إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



ليبرمان وأميركا


17/2/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

أحد أهم الاختبارات التي تقف أمام دول القرار في العالم، في هذه المرحلة بالذات، وفي ظل ما يشاع عن متغيرات سياسية في الإدارة الأميركية، هو كيفية التعامل مع الذروة الجديدة للعنصرية في إسرائيل، المرشحة للمشاركة الفعلية في سدة الهرم الحاكم، والتي تتميز بلغة عنف شرسة ودموية ضد فلسطينيي 48.
فإسرائيل التي انتهجت سياسة تمييز عنصري مجحفة ضد فلسطينيي 48، كانت تسعى دائما إلى تغليف سياستها بلهجة دبلوماسية وديباجات "ودية"، إذ وقف مرات عدة رؤساء حكومات في إسرائيل واعترفوا بهذه السياسة، "ووعدوا" بانتهاج سياسة تفضيلية من أجل سد الفجوات، التي أحدثتها هذه السياسة بين الجمهورين العربي واليهودي، ولكن باستثناء مرحلة واحدة، في النصف الأول من سنوات التسعين الماضية، فإن هذه الوعود، كانت عمليا بدء مرحلة جديدة من استفحال العنصرية.
ولطالما عرفت الحلبة السياسية عنصريين شرسين ضد فلسطينيي 48، ولكن هؤلاء كانوا يعتبرون في الهوامش، أما اليوم فإن قوتهم البرلمانية تتزايد، وباتوا في مرتبة من يسعى الحكام إلى استرضائهم لدرجة التوسل، من أجل ضمهم إلى الحكومات التي يسعون لتشكيلها.
وقد أفرزت الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في الأسبوع الماضي تكتلا برلمانيا من 22 نائبا، في ثلاث كتل، حزب "يسرائيل بيتينو"، الذي يتزعمه الإرهابي أفيغدور ليبرمان، وله 15 مقعدا، وحزبي المستوطنين، "هئيحود هليئومي" 4 مقاعد، و"هبايت هيهودي" 3 مقاعد، إلا أنه في كتل "الليكود" و"شاس" و"يهدوت هتوراة" وحتى "كديما" يتغلغل أعضاء كنيست، لا أقل عنصرية وشراسة من هؤلاء النواب الـ 22، ولدى التصويت على تشريعات عنصرية تجدهم أول من يتهافتون على التصويت تأييدا ودعما لها.
وهذا أمر خطير، ولكن ما لا يقل خطورة، هو التحريض الدموي المباشر ودون تأتأة، الصادر عن هذه الكتل وهؤلاء النواب، وعلى رأسهم أفيغدور ليبرمان، الذي بات رمزا لهذه العنصرية الشرسة الإرهابية، وأيضا النائب من "هئيحود هليئومي"
ميخائيل بن آري، وكلاهما عضوان "سابقان" في حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة افتراضيا في إسرائيل، ومحظورة رسميا في الولايات المتحدة، وينضم إليهما عنصريون لا أقل شراسة، مثل آرييه إلداد "هبايت هيهودي" ونيسيم زئيف من "شاس"، وموشيه يعلون من "الليكود"، وعوزي لنداو من "يسرائيل بيتينو"، والقائمة تطول جدا.
في مطلع الأسبوع الجاري قرأنا خبرا عابرا في صحيفة "هآرتس"، يتحدث عن أن الإدارة الأميركية تفحص انعكاسات تعيين ليبرمان وزيرا في الحكومة الإسرائيلية المقبلة، خاصة على ضوء ما أشيع عن عضوية سابقة له في حركة "كاخ" الإرهابية، التي يحظرها القانون الأميركي، وقانونيا ولكن على الورق فقط، في إسرائيل. وبموجب الأنظمة والقوانين الأميركية، حسب الخبر، فإنه سيكون من الصعب على ليبرمان وبن آري، الحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة.
ويبقى هذا الخبر في خانة "الإشاعة" طالما لم يصدر تأكيد أميركي، ولكن في اليوم التالي قرأنا خبرا، من المفترض أن يبعث على الأمل، بأن شيئا ما يتحرك في أروقة البيت الأبيض، وهو أن إدارة الرئيس باراك أوباما، قررت وخلافا لقرار الإدارة السابقة، المشاركة في التحضيرات لعقد مؤتمر "ديربن" الدولي الثاني، لحقوق الإنسان، الذي من المفترض أن يُعقد في العاصمة السويسرية جنيف، وأنه على ضوء تلك التحضيرات ستقرر واشنطن ما إذا كانت ستشارك في هذا المؤتمر.
وكانت إسرائيل قد قررت مسبقا مقاطعة المؤتمر، على خلفية مجريات المؤتمر الأول الذي عقد قبل سنوات قليلة في جنوب أفريقيا، إذ اعتبرت إسرائيل أن الانتقادات التي وجهت لها على خلفية انتهاكاتها الإجرامية لحقوق الإنسان، هي "معاداة للسامية"، أي لليهود، ولاقت من يساندها في هذا الموقف، في إدارة جورج بوش الزائلة.
السؤال المطروح أمام العالم، وعلى رأسه في هذه النقطة الإدارة الأميركية، هل سيكون مسموحا لإسرائيل أن تضم في حكومتها شخصيات عنصرية شرسة بهذا المستوى، في حين أن العالم قبل بموقف إسرائيل بمقاطعة حكومات أوروبية ضمت شخصيات أقل عنصرية، مثل النمسا وغيرها.
إن محاصرة إسرائيل بهدف دفعها إلى طاولة المفاوضات لا يكفي وحده، بل على العالم محاصرة إسرائيل، أيضا في عنصريتها الداخلية المتنامية، وامتحان الكيل بمكيالين، يمثل بقوة أمام إدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، الذي هزّ العالم، حتى الآن بلون بشرته السمراء فقط.
ولكن السؤال الأهم والجوهري هو ما إذا كان سيهز العالم بمواقف جديدة، مغايرة تماما لسياسة عداء الشعوب والحروب التي انتهجها سلفه، وليكن اختبار التعامل مع إسرائيل هو البداية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر