهودية، وتمنع الزواج المدني وترفض الاعتراف بيهودية حوالي 300 ألف من بينهم، وتتحكم بطبيعة مأكلهم ومشربهم وحركتهم.
ولكن تنضم إلى هذا الصراع كتلتا المستوطنين "هئيحود هليئومي" و"هبايت هيهودي"، فهاتان كتلتان تمثلان سياسة يمينية متشددة إلى أقصى الحدود، ورغم انه يطغى عليها الطابع الديني، إلا أنها تبقى من الناحية الدينية أكثر ليبرالية من غيرها، ولكنهما تنضمان الآن إلى كتلتي الأصوليين، للجم ليبرمان الذي اقتنص من المستوطنين عشرات آلاف الأصوات، التي كان من المفترض أن تتجه إلى هاتين الكتلتين وتزيد من قوتهما.
ثانيا: الصراع على مراكز القوى، فليبرمان بطبيعته شخصية شرسة دكتاتورية، تعتمد على مبدأ "الشخص القوي"، الذي ينفرد بسلطته، وهو يطمح لأن يصل ذات يوم لرئاسة الحكومة، ولهذا فإنه لن يقبل بتسهيل مهمة نتنياهو، أو غيره في رئاسة الحكومة، بل سيكون دائما "الوزير العاق"، إذا انضم أصلا إلى الائتلاف، وهذا من أجل التميز، وكسب المزيد من التأييد الشعبي.
أما الصراع الثالث: فإنه سيدور حول السياسة الاقتصادية، فنتنياهو ما يزال يتبنى سياسة اقتصادية صقرية، اصطلح على تسميتها في إسرائيل "سياسة خنازيرية"، مجحفة إلى أقصى الحدود مع الشرائح الفقيرة والضعيفة، وسخية إلى أقصى حدود مع الشرائح الغنية، وذات المداخيل العالية، ولكن هذه السياسة ستصطدم بقوة مع احتياجات كتلتي الأصوليين اليهود، لأن جمهور هاتين الكتلتين، هو الجمهور الأكثر فقرا بين اليهود، ويحتلون مرتبة في الفقر، تلي مرتبة فلسطينيي 48، وإن كان بين الجمهورين فجوة كبيرة.
وحتى وإن أراد نتنياهو إظهار ليونة في سياسته، وتوجيه ميزانيات لقضايا الرفاه والمخصصات الاجتماعية، للتجاوب مع مطالب شركائه في الحكومة المفترضة، فإنه سيصطدم بالأزمة الاقتصادية التي تغرق فيها إسرائيل حاليا.
وما سيؤجج حالة الصراع الداخلي مستقبلا، احتمال ظهور ضغط دولي على حكومة يمين لتتجه مجددا إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين بالأساس ولكن لربما أيضا مع السوريين، رغم أن هناك شكا في أن ضغطا كهذا سيثمر.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر