إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



حكومة يمينية إسرائيلية "تتحدى"


السبت- 28/2/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

لم يمر يوم واحد، منذ الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، إلا وتحدثت فيه الصحافة الإسرائيلية، ومعها بعض الجهات السياسية، عما ستواجهه إسرائيل على مستوى الأسرة الدولية، في حال تشكلت حكومة يمينية متشددة، حسب لغة التخفيف، التي تنعم بها إسرائيل في المنابر الدولية، ويمينية إرهابية، حسب كل المواصفات العالمية لتعريف الإرهاب.
فقرأنا مثلا، أن رئيس الحكومة المستقيل، إيهود أولمرت، يحث وزيرة خارجيته، رئيسة حزب "كديما"، تسيبي ليفني، على الانضمام إلى حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، "لأن حكومة يمينية متشددة ستتسبب بأضرار قاسية جدا لإسرائيل في الحلبة الدولية" كما يقول أولمرت.
وقرأنا أيضا، أن نتنياهو ذاته، "يلح" و"يسعى" من أجل إقامة حكومة موسعة تضم حزبي "كديما" و"العمل"، وحتى أنه ألمح لاستعداده "للتخلي" عن شركاء مفترضين في حكومته، والتلميح واضح هنا لأحزاب اليمين المتطرف.
وحين نتحدث عن "متشدد" و"متطرف"، وكما جاء في معالجة سابقة هنا، فإن الحديث يجري عن أعضاء كنيست ومساعدين لهم شاركوا بشكل فعال في تنظيم يهودي إرهابي، باسم "كاخ"، تحظره الولايات المتحدة، ويحظره القانون الإسرائيلي ولكن شكليا.
ومنذ ظهور النتائج النهائية باتت الأحزاب اليمينية ترى نفسها شريكة طبيعية في حكومة نتنياهو المستقبلية، ولا تكف عن شرح مطالبها ومواقفها يوميا، فمثلا تطالب أحزاب مستوطني الضفة الغربية، التي تتمثل في كتلتين برلمانيتين، بتكثيف البناء في جميع مستوطنات الضفة الغربية، وعدم إزالة أي من البؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة الغربية، وعددها أكثر من 110 بؤر، رغم تعهد إسرائيل منذ سبع سنوات بإزالتها.
أما الإرهابي أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، ومعه عدد كبير من أعضاء الكنيست من أحزاب أخرى، يعلنون نيتهم سن أبشع القوانين عنصرية ضد فلسطينيي 48، كوسيلة ضاغطة لحثهم على مغادرة الوطن، الذي عاهدوه بأن لا يغادروه: "إما على أرضه أو فيها"، حسب المبدأ القائم بين فلسطينيي 48.
وفي الوقت الذي يعرف فيه ليبرمان، مثلا، أنه سيواجه مشكلة في تجواله بحرية في العالم، فإنه يعلن في اليومين الأخيرين، بأنه يطمح لتولي حقيبة الخارجية، ويقول: "كل دولة تسعد لاستقبالي بما في ذلك مصر"، مذكرا بدعوته قبل سنوات، لـ "تدمير طهران وسد أسوان".
إن هذه الغطرسة اليمينية، تتم بشعور من القوة تستمدها من الشارع الإسرائيلي، وهذا رغم ما تلمسه إسرائيل من متغيرات جارية في الساحة الدولية، وهناك حاجة للاعتراف بأنه في الأيام الأخيرة بتنا نلمس، على الأقل خطابيا، تغيرا في اللهجة الصادرة من البيت الأبيض، والإدارة الأميركية ككل، مخالفة لتلك التي كنا نسمعها في السنوات الثماني الأخيرة.
وهذه اللهجة كما يبدو، "بعثت الروح" مجددا في الخطاب الأوروبي، الذي تواطأ في السنوات الأخيرة مع الخطاب الأميركي، وبات يذكرنا الآن بسنوات خلت.
حتى الآن يجب إتباع الحذر، وعدم الغرق في أوهام الفرج، وكأن السياسة الأميركية قد تغيرت جذريا، أو أننا أمام انقلاب في موازين القوى الدولية، فلا هذا ولا ذاك، حتى الآن، وعلى الأقل للمستقبل القريب.
ولكن السؤال الذي نطرحه على أنفسنا في هذه المرحلة بالذات، هل حقا نحن مقبلين عن تحول جذري في السياسة الإسرائيلية؟، والحقائق الميدانية تؤكد: لا، وكل ما في الأمر أن جعجعة اليمين ستتسبب بـ "وجع رأس" على المستويين المحلي والخارجي لإسرائيل، في حين أن كل ما يطالب به اليمين يجري تنفيذه "بهدوء" تحت سمع وبصر العالم كله، وبتزامن مع المفاوضات التي كانت تجري على المسارين الفلسطيني والسوري، لأن الاستيطان لم يتوقف أيضا في هضبة الجولان السورية المحتلة.
وهذا بالذات مصدر قلق أولمرت، الذي يقول في نفسه: إن "هؤلاء الأغبياء في اليمين سيدمرون كل ما نبنيه".
ولنجعل الأرقام تتحدث لوحدها: في خريف العام 1993، حين بدأ مسار أوسلو، كان عدد مستوطني الضفة الغربية وقطاع غزة قرابة 90 ألف مستوطن، يضاف إليهم قرابة 50 ألف مستوطن في الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة، بمعنى 120 ألف مستوطن، مقابل حوالي 6 آلاف مستوطن في هضبة الجولان السورية المحتلة.
أما في نهاية العام 2008، فإن الحديث يجري عن قرابة نصف مليون مستوطن، 300 ألف منهم في مستوطنات الضفة الغربية، وقرابة 200 ألف في الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة، أما مستوطني هضبة الجولان السورية، فيفوق عددهم اليوم 30 ألفا، أي أنه خلال 15 عاما، تضاعف عدد المستوطنين ما بين 4 إلى 5 أضعاف.
إلى ذلك، فإن جميع التقارير الإسرائيلية، قبل الخارجية، تتحدث عن فترتين كانت فيهما وتيرة الاستيطان هي الأشد، الأولى إبان حكومة إيهود باراك، زعيم حزب "العمل" من العام 1999، وحتى العام 2001، والثانية في فترة الحكومة المنتهية، برئاسة إيهود أولمرت.
وهنا بالذات تجدر الإشارة إلى إحصائية هامة جدا، فالمشاريع الاستيطانية تحتاج إلى موافقة وزير الحرب بموجب "القانون الإسرائيلي"، وقد تولى إيهود باراك نفسه وزارة الحرب في منتصف العام 2007، ولهذا فإنه لا عجب حين نقرأ بكل وضوح، أن وتيرة الاستيطان في العام 2008 ازدادت عن 2007 بنسبة 60%.
بمعنى أن إسرائيل تجرأت على بناء أضخم المشاريع الاستيطانية في أوج المفاوضات السياسية وتحت غطائها، وبذرائع مختلفة، في حين أنها في ظل فترات تجميد المفاوضات كانت تستدعي ضغطا عليها، وهذا ما لا تريد المؤسسة الإسرائيلية تكراره في هذه المرحلة.
بطبيعة الحال هذا لا يعني الاستسلام للأمر الواقع، على العكس تماما، فهنا الآن فرصة سانحة أمام القيادة الفلسطينية لاستغلال المتغيرات على الساحة الدولية، وإن كانت محدودة حتى الآن، وممارسة الضغط المكثف في الساحة الدولية، للفت الأنظار إلى ما يجري في الضفة الغربية، وهذا الضغط من الممكن أن يثير من جديد الرأي العام العالمي، وخاصة الشارع الأوروبي، الذي وقف مرارا إلى جانب القضية الفلسطينية، ليكون ضاغطا هو أيضا على الحكومات الأوروبية، وبالتالي على الإدارة الأميركية للضغط على إسرائيل.
في الأيام القليلة ستزور وزيرة الخارجية الأميركية الجديدة هيلاري كلينتون المنطقة، وهناك حالة ترقب لما ستقوله أمام ساسة إسرائيل مباشرة، حول رؤية الإدارة الأميركية لطبيعة المرحلة المقبلة، وهذا ما قد يؤثر أو لا يؤثر على المفاوضات الداخلية لتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر