إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



انتخابات اللا استقرار تثبت حالة التشرذم وتعيد جدولة الأزمات


الثلاثاء 24/2/2009
برهوم جرايسي- المشهد الاسرائيلي

*الانتخابات أفرزت 12 كتلة برلمانية والمشكلة لا تكمن في عدد الكتل، بل في شكل توزيع المقاعد، وكون أي من الكتل لم يصل حتى إلى مستوى ربع المقاعد الـ 120 *التكتل اليميني المتشدد رسميا يضم 65 نائبا، ولكننا أمام تشكيلة برلمانيا فيها حوالي 50 نائبا تعود أصولهم إلى حزب الليكود *ملامح رئيسية للكتل البرلمانية من حيث مشهدها الداخلي واحتمالات تحركاتها الحزبية وعلى مستوى الحكومة*


أدخلت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الحلبة السياسية إلى متاهات جديدة، فور صدور النتائج، التي كان عنوانها الرئيسي، تثبيت حالة التشرذم في الحلبة السياسية، وهي الحالة التي تعاني منها إسرائيل على وجه الخصوص منذ نحو 13 عاما، وأعادت جدولة الأزمات السياسية الداخلية، وهذا كله قاد إلى حالة لم شهدتها إسرائيل مرة واحدة من قبل، في العام 1984، إذ احتاج الأمر لبضعة أيام لمعرفة من سيكلف الرئيس الإسرائيلي بتشكيل الحكومة المقبلة.
وخلافا لما توقعته استطلاعات الرأي، حتى الأيام الأخيرة قبل الانتخابات، فإن النتائج أفرزت كتلتين كبيرتين، بموجب مقاييس نتائج الانتخابات في السنوات الـ 13 الأخيرة، لـ "كديما" برئاسة تسيبي ليفني 28 مقعدا، و"الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو 27 مقعدا، وثلاث كتل وسطية لـ "يسرائيل بيتينو" 15 مقعدا، و"العمل" 13 مقعدا، و"شاس" 11 مقعدا.
وهذا في حين أن استطلاعات الرأي توقعت نتائج متقاربة أكثر بين الكتل الأربعة الكبيرة، ولكن على الرغم من النتائج، فإن هذا لم يُسقط استنتاج أن الكنيست الحالي هو متعدد الرؤوس، إذ أن مجموع مقاعد الكتلتين الكبيرتين معا، يصل إلى 55 مقعدا، ولا يحقق حتى أغلبية برلمانية.
وقد عاد الكنيست يحمل 12 كتلة برلمانية، إلا أن المشكلة لا تكمن في عدد الكتل، كما يرى البعض في الحلبة السياسية، لأنه منذ السنوات الأولى لإسرائيل لم تكن أي دورة برلمانية يقل عدد الكتل فيها عن 10 كتل، لا بل إن الغالبية الساحقة من سنوات البرلمان الإسرائيلي كان فيها ما بين 12 إلى 15 كتلة برلمانية، ولكن حتى العام 1992 كانت هناك كتلتان كبيرتان، تسيطران معا على ما بين 67% وحتى أكثر من 75% من مقاعد الكنيست، بمعنى أن كل كتلة منهما كان بمقدورها ضم كتل صغيرة إليها لتشكل حكومة بسرعة.
ولكن اليوم فإن توزيعة المقاعد تختلف، إذ باتت هناك كتل وسطية، في حين أن الكتلة الكبيرة لا يصل عدد مقاعدها إلى 30 مقعدا، مما يعني أن كل مكلف بتشكيل حكومة جديدة، وفي حال لم ينجح في ضم الكتل الكبيرة الثانية، فإنه سيحتاج إلى ما لا يقل عن أربع كتل وأكثر، ليضمن لنفسه أغلبية برلمانية، وهذا يعني كثرة التناقضات الداخلية في الائتلاف الحكومي، على مختلف المستويات، السياسية الخارجية والداخلية، والاقتصادية والاجتماعية، كما هو الحال اليوم، مع طبيعة التركيبة الجديدة للانتخابات.
وهذا كله مرتبط بحالة عدم الاستقرار المتصاعدة باستمرار في إسرائيل في السنوات الأخيرة، بعد اصطدامها بقوة، بحقيقة أن عليها إنهاء الصراع الإقليمي، وهي تتخبط بأشكال الرفض، وهذا انعكس مباشرة على الحلبة الداخلية، اضافة إلى تفجر أزمات اجتماعية داخلية، ومن نتائج هذه الحالة كثرة الأحزاب، وتراجع قوة الأحزاب التاريخية، وظهور أحزاب فجأة، وتدخل الكنيست بقوة لمرة واحدة، وتختفي كليا في الانتخابات التي تليها.
ومما يثبت هذه الحالة احصائيا، فإنه إلى جانب حقيقة أنه منذ 60 عاما، ومن أصل 18 انتخابات برلمانية جرت خمسة فقط في موعدها الرسمي، فإننا نرى أن 13 انتخابات جرت على مدى 46 عاما، بينما خمس انتخابات جرت خلال 13 عاما، يضاف اليها انتخابات مباشرة لرئيس الحكومة جرت في العام 2001، ولولا ذلك النظام الذي كان متبعا لفترة قصيرة، لكانت إسرائيل توجهت في ذلك العام إلى انتخابات برلمانية أخرى.
وفي حين كان معدل الولاية البرلمانية ثلاث سنوات ونصف السنة، فإن المعدل للولاية الواحدة يتراوح ما بين ثلاث سنوات وأقل، أضف إلى هذا أنه في السنوات الستين الماضية جرى تشكيل 31 حكومة، ونحن مقبلون على الحكومة الـ 32، مما يعني أن معدل الحكومة الواحد اقل من عامين، في حدود 22 شهرا.

طبيعة الكنيست سياسيا

كما هو معروف فإن الكنيست أفرز تركيبة برلمانية واضحة، والعنوان الأبرز، هو أن "التكتل اليميني المتشدد" الذي يضم ستة أحزاب، يضم 65 نائبا من أصل 120 نائبا، ولكن بنظرة أخرى، نرى أن التوجهات اليمينية في الكنيست تحظى بعدد أكبر بكثير من المقاعد، ولا أقل من 83 نائبا على أقل تعديل.
وما يدعم هذا الاستنتاج، هو حقيقة أن حزب "كديما" بزعامة ليفني، منشق أصلا عن حزب الليكود، منذ العام 2005، مع نهاية الدورة السادسة عشرة، التي كان فيها لليكود 40 مقعدا، وإذا ما قرأنا أسماء أعضاء الكنيست من أصول ليكودية، نجد أن في كتلة "كديما"، وباستثناء اثنين فقط أصولهم من حزب "العمل"، فإن الباقي إما هم أعضاء كنيست منشقين عن الليكود مباشرة، (حوالي 18) أو أنهم انضموا إلى "كديما" لاحقا، ولكن توجهاتهم أقرب إلى اليمين منها إلى اليسار.
وإذا ما أضفنا لهؤلاء نائبا من "يسرائيل بيتينو"، الوزير الأسبق عوزي لنداو، وتنبهنا إلى حقيقة أن أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "يسرائيل بيتينو" كان قبل سنوات المدير العام لحزب "الليكود"، فإننا نستنتج أن في الدورة البرلمانية الحالية، ما بين 47 إلى 50 نائبا من حزب "الليكود" حاليا واصلا.
وبطبيعة الحال، فإنه يضاف إلى هؤلاء نواب من الأحزاب اليمينية الأخرى، تلك التي تمثل المستوطنين، أو المتدينين الأصوليين "الحريديم".
وهذه الحالة كانت قائمة، لربما بدرجة أقل، في الدورة البرلمانية القائمة، إذ أن غالبا ما كان نواب الائتلاف المحسوب على الوسط، يلتقي بقوة مع المعارضة اليمينية في الغالبية الساحقة جدا من عمليات التصويت على قوانين ذات طابع عنصري موجهة بالأساس ضد المواطنين العرب في إسرائيل، أو تلك التي تضع عقبات خطيرة أمام آفاق الحل الدائم في المنطقة، مثل فرض تقييدات على انسحابات مفترضة مستقبلية من منطقتي القدس وهضبة الجولان، وغيرها من القوانين.
والاستنتاج الحاصل، هو أن العنصرية في الكنيست ليس فقط أنها سجلت زيادة عددية، بل أيضا استفحلت عمقا، ففي حين تتركز الأنظار على حزب "يسرائيل بيتينو" العنصري الشرس، فإنه في كتلة "هئيحود هليئومي"، هناك نائب جديد، الدكتور بن آري، يجاهر ويتباهى أنه من حركة "كاخ" الإرهابية، المحظورة في الولايات المتحدة، وقانونيا أيضا في إسرائيل، إلا أن كل قادتها يتحركون سياسيا بحرية.
وقد أعلن بن آري أنه شكل طاقم مساعدين له، من حركة "كاخ" ذاتها، وهما باروخ مارزل، الذي كان مديرا لكتلة "كاخ" في دورتها البرلمانية الوحيدة، من 1981 إلى 1984، حين كان يمثلها الراب مئير كهانا، والثاني ايتمار بن غفير، من ابرز وجوه حركة "كاخ" في هذه المرحلة، ويضاف إلى هذا، هو ما كشف النقاب عنه في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية، وهو أن أفيغدور ليبرمان ذاته، كان في سنوات الثمانين عضوا في حركة "كاخ"، إلا أن ليبرمان تهرب من المجاهرة، في حين أكد بن آري هذه الحقيقة.
وقد قاد الأمر إلى ظهور أنباء تتحدث عن أن الولايات المتحدة باتت تدرس بجدية، كيفية التعامل مع ليبرمان خاصة في حال تعيينه وزيرا، وأيضا مع بن آري، كعضو كنيست، إذ حسب القانون الأميركي، فإنه سيكون من الصعب منحهما تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، بسبب ماضيهما ضمن تنظيم يعتبره القانون الأميركي تنظيما إرهابيا.
وأمام هذا الواقع، فقد تلقى
"اليسار الصهيوني"، خاصة المتمثل بحركة "ميرتس" ضربة قاصمة في هذه الانتخابات، وهذا على الرغم من كافة استطلاعات الرأي التي توقعت لأسابيع طويلة زيادة قوة "ميرتس" في الانتخابات البرلمانية من 5 مقاعد في الدورة المنتهية، إلى 7 وحتى 8 مقاعد.
ولكن وحسب عدد كبير من المحللين، فإن الموقف الذي تبنته "ميرتس" من العدوان على قطاع غزة وتأييد الحرب دون أي تحفظ، أبعد جمهورا عنها، ولربما امتنع عن التصويت في نهاية المطاف.
وفي المقابل فإن محللين آخرين يعتقدون أن تنامي القلق من ازدياد قوة اليمين العنصري المتطرف، الذي من المفترض أن ينضم لحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، جعل آلاف مصوتي اليسار يصوتون لحزب "كديما" برئاسة تسيبي ليفني، على افتراض أن قوة كبير لحزب "كديما" قد يصد الليكود ونتنياهو، ومعه اليمين.

ملامح الكتل البرلمانية

كما ذكر فإن الانتخابات أفرزت 12 كتلة برلمانية، تلتقي ست منها ضمن "التكتل اليميني المتشدد"، ولكن هذا التوافق السياسي تجاه الخارج لا يمنع خلافات داخلية بين أطراف هذا التكتل، وفي المقابل فإن الكتل الست الأخرى، ليست متفقة في ما بينها إطلاقا، وفي حال بقيت في المعارضة، فإن "كديما" تبقى كتلة الوسط نحو اليمين، و"العمل" الوسط نحو اليسار، و"ميرتس" "اليسار الصهيوني، والكتل الثلاث التي تمثل الجماهير العربية الفلسطينية، ولها 11 مقعدا، بدلا من 10 مقاعد في الدورة السابقة.
ونستعرض في ما يلي ملامح رئيسية لكل واحدة من الكتل البرلمانية.

"كديما"

حصل حزب "كديما" على 28 مقعدا، برئاسة تسيبي ليفني، مجتازا حاجز التشكيك ببقائه حزبا بعد الدورة البرلمانية الأولى له، إذ ثبت قوته البرلمانية، رغم تراجعه بمقعد واحد، إلا أنه كان قد اجتاز امتحانا آخر، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، حين حقق نجاحات في انتخابات المجالس البلدية والقروية.
وحتى أمس، فإن الاحتمال الأقرب أن يتوجه "كديما" إلى صفوف المعارضة، إلا إذا حصلت مفاجآت أو تطورات، جعلته يتجه نحو حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو.
على الرغم من ظهور كتلة "كديما" متراصة، إلا أنه من المتوقع أن تشهد خلافات داخلية، خاصة بين رأسي الكتلة، ليفني، ومنافسها السابق على رئاسة الحزب، شاؤول موفاز، الذي حسب تقارير صحفية، فإنه تواق جدا للانضمام إلى حكومة بنيامين نتنياهو، وهذا الصراع الخفي، قد يتأجج في حال قرر الحزب التوجه إلى انتخابات لرئاسة الحزب بعد عام من الآن.
تضم الكتلة عددا من النواب من ذوي التوجهات اليمينية، التي لا تقل في تشددها عن مواقف شخصيات بارزة في حزب "الليكود"، ومن المثير رؤية تعاملها مع قرارات حكومية مستقبلية ذات طابع يميني، في حال قرر الحزب، كونه معارضا، معارضتها.

"الليكود"

يعود "الليكود" حزبا حاكما، بعد دورة برلمانية واحدة، وفي حال نجح بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته، يكون بذلك أول رئيس حكومة منتخب، يعود لرئاسة الحكومة بعد عشر سنوات على رئاسته الحكومة السابقة، إذ سبقه بذلك دافيد بن غريون، في منتصف سنوات الخمسين، الذي ترك رئاسة الحكومة لعامين، أما يتسحاق رابين، فإنه تسلم رئاسة الحكومة في منتصف سنوات السبعين، في أعقاب استقالة غولدا مئير، وليس كمنتخب على رأس حزب، ثم عاد على رئاسة حزب "العمل" في العام 1992.
الكتلة البرلمانية لحزب "الليكود" تعج بشخصيات بارزة، من بينها من عرف سابقا بمعارضته الشديدة لنهج نتنياهو، وهناك شخصيات لها وزن شعبي ما، يمنحها القدرة على مواجهة رئيس الحكومة ومعارضته، بمعنى أن نتنياهو مقبل على أزمات داخلية في داخل كتلته البرلمانية ستضعه في مواقف حرجة.
وعلى رأس هؤلاء، رئيس أركان الجيش الأسبق موشيه يعلون، الذي في حال جرى تعيينه وزيرا للأمن (الدفاع) فإنه، وحسب تقارير صحفية معتمدة على مصادر عسكرية، قد يثير قلاقل في صفوف قيادة الجيش، التي غادرها بغير إرادته قبل نحو أربع سنوات، بقرار من رئيس الحكومة اريئيل شارون، ووزير الأمن في حينه شاؤول موفاز.
أما الشخصية الثانية، فهو بنيامين بيغين، الوزير الأسبق، الذي استقالة من حكومة بنيامين نتنياهو في مطلع العام 1997، في أعقاب التوقيع على اتفاقية الخليل، مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهو معروف بمواقفه المتشددة، ضد أي شكل من المفاوضات مع الفلسطينيين، ولهذا في حال تعرض حكومة نتنياهو لضغوط ودفعها نحو استئناف المفاوضات، فإن نتنياهو قد يصطدم مجددا مع خصمه القديم، حليفه الجديد، بيغين.
كذلك هناك النائب العائد دان مريدور، المعروف بمواقفه اليمينية الأقرب إلى الوسط، وحتى الآن ليس من الواضح كيف سيتعامل مع سياسة يمينية متشددة، قد تنتهجها حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو.

"يسرائيل بيتينو"

"يسرائيل بيتينو" حصل على 15 مقعدا، برئاسة أفيغدور ليبرمان، وفي هذا الحزب الذي يعتمد على قرارات انفرادية لزعيمه، ليس من المتوقع ظهور أية تشققات وخلافات داخلية، ولكن قد تكون لليبرمان مشكلة ما مع الشخصية الثانية في حزبه، الوزير الأسبق من حزب "الليكود" عوزي لنداو، على أسس واعتبارات شخصية، وليس سياسية، إذ أن لنداو ليس من الشخصيات التي من الممكن أن تكون تابعة لقرارات انفرادية، حسب ما هو سائد في حزبه الجديد.
يشار هنا إلى أن لليبرمان كانت مشكلة في الدورة السابقة مع الرجل الثاني في حزبه، يسرائيل حسون، النائب الأسبق لرئيس جهاز "الشاباك"، الذي أبدى مرارا تحفظاته من المواقف العنصرية المتشددة جدا، ضد الأقلية العربية، رغم أنه يتبنى مواقف يمينية.

"العمل"

خلافا لتجارب سابقة، فإنه بعد أسبوعين من الانتخابات، لم نر سيوفا قد استلت ضد رئيس الحزب، وهذه المرّة إيهود باراك، واتهامه بالفشل في الانتخابات، باستثناء الرئيس السابق للحزب عمير بيرتس، الذي أعلن نيته المنافسة مجددا على رئاسة الحزب، وهو يعرف مسبقا أن فرصه شبه معدومة، دون أية مخاطرة بهذا التكهن.
وكما يبدو، فإن مرد هذا هو أن انهيار هذا الحزب التاريخي إلى مستوى 13 مقعدا، لم يكن مفاجئا، إذ تنبأت به استطلاعات الرأي طيلة الوقت، باستثناء الأسابيع الثلاثة التي شنت فيها إسرائيل حربها على قطاع غزة، إذ توقعت الاستطلاعات أن تكون النتيجة أفضل بقليل من النتيجة النهائية، ما بين 15 إلى 17 مقعدا.
ومن أسباب عدم بدء الحرب الداخلية في اليوم التالي للانتخابات، هو الشعور بالمسؤولية الجماعية بالفشل، أو تحميل مسؤولية للرئيس السابق للحزب بيرتس، وغيرها من الأسباب، التي سنأتي عليها في معالجات مستقبلية.
ولكن ما هو واضح منذ الآن، أن الاحتمال الأقوى جدا هو جلوس "العمل" في مقاعد المعارضة، على الأقل في هذه المرحلة، وأن الخلافات في الحزب ستظهر بشكل اقوى، مع اقتراب موعد انتخاب رئيس جديد للحزب، بعد عام من الآن، بموجب دستور الحزب، الذي يلزم بالتوجه إلى انتخاب رئيس جديد للحزب، بعد عام من الانتخابات البرلمانية، في حال لم يشكل الحزب الحكومة الجديدة.


الكتلتان الدينيتان

حصل حركة "شاس" في هذه الانتخابات على 11 مقعدا، بأقل من مقعد واحد من الانتخابات السابقة، ولكنها عمليا اعتبرت نفسها فائزة، كونها حافظت على قوتها، رغم استطلاعات الرأي التي كانت تتوقع لها خسارة مقعدين وحتى ثلاثة مقاعد.
وفي المقابل، فقد خسرت كتلة "يهدوت هتوراة" التي تضم حزبين لليهود الاصوليين الأشكناز، معقدا واحدا، مقارنة مع الدورة السابقة، وحصلت على خمسة مقاعد.
على الرغم من الخلافات الطائفية بين هاتين الكتلتين، إلا أنهما قررتا تشكيل "جبهة" واحدة، للوقوف في مواجهة أمرين، الأول مواجهة أية محاولات لسن قوانين تتعارض مع الشرائع اليهودية، من قبل حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني المتشدد، ولكن له في نفس الوقت أجندة علمانية، وفي هذا الشأن فقد انضم إلى هذه الجبهة حزب المستوطنين "هئيحود هليئومي"، رغم ليبراليته من ناحية دينية، أمام يمينيته المتشددة جدا.
والأمر الثاني، هو الاصرار على رفع مخصصات الأولاد التي تتقاضاها كل عائلة عن كل ولد لديها دون سن الـ 18 عاما.
هاتان الكتلتان تربطان مصيرهما بقرارات الزعامة الروحية، وهي عادة كتل منضبطة لا تظهر فيها خلافات داخلية.

كتلتا المستوطنين

افرز الانشقاق الذي حصل في الدورة السابقة في كتلة "هئيحود هليئومي"، وجود كتلتين في الدورة الحالية، الأولى تحمل نفس الاسم وتضم أربعة أحزاب ولها أربعة مقاعد، والثانية "هبايت هيهودي" وهي الاسم الجديد لحزب "المفدال"، ولها 3 مقاعد، بمعنى 7 مقاعد، بدلا من 9 مقاعد من الدورة الماضية.
وتستند هاتان الكتلتان على جمهور مستوطني الضفة الغربية والقدس المحتلة، إلا أن قطاعا من هذا الجمهور جنح في هذه الانتخابات، نحو حزبي "الليكود" "ويسرائيل بيتينو"، إذ أن في كل واحد من هذين الحزبين أعضاء يمثلون مباشرة المستوطنين، عدا عن البرنامج اليميني المتشدد أصلا لديهما.
وعلى الرغم من ذلك، فإن مقاييس التفسيرات الإسرائيلية لليمين المتشدد، والأكثر تشددا، وضعت "هبايت هيهودي" في خانة الأقل تشددا، في حين تعاملت مع كتلة "هئيحود هليئومي" الأكثر تطرفا، كونها تضم حركة "هرعيون هيهودي" (الفكر اليهودي)، وهي إحدى تسميات حركة "كاخ" الإرهابية التي يحظرها القانون الإسرائيلي رسميا، وليس فعليا.
في حال شكل نتنياهو حكومة تستند إلى معسكر اليمين المتشدد فإنه لن يكون باستطاعته التخلي عن أي من هاتين الكتلتين، رغم أنهما ستكونان مصدر القلاقل الأول لنتنياهو وحكومته، في حال رضخ لضغوط دولية لاستئناف المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، هذا إذا ما ظهرت أصلا ضغوط كهذه.

"ميرتس"

لم تنجح محاولات "العلاج المكثف" لمنع انهيار حركة "ميرتس" اليسارية الصهيونية، في الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات، والتي تمثلت باختلاق إطار يساري جديد، يضم شخصيات النخبة اليسارية، وفقدت الحركة مقعدين من أصل خمسة كانوا لها في الدورة السابقة، لتضم اليوم ثلاثة نواب، مع اقل من 100 ألف ناخب.
خلافا لحزب "العمل"، فإن أصابع الاتهام وجهت مباشرة لرئيس الحزب الجديد نسبيا، حاييم اورون، وظهرت مطالبات باستقالته من رئاسة الحزب، ولكن هناك عدة أسباب جوهرية أدت إلى تلقي هذه الحركة ضربة قاصمة، وهي استمرارا لسلسلة من الضربات في السنوات الأخيرة، إذ كان لها قبل 10 سنوات 12 مقعدا، وتشكل القوة الثالثة في الكنيست.
والأسباب الجوهرية تعود إلى نهج هذه الحركة، وخطابها السياسي الذي لم ينجح في محاولته اختلاق صيغة تجمع بين توجهات اليسار لدى من لا يريدون الخروج من دائرة تعريف أنفسهم صهاينة، وبين توجهات الإجماع الصهيوني في الحلبة الإسرائيلية، وخير مثال على هذا، هو موقف الحركة المؤيد للحرب على غزة، وقبله التأييد الأولي للحرب على لبنان.
السياق الطبيعي لنتائج الانتخابات يشير إلى أن ميرتس ستبقى في صفوف المعارضة، ومن المثير متابعة التطورات اللاحقة في هذه الحركة، ورؤية ما إذا ستبحث لنفسها عن إطار جديد، أو إعادة بناء نفسها.

الكتل الثلاث الممثلة للعرب

حققت الكتل الثلاث الممثلة للجماهير العربية في إسرائيل انجازا هاما في هذه الانتخابات على عدة مستويات، الأول، أنها تخطت مراهنات تراجع قوتها، من 10 مقاعد إلى حتى ستة مقاعد، وحققت مقعدا إضافيا، ولكن الأهم بالنسبة للشارع العربي ككل، هو توجيه ضربة قاصمة للأحزاب الصهيونية، التي انخفضت قوتها في الشارع العربي من أكثر من 25% في انتخابات 2006 إلى 14% في الانتخابات الأخيرة.
إلى ذلك فإن الشارع العربي تخطى أيضا المراهنات على نسبة التصويت، إذ كانت في هذه الانتخابات قرابة 54%، مقابل أقل من 67% بين اليهود، وهي نسبة قريبة جدا من النسبة التي كانت في انتخابات 2006، وهنا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار حالة الطقس العاصف التي شهدتها البلاد في يوم الانتخابات، إذ أنه لولاها لتحققت توقعات استطلاعات الرأي التي كانت تتحدث عن أكثر من 57%، وحتى 60% لنسبة التصويت.
ستواجه الكتل الثلاث التي نأتي عليها هنا، برلمانا يسجل ذروة جديدة وأخطر من العنصرية، بعد أن سجلت الدورة المنتهية ذروة جديدة، هي أيضا، وهذا ما سيدفعها إلى استمرار التنسيق القائم في ما بينها منذ سنوات طوال.
وفي يلي الكتل الثلاث حسب أصواتها وعدد مقاعدها:
القائمة "العربية الموحدة- العربية للتغيير"، وتضم ثلاثة أحزاب، وهي الحركة الاسلامية- الجناح الجنوبي، والحركة العربية للتغيير، والحزب الديمقراطي العربي، وحصلت هذه الكتلة على قرابة 114 ألف صوت، وحافظت على عدد مقاعدها الأربعة، التي سيشغلها، النواب ابراهيم صرصور، وأحمد طيبي وطلب الصانع، والنائب الجديد مسعود غنايم، وهو النائب الثاني عن الحركة الإسلامية بعد النائب إبراهيم صرصور، وغنايم معلم مدرسة، وهو من مدينة سخنين.
"الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، خاضت الانتخابات من دون تحالفات، وحصلت على أكثر من 112 ألف صوت، من بينها حوالي 6 آلاف صوت من الشارع اليهودي، بارتفاع أكثر من الضعف، مقارنة مع انتخابات العام 2006.
وحصلت الجبهة على مقعد رابع إضافي، بعد أن كان لها في الدورة السابقة 3 مقاعد، ويمثلها في الكنيست، النواب محمد بركة وحنا سويد ودوف حنين، والنائب الجديد الدكتور عفو اغبارية، وهو طبيب جراح من مدينة أم الفحم.
"التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي خاض الانتخابات بقائمة مستقلة، وضم اليه النائب السابق عن الحركة الإسلامية عباس زكور، الذي احتل المكان الرابع في القائمة، وحصل التجمع على قرابة 84 ألف صوت، وحافظ على مقاعده الثلاثة، التي يشغلها، النائبان جمال زحالقة وسعيد نفاع، والنائبة الثالثة الجديدة حنين زعبي، متخصصة في الإعلام، وهي من مدينة الناصرة، وهي المرأة الأولى التي تدخل الكنيست ضمن واحدة من الكتل التي تمثل الجماهير العربية مباشرة.
وقد كان في الكنيست سابقا امرأتان عربيتان، واحدة عن حركة "ميرتس" في العام 1999، والثانية من حزب "العمل"، في العام 2006، ولم تنتخب في الدورة الجديدة.





مفارقات برلمانية

ليفني وليبرمان يواجهان مع أدخلهما للحلبة السياسية: نتنياهو


من مفارقات مع أفرزته الانتخابات الإسرائيلية أن المكلف بتشكيل حكومة جديدة، زعيم حزب الليكود" بنيامين نتنياهو، يواجه عمليا زعيمين حزبين، ادخلهما بنفسه إلى الحلبة السياسية، وهما زعيمة حزب "كديما" تسيبي ليفني، وزعيم حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان.
فقد دخلت ليفني إلى الكنيست لأول مرة في انتخابات العام 1999، ضمن كتلة حزب الليكود، وأشيع في حينه أنها من الوجوه الجديدة التي سعى نتنياهو بقوة لضمها في مكان مضمون لقائمة الليكود، الذي كان يواجه في تلك الأيام تلقي ضربة قاسية، وتلقاها بالفعل في تلك الانتخابات.
إلا أن ليفني وبعد فترة قصيرة من دخولها إلى الكنيست، باتت مقربة من أريئيل شارون، الذي فاز برئاسة الحزب، بعد استقالة نتنياهو بعد الانتخابات، ووقفت إلى جانب شارون في شتاء العام 2001، بعد فوزه برئاسة الحكومة، أمام إيهود باراك، حين واجه ضغوطا لضم نتنياهو وزيرا إلى الحكومة، إلا أن شارون كان قد رفض ذلك عمليا.
كذلك فإن ليفني حافظت على اصطفافها إلى جانب شارون، طيلة السنوات التالية، وصولا إلى الانشقاق مع شارون عن حزب "الليكود" وتشكيل حزب "كديما".
أما ليبرمان، فقد بدأ ظهوره على الحلبة السياسية، حين عينه نتنياهو في العام 1993 مديرا عاما لحزب "الليكود"، ورغم أن هذا المنصب إداريا، ليس ملموسا في أي حزب على المستوى الخارجي، إلا أن شخصية ليبرمان الحادة، وكونه كان الذراع التنفيذي لنتنياهو، الذي سعى إلى إحداث انقلابات في موازين القوى في داخل الحزب في تلك السنوات، جعلت من ليبرمان شخصية بارزة على مستوى الحلبة السياسية، وقيل انه وقف فعليا من وراء الكثير من التغييرات التي شهدها الليكود في تلك السنوات.
وبعد انتخاب نتنياهو رئيسا للحكومة في العام 1996، عين ليبرمان مديرا عاما لديوان رئاسة الحكومة، وأودع في يديه صلاحيات كثيرة، وقاد هذا الأمر إلى وصف ليبرمان في الصحافة الإسرائيلية بـ "المدير العام للدولة"، أضف إلى هذا، أن نتنياهو وبالتعاون مع ليبرمان، شكل عمليا في ديوان رئاسة الحكومة، "حكومة ظل" لحكومته هو، مما ساهم في قلاقل كثيرة بين ديوان رئاسة الحكومة وبين الوزراء المختلفين، حين كانوا يجدوا أن في ديوان رئاسة الحكومة من ينقض توجهاتهم ويأتي بقرارات بديلة لقرارات وزاراتهم.
في العام 1998 استقال ليبرمان من منصبه، ومن هنا بدأ طريقا مستقلا بعيدة عن نتنياهو، وشكل حزبا خاض الانتخابات في العام 1999 وفاز بأربعة مقاعد، ومن يومها بات يرى بنفسه ندا لنتنياهو، وهو الآن يتطلع إلى وصوله لمرحلة ينافس فيها على رئاسة الحكومة.
ويتوقع مراقبون ومحللون، أنه في حال انضم ليبرمان وزيرا لحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، فإن الماضي لن يشفع لنتنياهو، وأن خلافات حادة ستنشب بينهما.


تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر